ترحيل غامض من أميركا إلى أفريقيا يثير الجدل

في إسواتيني يحتجز رجال رحلوا من أميركا دون تهم أو محام، في سجن غامض… عائلاتهم لا تعرف مصيرهم، والعدالة غائبة.
السبت 2025/10/18
قوات خارجة عن القانون

جوهانسبرغ- في واقعة مثيرة للجدل، بقي مصير المواطن الكوبي روبرتو موسكيرا مجهولا لأكثر من شهر، بعد أن أوقفته سلطات الهجرة الأميركية في فلوريدا، قبل أن تكشف صورة منشورة على منصة إكس عن ترحيله إلى مملكة إسواتيني الأفريقية، في خطوة أثارت تساؤلات قانونية وإنسانية واسعة.

في 13 يونيو، أُلقي القبض على موسكيرا، البالغ من العمر 58 عاما، خلال عملية تسجيل روتينية لدى إدارة الهجرة في مدينة ميرامار بولاية فلوريدا. وبحسب آدا، صديقة العائلة التي تحدثت إلى وكالة فرانس برس تحت اسم مستعار خشية الملاحقة، أُبلغت العائلة بأن موسكيرا قد أُعيد إلى كوبا، البلد الذي غادره منذ أكثر من أربعة عقود حين كان في الثالثة عشرة من عمره.

لكن الحقيقة ظهرت بعد أكثر من شهر، حين تعرّفت آدا على صورة موسكيرا ضمن منشور لمساعدة وزيرة الأمن الداخلي الأميركية تريشيا ماكلولين، أعلنت فيه ترحيل خمسة رجال إلى إسواتيني، من بينهم موسكيرا. هذه المملكة الصغيرة الواقعة بين جنوب أفريقيا وموزمبيق، لم تكن مألوفة حتى بالنسبة لآدا، التي فوجئت بأن صديق طفولتها أُرسل إلى بلد يبعد أكثر من 13 ألف كيلومتر عن الولايات المتحدة.

◄ رغم صدور قرار بترحيله بعد إلغاء إقامته القانونية، بقي موسكيرا في الولايات المتحدة لأن كوبا لا تستقبل المرحّلين عادة

عملية الترحيل جاءت ضمن اتفاق بين واشنطن وحكومة إسواتيني، وافقت فيه الأخيرة على استقبال ما يصل إلى 160 شخصا تم ترحيلهم من الولايات المتحدة، مقابل مبلغ قدره 5.1 مليون دولار، بهدف “تعزيز قدراتها في إدارة الحدود والهجرة”، وفق وثائق اطلعت عليها فرانس برس.

من بين المرحّلين، كان هناك أربعة رجال آخرين من جامايكا، ولاوس، وفيتنام، واليمن. وقد أُعيد أحدهم، الجامايكي أورفيل إتوريا، إلى بلاده في سبتمبر، بينما وصل عشرة آخرون إلى إسواتيني في السادس من أكتوبر، بحسب ما أفادت به الحكومة المحلية.

السلطات الأميركية وصفت المرحّلين بأنهم “مجرمون خطرون”، مدانون بجرائم تتراوح بين اغتصاب الأطفال والقتل. لكن محاميهم وأقاربهم أكدوا أنهم أنهوا مدة عقوباتهم وكانوا يعيشون بحرية في الولايات المتحدة منذ سنوات، ما يثير تساؤلات حول قانونية ترحيلهم إلى بلد ثالث لا تربطهم به أي صلة.

 في إسواتيني، حيث تُتهم حكومة الملك مسواتي الثالث بالقمع السياسي، تم احتجاز المرحّلين في سجن يخضع لإجراءات أمنية مشددة، دون توجيه أي تهم رسمية إليهم. ولا يُسمح لهم بالتواصل مع محامين، كما أن اتصالاتهم بعائلاتهم تقتصر على مكالمات فيديو قصيرة مرة واحدة أسبوعيا، وتتم تحت مراقبة حراس مسلحين.

المحامي الأميركي تين ثان نغوين، الذي يتولى الدفاع عن اثنين من المرحّلين، وصف الوضع بأنه “دوامة قانونية”، مشيرا إلى أن موكليه لم يُبلغا بقرار الترحيل إلا بعد صعودهما إلى الطائرة، ولم يُمنحا فرصة للطعن أو الاعتراض.

