"222" تطبيق يبحث لك عن صديق حقيقي

التطبيق لا يكتفي بجمع الأشخاص في لقاء عابر، بل يتابع تطور العلاقة، ويقترح مناسبات جديدة بناءً على التفاعل السابق.
الأحد 2025/09/14
"222" يركز على بناء علاقات طويلة الأمد

سان فرانسيسكو  (الولايات المتحدة) ـ  في زمن تتسارع فيه وتيرة التواصل الرقمي وتزداد فيه العزلة الاجتماعية رغم كثافة الاتصالات، يبرز تطبيق “222” كمحاولة جريئة لإعادة تعريف مفهوم اللقاء الإنساني، عبر توظيف الذكاء الاصطناعي في بناء صداقات فعلية، لا مجرد تفاعلات افتراضية.

في إحدى أمسيات الصيف بمدينة سان فرانسيسكو، جلس جاي تي مايسن، مسعف يبلغ من العمر 25 عاماً، إلى مائدة عشاء مع خمسة غرباء، جميعهم اختيروا بعناية من قبل خوارزميات التطبيق، بناءً على قواسم مشتركة في القيم والاهتمامات والسمات الشخصية. يقول مايسن “ما يعجبني في تطبيق ‘222‘ أنني أكتشف أشخاصاً حقيقيين، لا الصورة التي يحاول الناس إظهارها عن أنفسهم عبر الإنترنت”.

قبل اللقاء، ملأ مايسن استبياناً شخصياً مفصلاً عبر التطبيق، يتضمن أسئلة حول نمط حياته، رؤيته للعلاقات، اهتماماته الثقافية، وحتى تفضيلاته في الموسيقى والطعام. هذه البيانات تُغذّي خوارزمية التعارف، التي لا تكتفي بالمطابقة الرقمية، بل تنسق لقاءات وجهاً لوجه في أماكن عامة، مثل المطاعم أو جلسات اليوغا أو ورش المسرح المرتجل.

بعد العشاء، انتقل مايسن إلى مطعم آخر، حيث التقى مجموعات جديدة من مستخدمي التطبيق، جميعهم متلهفون لبناء علاقات إنسانية حقيقية. وفي نهاية كل لقاء، يُطلب من المشاركين تقييم التجربة، وتحديد الأشخاص الذين يرغبون في لقائهم مجدداً، أو من يفضلون عدم التواصل معهم، مع توضيح الأسباب. هذه الملاحظات تُستخدم لتحسين دقة المطابقة في المستقبل.

التطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي بطريقة غير تقليدية، إذ لا يكتفي بتحليل البيانات، بل يتعلم من التجربة الواقعية

يقول مايسن “لا أعلم إن كان الذكاء الاصطناعي قادراً على فهم الكيمياء البشرية، فنحن مازلنا بعيدين عن ذلك، لكنني أعتقد أنه قادر على اتخاذ الخطوة الأولى، بجمعنا وجهاً لوجه، ومحاولة بناء تواصل.” هذه الفكرة تمثل جوهر فلسفة التطبيق، الذي لا يسعى إلى خلق علاقات مثالية، بل إلى توفير بيئة آمنة ومحفزة للقاءات الحقيقية.

رائد الأعمال الذي يقف خلف التطبيق، والبالغ من العمر 26 عاماً، يؤمن بأن التكنولوجيا يجب أن تخدم الإنسان، لا أن تعزله. ويقول “معظم التقنيات الحديثة تربط الناس بكيانات افتراضية، وليس بالبشر،” في إشارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي بي تي”، التي تخلق تفاعلات لكنها لا تبني علاقات.

في تقرير صدر عام 2023، أُشير إلى أن تأثير الانقطاع الاجتماعي على الصحة يُضاهي تدخين 15 سيجارة يومياً، بل يفوق تأثيره تأثير البدانة ونمط الحياة الخامل. وقد رُبطت العزلة الاجتماعية بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والخرف، والاكتئاب. من هنا، تأتي أهمية تطبيقات مثل “222”، التي لا تكتفي بتقديم تجربة تقنية، بل تسعى إلى معالجة أزمة اجتماعية متفاقمة.

ما يميز “222” عن غيره من تطبيقات المواعدة أو التعارف، هو تركيزه على بناء علاقات طويلة الأمد. فالتطبيق لا يكتفي بجمع الأشخاص في لقاء عابر، بل يتابع تطور العلاقة، ويقترح مناسبات جديدة بناءً على التفاعل السابق. كما يتيح للمستخدمين تخصيص أهدافهم: هل يبحثون عن صداقة؟ شريك في مشروع؟ أو مجرد رفقة في نشاط معين؟

ويعتمد التطبيق على الذكاء الاصطناعي بطريقة غير تقليدية، إذ لا يكتفي بتحليل البيانات، بل يتعلم من التجربة الواقعية، ويُعدّل خوارزمياته بناءً على ردود الفعل البشرية. هذا التفاعل بين التقنية والمجتمع هو ما يمنح “222” طابعه الفريد.

وفي عالم يزداد فيه الاعتماد على الشاشات، ويقل فيه التفاعل الحقيقي، يبدو أن تطبيق “222” يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن للتكنولوجيا أن تعيدنا إلى بعضنا؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون جسرًا نحو علاقات أكثر دفئًا وصدقًا؟

ربما لا يملك التطبيق الإجابة الكاملة، لكنه يقدم بداية مختلفة، حيث لا تكون الخوارزمية نهاية المطاف، بل مجرد وسيلة للقاء، والتجربة، والتواصل. وفي هذا المسار، قد يجد الكثيرون ما فقدوه في زحمة العالم الرقمي: صديق حقيقي، ووجه مألوف، ولقاء لا يُنسى

13