برنامج اقتصادي سويسري يعمق التعاون الإستراتيجي مع المغرب

31.3 مليون دولار الميزانية المخصصة للفترة بين عامي 2025 و2028.
السبت 2025/10/11
بداية جديدة لشراكة أوسع

في سياق التحولات العالمية ودعم الشراكات الدولية، يبرز التعاون بين المغرب وسويسرا كنموذج متقدم للتقارب الإستراتيجي القائم على المصالح المتبادلة، والذي تعزز من خلال إطلاق برنامج اقتصادي للسنوات القليلة المقبلة لدفع التنمية المستدامة وسوق العمل وتشجيع الابتكار والاستثمار.

الرباط - أطلقت سويسرا برنامجها الجديد للتعاون مع المغرب للفترة الممتدة بين عامي 2025 و2028، في خطوة تؤشر على مرحلة جديدة من التعاون الإستراتيجي وتعميق الروابط الاقتصادية بين البلدين.

وسيركز البرنامج بميزانية ثنائية قدرها 25 مليون فرنك سويسري (31.3 مليون دولار) على تعزيز التنافسية وزيادة زخم سوق العمل، خاصة في المناطق ذات الإمكانات الاقتصادية القوية.

ويعكس هذا التعاون تحولا نوعيا في العلاقات الثنائية، حيث تنتقل من إطار التعاون التقليدي إلى شراكة إستراتيجية موسعة قائمة على أسس دعم التنافسية، وتوفير فرص العمل المستدامة، وتعزيز منظومة الابتكار في المغرب.

فالنتين زيلويغر: هذا التوجه خيار يعكس الإرادة في بناء شراكة مستقبلية
فالنتين زيلويغر: هذا التوجه خيار يعكس الإرادة في بناء شراكة مستقبلية

وبموجب البرنامج، الذي أعلن عنه هذا الأسبوع بحضور وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور، وسفير سويسرا لدى الرباط فالنتين زيلويغر، أصبح المغرب رسميا بلدا ذا أولوية للتعاون السويسري، لتنفيذ أهدافه على مدى السنوات الأربع القادمة.

وأكد زيلويغر أن هذا التوجه هو خيار وصفه بأنه تعبير عن “ثقة عميقة ومتبادلة” وإرادة مشتركة في بناء شراكة مستقبلية.

وأوضح أن البرنامج يرتكز على دعامة مزدوجة تجمع بين تعزيز التنافسية وتوليد الوظائف، وأن هدفه الأسمى هو مواكبة التحول الاقتصادي للمغرب عبر دعم الأعمال وتيسير الحصول على التمويل، وتعزيز ملاءمة الكفاءات مع المتطلبات الجديدة لسوق العمل.

وتهدف المبادرة بشكل أساسي إلى المساهمة في تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام ودعم فرص التشغيل اللائقة والدائمة للشباب والكفاءات المغربية، فضلا عن تحسين مناخ الاستثمار لجذب المزيد من رؤوس الأموال المحلية والخارجية.

وسيتم إيلاء اهتمام خاص للمناطق ذات الإمكانات الاقتصادية الواعدة بهدف تقليص الفوارق الجهوية وتعزيز التنمية المتوازنة. كما يندرج هذا التعاون بشكل وثيق في صميم أولويات النموذج التنموي الجديد للمغرب.

وينسجم البرنامج تماما مع رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس وأهداف بلده الإستراتيجية في تحقيق التحول الصناعي الأخضر والرقمي، وتعزيز تنافسية الشركات، لاسيما الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

وأكد رشيد الساري، الخبير والمحلل الاقتصادي المغربي، أن العلاقات بين المغرب وسويسرا تشمل التجارة والاقتصاد مع التركيز على الصناعات المرتبطة بالأدوية.

وقال لـ”العرب”، “لهذا فإن البرنامج يعكس تحولا في التعاون التقليدي إلى شراكة إستراتيجية موسعة ترتكز على مجموعة من المحاور، منها تحسين مناخ الأعمال والاستثمار عبر بناء بيئة ستكون تجارية مشجعة ومواكبة لمنظومة الابتكار”.

وأوضح أن ذلك سيسهم بشكل كبير في تكوين جيد لليد العاملة في مجالات منتجة ستكون قيمة مضافة للمغرب للانفتاح على الأسواق الدولية من بوابة الرقمنة، وسيعزز دور الشركات المحلية على المنافسة.