وقال نغوين إن ما يحدث “أشبه بتهريب عصري للبشر عبر قنوات رسمية”، مؤكدا أن عائلات المرحّلين تعرّفت عليهم من خلال صور نشرتها الحكومة الأميركية على شبكات التواصل الاجتماعي، وليس عبر أي قناة رسمية.

◄ إسواتيني، التي يحكمها الملك مسواتي منذ 39 عاما، أعلنت أنها تنوي إعادة المرحّلين إلى بلدانهم الأصلية، لكن حتى الآن، لم يعد سوى شخص واحد

في المنشور الذي كشف مصير موسكيرا، وصفته ماكلولين بأنه “عضو في عصابة لاتينية” مدان بجريمة قتل من الدرجة الأولى، ورفضت بلاده استقباله. لكن آدا، التي تواصلت مع فرانس برس عبر محاميه، نفت هذه الاتهامات، مؤكدة أن موسكيرا أُدين بمحاولة قتل وليس قتل، بعد إطلاقه النار على رجل في ساقه عام 1989.

وبحسب وثائق المحكمة، قضى موسكيرا تسع سنوات في السجن، وأُطلق سراحه عام 1996، ثم سُجن مجددا عام 2009 لمدة ثلاث سنوات بتهم تتعلق بسرقة سيارات والاعتداء على شرطي. ومنذ خروجه، تقول آدا إنه غيّر حياته، تزوج، وأنجب أربع فتيات، وابتعد عن العنف، بل أصبح يتحدث علنا ضد العصابات.

ورغم صدور قرار بترحيله بعد إلغاء إقامته القانونية، بقي موسكيرا في الولايات المتحدة لأن كوبا لا تستقبل المرحّلين عادة. وكان يلتزم بالتسجيل السنوي لدى سلطات الهجرة، ويعمل في شركة سباكة منذ 13 عاما، إلى أن تم اعتقاله فجأة وترحيله إلى إسواتيني.

في إسواتيني، حاول المحامي المحلي سيبوسيسو نهلاباتسي زيارة المرحّلين في سجن “ماتسافا الإصلاحي”، الواقع على بعد 30 كيلومترا جنوب العاصمة مبابان، لكنه أُبلغ بأنهم رفضوا مقابلته. غير أن محامية موسكيرا، ألمى ديفيد، نفت ذلك، مؤكدة أن موكليها لم يُبلغوا بأي زيارة، وطلبوا مرارا الحصول على مستشار قانوني.

وعندما حاولت ديفيد التواصل معهم مباشرة، قوبلت بالرفض من قبل رئيس السجن، الذي قال لها “الوضع هنا مختلف عن الولايات المتحدة”، وطالبها بالحصول على إذن من السفارة الأميركية.

ورغم موافقة المحكمة على تمثيل نهلاباتسي للمرحّلين، سارعت الحكومة إلى تقديم طلب استئناف، ما أدى إلى تعليق الحكم. وقال نغوين إن “لا أحد يريد معارضة الملك أو رئيس الوزراء، لذلك لا يتحقق أي تقدم”.

إسواتيني، التي يحكمها الملك مسواتي منذ 39 عاما، أعلنت أنها تنوي إعادة المرحّلين إلى بلدانهم الأصلية، لكن حتى الآن، لم يعد سوى شخص واحد. الجامايكي إتوريا، الذي أُطلق سراحه فور وصوله، ما زال يحاول التأقلم مع الحياة في بلد لم يعش فيه منذ نصف قرن، بحسب محاميته ميا أونغر.

وقالت أونغر إن ترحيله إلى إسواتيني كان “قسوة غير مبررة”، مشيرة إلى أن بلاده لم ترفض استقباله، خلافا لما زعمته الإدارة الأميركية.

أما المجموعة الجديدة التي وصلت إلى إسواتيني، فتضم عشرة أشخاص من فيتنام، الفلبين، وكمبوديا، وفق ما أفاد نغوين. وتقول ديفيد إن هؤلاء “يُستخدمون كبيادق في لعبة ديستوبية تتم فيها مبادلة الجثث بالمال”.

10