في ذكراه الخامسة: اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا يعكس فشلا أمميا في تطبيق بنوده الأساسية
تمر اليوم الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاق وقف إطلاق في ليبيا يوم 23 أكتوبر العام 2020 ، وأكدت اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» التزامها بتنفيذ الاتفاق ، وقالت في بيان، إنها تستذكر توقيع الاتفاق بمساعدة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مشيرة الى إنه «بُني على مبادئ أساسية وهي وحدة الأراضي الليبية وحماية حدودها براً وبحراً وجواً والامتناع عن رهن القرار الليبي ومقدرات البلاد لأي قوى خارجية».
وتابعت اللجنة ان «الاتفاق دعا إلى حفظ السلام وأهمية التسامح والتعاون المستقبل أبناء الوطن، كما أوقف نزيف الحرب وحقن دماء الليبيين، وما زال ساريا ولم يحدث فيه أي خرق من أي طرف بفضل مجهودات اللجان الفرعية التابعة للجنة العسكرية المشتركة » ، وأشارت إلى التحديات التي واجهتها «نتيجة الانقسام السياسي وفشل المسار السياسي وعدم إجراء الانتخابات، على الرغم من أنها مطلب كل الشعب الليبي». ،مجددة تأكيدها على «التزامها ومواصلة العمل وبذل كل جهودها من أجل تحقيق بنود الاتفاق كافة، وأهمها خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية وحل كافة التشكيلات والمجموعات المسلحة».
وينظر الليبيون إلى الذكرى على أنها مجرد رقم في سجل الأحداث المتواترة التي عرفتها البلاد منذ العام 2011 ، نظرا لأن أغلب البنود التي نص عليها الاتفاق بقيت حبرا على ورق ، ولم تعرف طريقها الى التنفيذ ، بسبب فشل المجتمع الدولي في فهم طبيعة ما يجري في ليبيا ، وخضوع مجلس الأمن لتجاذبات الدول الأعضاء المتصارعة على مراكز النفوذ ، ولمستجدات الصراع الجيوسياسي الذي يشمل منطقتي شمال افريقيا والساحل والصحراء .
لم يعد خافيا ، ان الأمم المتحدة تواجه حرجا حقيقيا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي ، بعد أن تبين للجميع أن الذكرى الخامسة للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار تمر، ودماء الليبيين لا تزال تنزف في مناطق غرب البلاد
ويرى المراقبون ، أن الأوضاع في ليبيا لا تزال تنذر بالعودة الى مربع المواجهة . كنتيجة لاستمرار غياب مفهوم الدولة في المنطقة الغربية ومنها العاصمة طرابلس حيث لا تزال الميلشيات تتحكم في مفاصل السلطة ، وتمارس عنجهيتها للحؤول دون تمكين الشعب من حقه في ممارسه حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وفي مقدمتها التعبير عن ارادته الحرة في انتخاب حكامه وقادته وممثليه في مراكز القرار .
وكانت اللجنة العسكرية 5+5 ، اتفقت على الوقف الفوري لإطلاق النار ، وعلى إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا في مدة أقصاها 3 أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم التدريب إلى حين استلام الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها، وتكلف الغرفة الأمنية المشكلة بموجب هذا الاتفاق باقتراح وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة تكفل تأمين المناطق التي تم إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة.
كما اتفقت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 على تشكيل قوة عسكرية محدودة العدد من العسكريين النظاميين تحت غرفة يتم تشكيلها من قبل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 تعمل كقوة تساهم في الحد من الخروقات المتوقع حدوثها على أن يتم توفير المواد اللازمة لتشغيلها من كافة الأطراف والجهات.
ونص الاتفاق على ان تبدأ فورا عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها على كامل التراب الليبي سواء التي تم ضمها للدولة أو التي لم يتم ضمها، ومن ثم إعداد موقف عنها من حي (قادتها، عدد أفرادها، تسليحها، أماكن تواجدها) وتفكيكها ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها وبشكل فردي إلى مؤسسات الدولة ممن تنطبق عليه الشروط والمواصفات المطلوبة لكل مؤسسة وبحسب الحاجة الفعلية لتلك المؤسسات أو إيجاد فرص وحلول لمن لا تنطبق عليه الشروط أو لمن لا يرغب بهذا الدمج، من خلال لجنة فرعية مشتركة بدعم ومشاركة البعثة.
كما نص الاتفاق على إيقاف التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية المتفشي حاليا من قبل مجموعة من قنوات البث المرئي والمسموع والمواقع الإلكترونية وتدعو الجهات القضائية والجهات المختصة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل ملاحقة جادة ورادعة لتلك القنوات والمواقع، كما تدعو بعثة الأمم المتحدة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة. ولهذه الغاية قررت اللجنة العسكرية المشتركة إنشاء لجنة فرعية منبثقة عنها لمتابعة خطاب الكراهية ومتابعة الإجراءات اللازمة بحقها، كما قررت اللجنة توجيه رسالة مباشرة إلى كافة قنوات البث المرئي والمسموع لعدم بث أية مادة إعلامية تتضمن مثل هذا النوع من الخطاب.

