السودان بين بيان الرباعية وإرادة الشعب: لا سلام مع هيمنة الإسلاميين
أصدرت اللجنة الرباعية المكوّنة من الولايات المتحدة الأميركية والإمارات والسعودية ومصر بياناً بشأن الأزمة السودانية، أكدت فيه قلقها من استمرار الحرب وما تسببه من كوارث إنسانية ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار وتهيئة المناخ للحوار. جاء البيان محملاً بإشارات إيجابية، غير أن السودانيين يدركون أن الحلول الحقيقية لا تصنعها المؤتمرات الخارجية وحدها وإنما تتشكل من إرادة الشعب نفسه الذي خبر تجربة الحركة الإسلامية وعرف أنها أصل المعضلة في البلاد. فهذه الحركة لم تحمل مشروعاً للنهضة أو التنمية كما ادعت، بل جعلت السلطة غاية وأحاطت نفسها بشعارات براقة لم تلبث أن تحولت إلى أدوات للقمع والفساد رغم أنهم يرفعون شعار (لا لدنيا قد عملنا) .
لقد دفع السودان ثمناً باهظاً لسياسات الإسلاميين الذين لم يترددوا في استخدام الدين غطاءً للاستبداد. انفصال الجنوب، اشتعال الحروب الأهلية، انهيار الاقتصاد، تفشي الفساد والمحسوبية، كلها شواهد على فشلهم. ولهذا فإن أي حديث عن سلام أو استقرار لا يمكن أن يكون صادقاً ما لم يقترن بخطوات جدية لعزل الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين من المشهد السياسي والاجتماعي فهم لم يكونوا يوماً مشروعاً للوطن وإنما عبئاً عليه.
ورغم وضوح هذه الحقيقة فإن القوى المدنية ما زالت تعاني من التشرذم والتباين في الرؤى، الأمر الذي يخدم دعاة الحرب ويمنح الإسلاميين فرصة للتسلل مجدداً. لهذا تبدو الحاجة ملحة إلى وحدة الصف وتجاوز الخلافات، فالسودان اليوم لا يحتمل المزيد من التجزئة. المطلوب تنظيم الصفوف بما هو متاح، ووضع برنامج وطني واضح يعيد بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة، ويستعيد المؤسسات من قبضة المتطرفين.
السودان اليوم أمام منعطف مصيري: إما أن يستعيد نفسه عبر وعي أبنائه وإصرارهم على السلام، أو أن يظل أسيراً لدوامة الحرب التي لا تخدم سوى دعاة التطرف
من بين الخطوات الممكنة إطلاق مبادرة شعبية واسعة لجمع التوقيعات التي تدعو إلى وقف الحرب وعزل الإسلاميين من الحياة العامة. مثل هذه المبادرة قد تكون رمزية في ظاهرها، لكنها ستعكس إرادة المجتمع وتشكل مدخلاً لحراك أوسع. وإلى جانب ذلك فإن تكوين جماعات ضغط مدني أصبح ضرورة ملحة، سواء داخل السودان أو خارجه، لتوصيل صوت الشعب إلى الدول الصديقة والمنظمات الدولية. ويحتاج هذا الجهد إلى تنسيق مستمر حتى لا تتحول المبادرات إلى جزر معزولة تفقد تأثيرها.
ولا يقل أهمية عن ذلك فضح تحركات الإسلاميين وكشف أنشطتهم الاقتصادية والسياسية، فهم لا يزالون يسعون للاستفادة من الفوضى لتثبيت مواقعهم والسيطرة على الموارد. فضح هذه التحركات للرأي العام المحلي والعالمي يضعفهم ويمنعهم من إعادة إنتاج أنفسهم.
يبقى الرهان الأكبر على وعي الشعب السوداني، فهذا الشعب أسقط دكتاتوريات من قبل وخرج في ثورة ديسمبر مطالباً بالحرية والسلام والعدالة. قد تكون الحرب الحالية قد أنهكته وأرهقته، غير أن وعيه المتراكم يدرك أن الخطر الأكبر يكمن في استمرار هيمنة الإسلاميين أو عودتهم من جديد. ومن هنا فإن الطريق نحو المستقبل يمر عبر عقد اجتماعي جديد يؤسس لدولة المواطنة والحقوق المتساوية، بعيداً عن الأدلجة والاستغلال الديني.
إن بيان الرباعية يمكن أن يشكل فرصة سياسية، لكنه يظل بلا أثر حقيقي إن لم يقابله حراك شعبي واسع ومنظم. فالحلول التي تصنعها الشعوب وحدها هي القادرة على وقف النزيف وبناء الدولة. والسودان اليوم أمام منعطف مصيري: إما أن يستعيد نفسه عبر وعي أبنائه وإصرارهم على السلام، أو أن يظل أسيراً لدوامة الحرب التي لا تخدم سوى دعاة التطرف. والمسؤولية الآن مشتركة بين الجميع، أن يتوحدوا من أجل استعادة وطنهم، وأن يرفعوا أصواتهم عالياً في مواجهة من سرقوا الوطن وشوهوا الدين.