محاور البرنامج

• بناء بيئة تجارية مشجعة على الابتكار عبر دعم مناخ الأعمال
• تعزيز الكفاءات من خلال تطوير منظومة التدريب المهني
• دمج سلاسل القيمة المستدامة والانفتاح على الأسواق الدولية
• تحسين وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل

وأشار إلى أن البرنامج سيحسن الوصول إلى التمويلات وهو جد مهم للمغرب، لأنه سيسهم في إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة تدعم التشغيل. ومن ثم فالبرنامج جيد في ما يتعلق بالدعم والمواكبة مع التركيز على التحول الصناعي الأخضر والرقمي.

ويكتسي المغرب مكانة خاصة كمخاطب محوري في شمال أفريقيا، وفاعل مؤثر في القارة ومركز ديناميكي منفتح على حركة الاستثمارات والمبادلات الاقتصادية.

في المقابل تتموقع سويسرا كنموذج متميز وملهم في تطوير أنظمة نمو مبتكرة والرهان على قطاعات اقتصادية عالية الكفاءة، وخصوصا الاستثمار في مستقبل أخضر يرفع شعار الاستدامة.

ويعتبر المغرب ثاني أكبر شريك تجاري لسويسرا في شمال أفريقيا، وثالث أكبر سوق لصادراتها في القارة الأفريقية، ففي عام 2022، تواصل ارتفاع حجم التبادل التجاري ليقترب من 900 مليون دولار.

وتتمركز أكثر من 60 شركة سويسرية في المغرب، حيث توفر ما يقرب من 8 آلاف فرصة عمل في قطاعات متطورة مثل الصناعات الغذائية والصناعات الكيماوية والصيدلانية، فضلا عن الأجهزة والمعدات الدقيقة.

وعلى المستوى الزراعي، سجّل المغرب خلال الموسم 2024 – 2025 رقما قياسيا جديدا في صادرات الأفوكادو إلى سويسرا، تجاوزت قيمته 12.2 مليون دولار، وهي أعلى عائدات تحققها المملكة في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين. وقدمت المسؤولة عن التعاون والتنمية الاقتصادية بالسفارة السويسرية فرانسواز سلامة – غيكس، الخطوط العريضة للبرنامج.

وأوضحت أنه يرتكز على أربعة محاور أساسية ومتكاملة، حيث يتمثل المحور الأول في بناء بيئة تجارية مشجعة للابتكار عبر دعم تحسين مناخ الأعمال ومواكبة المراكز الجهوية للاستثمار.

رشيد ساري: البرنامج يعكس تحولا في التعاون التقليدي بين الطرفين
رشيد ساري: البرنامج يعكس تحولا في التعاون التقليدي بين الطرفين

أما المحور الثاني فيركز على تعزيز الكفاءات من خلال تطوير منظومة التدريب المهني لتكون أكثر ملاءمة لاحتياجات السوق، خاصة في قطاعين حيويين هما النسيج والسياحة.

ويركز المحور الثالث على دمج سلاسل القيمة المستدامة عبر دعم الابتكار والرقمنة والانفتاح على الأسواق الدولية، فيما يسعى المحور الرابع إلى تحسين الوصول إلى التمويل عبر توسيع الأدوات المتاح لفائدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الناشطة في سلاسل القيمة الإستراتيجية.

وكتجسيد فوري لهذا الالتزام، شهد حفل إطلاق البرنامج الثلاثاء الماضي توقيع مشروع مخصص لتطوير السياحة المستدامة بجهة بني ملال – خنيفرة، شاركت فيه وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور، إلى جانب المسؤول السويسري فيليب أورغا، والمدير العام للشركة المغربية للهندسة السياحية، عماد برقاد، وهو ما يمثل تطبيقا عمليا لأهداف البرنامج.

وفي كلمته خلال إطلاق المشروع الاقتصادي، أكد مزور على عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مشيرا إلى أنها تقوم على ركائز صلبة من الثقة والتكامل المتبادل، مشددا في الوقت ذاته على الأهمية القصوى لتعزيز التعاون الصناعي.

وأضاف أن “القطاع الصناعي يشكل ركيزة أساسية في المتانة الاقتصادية لسويسرا، والمغرب بدوره مؤهل ليكون شريكا اقتصاديا إستراتيجيا قادرا على بلورة حلول مبتكرة ومستدامة موجهة نحو المستقبل”.

4