النعناع التونسي ينعش المزارعين ويشق طريقه نحو الأسواق
القْفَيْ (تونس) - تكتسح زراعة النعناع مشهد إنتاج المحاصيل في سهول منطقة القْفَيْ من معتمدية السبيخة، لتصبح مروجا خضراء في صيف ولاية (محافظة) القيروان القائظ.
واعتادت المنطقة على زراعة حقول الفلفل والطماطم صيفا، لكن الطلب على نبتة النعناع العطري غزير التفريع، الذي يحبذ زراعته في الأراضي العالية الخصوبة، ويتحمل درجات عالية من الحموضة الأرضية، أصبح محركا للمزارعين.
وتوسع الإنتاج من أحواض صغيرة تُزرع في حدائق العائلات لاستعمالها في إعداد الشاي للضيوف، إلى عشرات الهكتارات في أخصب الأراضي وسط تونس.
ويضع المزارعون حصادهم في حزم صغيرة، في انتظار شاحنات صغيرة تحملها إلى أماكن تجفيف، ثم تُعلّب في أكياس ورقية يزن كل منها نحو 16.5 كيلوغراما.
وهذه الأكياس مغلفة من الداخل بالألمنيوم، للحفاظ على جودة المنتج المحوّل إلى شركة إنتاج للشاي بالنعناع في الضواحي الجنوبية للعاصمة وإلى الأسواق المحلية.
وتحدث المزارع ومنتج النعناع المجفف بسام زيتونة عن قصة الإنتاج في القْفَيْ والانتقال من الزراعات الصيفية المعروفة بها المنطقة، مثل الطماطم والفلفل، إلى الإنتاج المكثف للنعناع.
وخلال تصريحاته لوكالة الأناضول كان يتفقد عمليات تجفيف النعناع في مدينة الناظور التابعة ولاية زغوان المتاخمة لمنطقة القْفَيْ الزراعية.
200
طن على الأكثر، وأقلها 150 طنا، كمية ما تنتجه منطقة القفي في القيروان سنويا
وزرع زيتونة هذا العام نحو 15 هكتارا من النعناع، وقال للأناضول “نحن الفلاحين نتعاطى هذا النشاط منذ عقود توارثناه أبا عن جد، أما النعناع فهي نشاط يتطور كل سنة.”
وأضاف “بدأنا زراعته عام 2000، وانطلق النشاط في التوسع مع زيادة المساحات المزروعة وفق عقد يربطنا بشركة تنتح الشاي بالنعناع، وكلما تطورت الشركة كثر منتوجها وتوسّعت المساحات.”
وتابع “عندما أنشأت شركة في تونس تنتج الشاي بنكهة النعناع عام 2013، جاءتنا فكرة توسيع المزروعات والعمل الفعلي بدأ منذ 2017.”
وأكد أن المنطقة تنتج يوميا من 100 ألف إلى 120 ألف حزمة صغيرة من النعناع، وهي تُحصد ثم تجفف ثم تورق وتعبأ في أكياس خاصة.
وأضاف “سنويا مطالبون بما بين 150 و200 طن نعناع مورق، وهذا ما يفسر امتداد المساحات المزروعة على ما بين 120 و150 هكتار.”
وأردف أنه في “مرحلة التجفيف نأخذ محلات مظللة، ونعلق حزم النعناع في أشرطة، وكل حزمة تبقى معلقة بين 3 إلى 8 أيام، حسب الطقس والرطوبة وبعد ذلك يتم تجميعها، وتنقل إلى محلات للتوريق لفصل الأوراق عن الجذوع.”
وتتسلم الشركة النعناع في أكياس خاصة تحفظه من الرطوبة لحفظ الخصائص العطرية للنبتة، ثم تقوم بطحنه لاستخلاص عطوره التي يقع خلطها بالشاي والسكر لاستخراج شاي قابل للتحلل في الماء الساخن، وهو شاي طبيعي مئة في المئة.
ولا يبيع زيتونة إنتاج لهذه الشركة فقط، بل لشركات أخرى صغيرة تشتري ما بين طنين و5 أطنان، مع تسويقه في مناطق من البلاد مثل صفاقس والجم وسوسة ونابل، والسوق المركزية بالعاصمة.
وهذا الشاي المرتكز على النعناع صنع أولا بغاية التصدير، وفق زيتونة، وهو يصدر إلى 15 دولة من آسيا وأوروبا وغيرها، مثل كندا وفرنسا واليابان والإمارات وليبيا والمغرب.
وقال “نساهم في تدوير العجلة الاقتصادية بتشغيل أكثر من 600 عامل، أغلبيتهم عملة مختصين في الفلاحة لقص النعناع.”
وبشأن العوائد، اعتبر زيتونة أن الأرباح “مضمونة للشركة والفلاحين والعمال،” مشيرا إلى أن “الحركية الاقتصادية التي أحدثتها هذه الزراعة هي التي جعلت أخبارها تنتشر في تونس.”
وقال “نشغل عائلات لها محلات نستعملها لتجفيف النعناع، وتحصل مقابل ذلك على آلاف الدنانير،” مضيفا إن “ذروة الإنتاج في الربيع والصيف، مما يتطلب مقاومة الحشرات بالأدوية وكذلك الري والأسمدة.”
وفي دليل على أهمية هذا النشاط وقيمته، يؤكد مروان يحيى، مزارع وناشط بالمجتمع المدني، في حديثه للأناضول أن “منطقتنا هي الأولى وطنيا في إنتاج النعناع.”
وأوضح أن “النعناع يمتد على 150 هكتارا، ويشّغل أكثر من 500 عائلة، ويصل الإنتاج إلى أكثر من 15 دولة والأسواق المحلية.”
لكن بينما يجمع حزم نعناع، قال يحيى إن “المنطقة تعاني عدة إشكاليات، فالطرقات مهترئة ونطلب من الدولة تحسين وضعها، فالتجار الذين نتعامل معهم يشكون من سوء حالتها.”
وتابع “نريد تحسين الحالة، لأنه كلما نزلت الأمطار نتوقف على تسويق إنتاجنا،” لصعوبة استخدام الطرقات. كما أن الإرشاد الفلاحي وهو جهة حكومية تقدم نصائح للمزارعين “غائب هنا، ولا بد لمسؤولي الفلاحة من زيارة المنطقة.”
ويعد محسن العوري، وهو مزارع آخر من القفي حديث العهد بزراعة النعناع. ورغم تأكيده بأن نشاطه مزدهر، ولكن “ينقصنا دعم الدولة لنواصل الإنتاج، وعندما نجد الدعم نعمل.”
وتابع “الإنتاج جيد هذا العام والماء متوفر عبر الآبار العميقة. زرعت هكتارين وأعتزم السنة القادمة زراعة 6 هكتارات، وسنواصل الإنتاج نظرا للنتائج الجيدة التي حققناها هذا العام.”