آمال التمار لـ"العرب": إقصاء رواد الفن المغربي مسؤولية القنوات والمنتجين
بعد غياب لسنوات تعود الممثلة المغربية القديرة آمال التمار إلى التمثيل، محملة بتساؤلات كثيرة حول الوضع الحالي للفن المغربي، وبعتاب كبير توجهه للمنتجين وصناع الدراما والسينما في وطنها، حيث ترى أنهم يتعمدون تهميش الرواد والأجيال التي أسست للفن المغربي، بالاهتمام أكبر بالناشئة، لكنها لم تفقد الأمل في تقديم الإضافة بل تستبشر بعودتها من بوابة السينما وتحت إدارة المخرج هشام الجباري.
تعود الممثلة المغربية آمال التمار إلى الشاشة الكبرى من خلال فيلم “عائلة فوق الشبهات” للمخرج هشام الجباري، بعد غياب عن الساحة الفنية وظهور متقطع في بعض الأعمال. هذا العمل الذي يجري تصويره حاليا بنواحي الدار البيضاء، يمنح الفنانة فرصة جديدة لتأكيد حضورها الفني، ويثير النقاش حول إقصاء الفنانين الرواد من الساحة، وحصر الإنتاج الدرامي في مواسم محددة.
وتكشف آمال التمار عن فرحتها الكبيرة حين تواصل معها المخرج هشام الجباري، معتبرة أن فيلم “عائلة فوق الشبهات” يعيدها إلى الشاشة الكبرى بعد فترة من التهميش، وهو فرصة لتجديد التواصل مع الجمهور الذي تعتز به كثيرا.
وتحمّل الفنانة المغربية كتّاب السيناريو المسؤولية الكبرى في إقصاء الفنانين الرواد، موضحة أنهم يكتبون شخصيات لفئات عمرية محددة فقط، وهو ما يظلم جيلا كاملا من الفنانين القادرين على العطاء مهما تقدّم بهم العمر إذا أتيحت لهم الفرصة.

وتنفي التمار أن يكون الفنان مسؤولا عن غيابه، مؤكدة أن الجهات المنتجة والقنوات هي التي تتحكم في توزيع الأدوار، وأن الممثل ينتظر الفرص، وحين لا تُعرض عليه أعمال فهذا ليس اختياره.
وتتوقع أن يلقى فيلم “عائلة فوق الشبهات” تفاعلا واسعا من الجمهور، باعتباره يحمل طابعا كوميديا واجتماعيا، ويتناول قصة عائلة تحاول الهروب من تبعات عملياتها الاحتيالية، مشيرة إلى أن العمل يجمع بين الطرافة والرسائل العميقة، ويضم أسماء وازنة من الجيلين.
وتوجّه آمال التمار رسالتها إلى المنتجين وصناع الدراما المغربية، داعية إلى تكثيف الإنتاج على مدار السنة وعدم حصره في رمضان فقط، مع إعادة الاعتبار للفنانين الرواد الذين أسهموا في بناء الساحة الفنية المغربية، مؤكدة أن الفن لا يشيخ، وأن ما قدّمه الرواد سابقا يستحق أن يُبنى عليه لا أن يُمحى.
ودخل فيلم “عائلة فوق الشبهات” من توقيع المخرج هشام الجباري مرحلة التوضيب والمونتاج مباشرة بعد الانتهاء من تصوير مشاهده أواخر شهر أغسطس، استعدادا لعرضه في القاعات السينمائية منتصف الشهر المقبل. ويسارع فريق العمل الزمن للانتهاء من تجهيزات الفيلم في أقرب وقت، تمهيدا لطرحه على شباك التذاكر، حيث أصبح الملصق الرسمي جاهزا، إلى جانب مجموعة من الصور الخاصة بالحملة الترويجية التي تسبق العرض.
تم تصوير مشاهد الفيلم في ضواحي مدينة الدار البيضاء، تحديدا بمنطقة بوسكورة، وتدور أحداثه حول عائلة تجد نفسها في مغامرة غير متوقعة، أمام خيار صعب بين تحقيق مصالحها الشخصية أو التضحية ببعض أفرادها، في إطار كوميدي اجتماعي يمزج بين الإثارة والتشويق والمواقف الطريفة، مع لمسة رومانسية تضيف عمقا لعلاقات الشخصيات.
ويسعى المخرج هشام الجباري من خلال هذا العمل إلى تحقيق النجاح ذاته الذي حققته أفلامه السابقة، مع التركيز على بناء الشخصيات بشكل مختلف وإبراز التفاعلات الأسرية والود بين أفراد العائلة المغربية، كما يتضح في رحلة بطله الرئيسي فريد، الذي يجسده الممثل عزيز داداس، وهو يحاول النجاة من مؤامرة مجموعة من النساء اللواتي يرغبن في الانتقام منه بعد نصبه عليهن.
ويشارك في هذا الفيلم إلى جانب عزيز داداس كل من ماجدولين الإدريسي، دنيا بوطازوت، سكينة درابيل، وصال بيريز، رفيق بوبكر، نفيسة بنشهيدة، سارة بوعابد، نهال السلامة، أيمن رحيم، نبيل عاطف، أمال التمار ولبنى الجوهري.
ويؤكد الجباري أن الفيلم يحمل الطابع الكوميدي الاجتماعي ذاته لفيلمه السابق “أنا ماشي أنا”، لكنه يختلف من حيث الموضوع وتطوير الشخصيات، مقدما للمشاهد ساعتين مليئتين بالإثارة والمطاردات والمواقف الإنسانية الطريفة، بما يعكس تجربة سينمائية متكاملة تستهدف المتعة والإثارة والحميمية الأسرية في آن واحد.
