السابع من أكتوبر: لحظة مفصلية أم حسابات خاطئة

شعوب العالم التي تتحرك في الشوارع لا تفعل ذلك لاسترجاع الحقوق الفلسطينية فالقضية تجاوزت سبعة عقود دون أن يُحركها أحد قيد أنملة، فهذا التحرك هو إنساني في جوهره.
الثلاثاء 2025/07/01
زوبعة في فنجان

هل، قبل ما يزيد عن عشرين شهرًا من الآن، كان من الواقعي كما يُقال إن السابع من أكتوبر يُشكّل نقطة تحوّل في القضية الفلسطينية؟ وإن ما جرى حين دخلت حركة حماس ومن معها من الفصائل الفلسطينية إلى “غلاف غزة” كان بمثابة المحرّك لإحياء هذه القضية؟ العالم اليوم يتحرّك لوقف حرب الإبادة التي تجري في قطاع غزة من حصار وتجويع. لا شك أن هناك دولًا أوروبية، وعلى رأسها فرنسا، تُبدي جدية في الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لكن المهم ليس الاعتراف الشكلي بقيام الدولة على حدود 1967، بل التنفيذ الفعلي على الأرض.

بعد تلويح بعض الدول الأوروبية بهذا الاعتراف وضرورة وضع حد للحرب، جاءت ردة فعل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة عنيفة جدًا. إذ زادت وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي لأغراض إنشاء وحدات استيطانية وشق الطرق المغذية للمستوطنات. وما لم يصدر قرار أوروبي صارم لكبح جماح حكومة نتنياهو، ووقف عربدة المستوطنين في الضفة الغربية، وإجبار الحكومة الإسرائيلية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فسيبقى القرار الأوروبي فاقد المعنى وغير قادر فعليًا على تحقيق آمال الشعب الفلسطيني.

ليس من العجيب أنه بعد دخول حماس ومن معها في السابع من أكتوبر إلى منطقة “غلاف غزة” وأسرِ جنود إسرائيليين، تحرك العالم ضدها بشدة، بعد أن أدرك أن إسرائيل “اهتزت”، فجاء جون بايدن إلى إسرائيل على جناح السرعة، وتبعه الرئيس الفرنسي وآخرون. وقف العالم بأسره آنذاك يشجب ما قامت به حماس، واصطفّ خلف إسرائيل وقفة رجل واحد. ما جرى بعد ذلك هو ما نشهده منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى وحتى اليوم؛ الدول التي وقفت مع إسرائيل صارت تنادي بوقف الإبادة، مع الاحتفاظ بحق إسرائيل في الرد على حماس وتفكيك خلاياها والقضاء عليها.

◄ ما لم يصدر قرار أوروبي صارم لكبح جماح حكومة نتنياهو، ووقف عربدة المستوطنين في الضفة الغربية، وإجبار الحكومة الإسرائيلية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فسيبقى القرار الأوروبي فاقد المعنى

غاب عن حسابات حركة حماس أن المشروع الصهيوني ليس مشروعًا يهوديًا فقط، بل مشروع عالمي. وقد عبّر الرئيس الأميركي عن ذلك بوضوح بعد الطوفان، قائلًا “لو لم تكن هناك إسرائيل، لاخترعناها.” حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر. وكان من المفترض على حماس أن تحدّد خارطتها، وتقيس المسافات قبل الإقدام على ما قامت به.

لا شك أن إسرائيل خسرت في هذه الحرب، وأن اقتصادها يتضعضع، وأن كلفة الحرب باتت هائلة، فضلًا عن خسارة بعض أصدقائها نتيجة التمادي في قتل المدنيين. لكن ينبغي علينا أن نفهم كيف يفكّر العالم: إسرائيل، كدولة، هي مشروع عالمي، ودولة وظيفية مزروعة في قلب الشرق الأوسط، وما العالم إلا داعم لها. علينا كذلك أن ندرك أن مواقف العالم ليست ضد إسرائيل، بل ضد المبالغة في قتل المدنيين. حتى داخل إسرائيل، هناك أصوات وشخصيات تنادي بوقف الحرب والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر.

لقد وضعت حماس في حسبانها احتمالات نشوب حرب طويلة الأمد مع الاحتلال، ضمن خططها لليوم التالي للعمليّة، لكن حجم الدمار وحملة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين ربّما لم يتوقّعهما القادة السياسيون والعسكريون للحركة. ورغم كل ذلك، بقيت الحركة صامدة حتى اليوم، بسبب التأييد الشعبي لها في مواجهة العدوان، خصوصًا وأنها تقاتل منفردة في ظل صمت عالمي على المجازر والتجاوزات التي يرتكبها الاحتلال.

هناك من يرى أن هناك تحوّلًا غير مسبوق في الموقف الشعبي الأوروبي والأميركي من حيث دعم القضية الفلسطينية، بل حتى التأثير على المشهد الانتخابي المرتقب في الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن علينا أن نقف عند حقيقة ثابتة: الجمهور الأميركي لم يُعد انتخاب بايدن، الذي دعم إسرائيل بشدّة في حربها على حماس، وكان في ذلك عقاب له ولحزبه. فجاء بترامب، الصهيوني حتى النخاع، المُلبي لكل رغبات نتنياهو وحكومته.

أما فيما يخصّ الانتخابات الإسرائيلية، فإن استطلاعات الرأي متقلبة ولا تستقر على حال. فمنذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، أظهرت معظم استطلاعات الرأي تفوّق نتنياهو، وكأن الإسرائيليين باتوا يدركون أنه لا منقذ لهم في هذه المرحلة سواه، رغم الخلافات العميقة بينهم، وعدم رضاهم عن سلوكياته الكثيرة.

في ما يخصّ المواقف الأميركية والأوروبية الشعبية، فهي في تقديري “زوبعة في فنجان”، سرعان ما تتبدّد بزوال الإبادة في غزة. فشعوب العالم التي تتحرك الآن في الشوارع لا تفعل ذلك من أجل استرجاع الحقوق الفلسطينية، فالقضية تجاوزت اليوم سبعة عقود دون أن يُحركها أحد قيد أنملة. هذا التحرك هو إنساني في جوهره… وليس سياسيا.

9