وبحسب قراءة خاطفة للمشهد العام في ليبيا ، يتضح أن النقاط الأساسية لا تزال عالقة في ذمة المجتمع الدولي ، ومن ذلك إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة ، وتفكيك الميلشيات والجماعات المسلحة ، وجمع السلاح المنفلت ، وإيقاف خطاب الكراهية الذي تمارسه سلطات طرابلس عن طريق وسائل إعلامها وجيوشها الإلكترونية وفتاوى زعيمها الروحي الصادق الغرياني الذي بات يمتلك امبراطورية واسعة في مجالات الإعلام والتعليم والفتوى رغم عزله رسميا من قبل مجلس النواب منذ نوفمبر 2014 .
ويجمع المتابعون للشأن الليبي ، أن البلاد ، وان كانت تشهد حالة من الأمن والاستقرار وتعيش على وقع التنمية واعادة الإعمار في مناطقها الشرقية والجنوبية والوسطى التي نجح الجيش الوطني في تحريرها من ارهاب الميلشيات وفوضى السلاح ، إلا أن العاصمة ومدن الساحل الغربي لا تزال خارج سيطرة الدولة والقانون ، وتعد ساحة واسعة لاستعراض مظاهر القوى المتنافسة على العبث بمقدرات الدولة واستباحة سيادتها ونهب ثروات الشعب .
ويضيفون أن المجتمع الدولي أثبت فشله في ليبيا كما سبق وأن فشل في كل القضايا المتصلة بالشرق الأوسط والمنطقة العربية ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي لا تزال تراوح مكانها منذ ما يقارب 80 عاما ، وقضية الصحراء المغربية التي مر 50 عاما على محاولة تغيير مسارها التاريخي والجغرافي واقتطاعها من خارطة المملكة المغربية ، بالإضافة الى الأوضاع في لبنان واليمن والسودان والعراق وسوريا ، ووقوف شعوب العالم على حقيقة عجز المنتظم الأممي على القيام بدوره القانوني والسياسي ، وفشل بعثات الأمم المتحدة في إحقاق الحقوق ، ونصرة الشعوب المضطهدة ، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ، وتطبيق القانون الدولي .
وكان قد تم تيسير التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار من جانب الأمم المتحدة، بناء على قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2510 لسنة 2020 و2542 لسنة 2020، وخلاصات مؤتمر برلين. وجاء بعد عقد أربع جولات من المفاوضات منذ شهر فبراير 2020.
وفي ابريل 2021 ، وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار إرسال فريق مكون من 60 مراقبا دوليا لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، ودعا المجلس الحكومة الجديدة في البلاد إلى التحضير لانتخابات حرة ونزيهة وشاملة في 24 ديسمبر من العام ذاته ، ودعا قرار المجلس كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة (193 دولة) إلى دعم وتنفيذ اتفاق 23 أكتوبر 2020 ، بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد من دون تأخير، كما شدد القرار على ضرورة الالتزام الكامل بقرار حظر السلاح المفروض على ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

لكن ، وبينما نجحت القيادة العامة للقوات المسلحة في تطبيق الاتفاق في المنطقة المحررة ، لا تزال حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة ، تخضع لهيمنة أمراء الحرب وقادة الميلشيات ، وتصر على الاستقواء بالقوات الأجنبية وجحافل المرتزقة التي مر خمس سنوات على قرار اخراجها من البلاد ، ولكن دون جدوى ، وهو ما يجعل القيادة العامة وسلطات المناطق المحررة في حلّ من الاتفاق بصورة مبدئية ، ويدفع بالشعب الى اتخاذ قرار الحراك والانتفاض ضد استمرار الفوضى ، وغياب الارادة الدولية لحلحلة الأزمة وسحب الشرعية المزعومة عن منظومة حكم الأمر الواقع في طرابلس .
وفي 25 سبتمبر الماضي ، بحث فريق من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” الممثلين للمنطقة الغربية، سبل تثبيت واستدامة اتفاق وقف إطلاق النار الموقع قبل نحو خمسة أعوام ، وقالت البعثة في بيان إن المباحثات تركزت على “تثبيت واستدامة اتفاق وقف إطلاق النار وتفعيل الأنشطة المتعلقة بإزالة الألغام ومخلفات الحروب” ، مؤكدة التزامها بمواصلة التعاون مع البعثة الأممية، بما في ذلك “تعزيز قدرات الهندسة العسكرية لإزالة الذخائر غير المتفجرة في منطقة اتفاق وقف إطلاق النار وغيرها من المناطق المتأثرة بخطر مخلفات الحروب”.
ولم يعد خافيا ، ان الأمم المتحدة تواجه حرجا حقيقيا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي ، بعد أن تبين للجميع أن الذكرى الخامسة للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار تمر ، ودماء الليبيين لا تزال تنزف في مناطق غرب البلاد ، والرصاص لا يزال سيد الموقف في طرابلس والزاوية والعجيلات وصبراتة و ورشفانة وغيرها ، وحالة الانقسام لا تزال قائمة بسبب تعنت سلطات الأمر الواقع ، واصرارها على قطع الطريق أمام الحل ، وعلى تجيير انفلات السلاح وفوضى الميلشيات لخدمة هدفها في التمسك بالسلطة واستمرار وضع اليد على ثروات البلاد ومقدرات المجتمع .