وينتقد رواد المسرح والسينما والتلفزيون الحديث، سواء في الأعمال الرمضانية أو الإنتاج السينمائي والمسرحي المعاصر، ضعف جودة الكتابة السينمائية وغياب الاهتمام بالمحتوى المؤسس، فكتاب السيناريو في الكثير من الأحيان لا يضعون في الحسبان الفئات العمرية المستهدفة ولا يؤسسون لرؤية فنية واضحة، لأنهم يكتفون بتكرار الصيغ السهلة والمألوفة التي لا تتجاوز حدود الإثارة اللحظية أو الفكاهة السطحية، وهذا النقص في التخطيط والإبداع يفضي إلى أعمال مسطحة، عاجزة عن ترك بصمة حقيقية في الوعي الجماهيري، وهذا يضعف القيمة الثقافية والفنية للدراما المغربية ويجعلها رهينة للاتجاهات العابرة بدلا من أن تكون مؤثرة ومستدامة.
ويضاف إلى ذلك دور المنتجين والقنوات التلفزيونية في تعزيز ثقافة الوجوه الشابة أو المشاهير على حساب المواهب المؤسسية والفنانين المتمرسين، فالتركيز على نسب المشاهدة العالية واستقطاب نجوم التيك توك والإنستغرام، وإهمال الفنانين المؤسسين، يخلق فجوة بين الجمهور وبين الأعمال ذات القيمة الفنية الحقيقية.
هذا التوجه يجعل الدراما والمسرح والسينما حبيسة الصيغ التجارية العابرة، ويحول تجربة المشاهدة إلى مجرد متابعة للترند وليس للاحتفاء بالفن الراسخ الذي يمكنه تشكيل وعي ثقافي حقيقي وبناء قاعدة جماهيرية مستمرة للأعمال المبدعة.
واستطاعت الممثلة آمال التمار أن تُميز نفسها بموهبتها المتعددة، متنقلة بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، إضافة إلى ولوجها مجال الكتابة والتأليف، فمنذ بداياتها في المسرح المدرسي وصولا إلى تخرجها من معهد الفنون الدرامية، إذ صقلت أدواتها لتصبح اسما لامعا في الساحة الفنية، تجسّد شخصيات متنوعة تجمع بين الكوميديا والتراجيديا، وتترك بصمة خاصة في كل عمل تشارك فيه، وقد أظهرت قدرتها على الغوص في الأبعاد الإنسانية للشخصيات، كما في مسرحية “عرس الكوفة”، وأثبتت حضورها القوي في تجارب سينمائية بارزة مثل “مولات السعد”، الذي عكس هموم المرأة المغربية وصراعاتها الاجتماعية.
وامتد عطاء آمال التمار أيضا إلى مجال الكتابة والتأليف، حينما تناولت في نصوصها قضايا اجتماعية حساسة بجرأة ووعي، مثل فيلم “رقصة الوحش” الذي ناقش موضوعات تمس عمق المجتمع المغربي، كما سخّرت الفن كأداة للتوعية والدفاع عن حقوق المرأة والطفل، والمشاركة في الحملات المناهضة للعنف الأسري والزواج المبكر، كونها شكّلت مشاركاتها في مهرجانات مسرحية وسينمائية داخل المغرب وخارجه جسرا للتواصل الثقافي، وأثمرت حصولها على جوائز رفيعة تقديرا لإبداعها، إذ أصبحت آمال واحدة من العلامات الفارقة في تاريخ الفن المغربي، وجمعت بين الالتزام الفني والوعي الاجتماعي، وأثبتت أن الفن حين يلتقي بالمسؤولية يُمكن أن يتحول إلى رسالة تغيير اجتماعية قوية.
وُلدت الممثلة المغربية آمال التمار بمدينة سلا قرب العاصمة الرباط، وترعرعت في أجواء مفعمة بالثقافة والفنون. التحقت بجامعة الملك محمد الخامس بالرباط ودرست شعبة اللغة الإنجليزية وآدابها، ثم اختارت التخصص في الإرشاد السياحي بعد اجتيازها الاختبارات المتعلقة به، وانتقلت بعد ذلك للإقامة بمدينة مراكش. بدأت خطواتها الأولى مع الفن منذ سن صغيرة من خلال الحفلات المدرسية، حينما قدّمت وصلات موسيقية وأدوارا مسرحية بسيطة، فصقلت موهبتها تدريجيا، وتعلمت فنون الرقص والرسم لتغني أدواتها الإبداعية.
وشاركت آمال التمار على امتداد مسيرتها في أعمال درامية وسينمائية لاقت صدى واسعا لدى الجمهور، إذ برز اسمها في أفلام مثل “مولات السعد” (2021)، “الحمالة” (2015)، و”رقصة الوحش” (2012) الذي خاضت فيه أيضا تجربة التأليف، إضافة إلى مسلسل “فرصة ثانية” (2019) و”حبال الريح” (2015).
واصلت إثراء رصيدها الفني بأعمال أخرى منها: “الناس لملاح” (2024)، “مني منك” (2022)، “سالف عذرا” (2021)، (Honda Mal (2019، و(The Doors of the Sky (2018، فضلا عن مشاركات مميزة في “دارت ليام” بجزأيه، وفيلم “عبدو عند الموحدين” (2006) بدور زوجة الوالي، ومسلسل “وجع التراب” (2006) بدور حليمة. وبذلك أثبتت حضورها في الساحة الفنية كوجه متعدد المواهب يجمع بين التمثيل والتأليف، ويعبر عن تجربة غنية في المسرح والدراما والسينما المغربية.