الإمارات "وادي السيلكون" الشرق أوسطي

الإمارات تسعى لتحويل نفسها من مستورد للتقنيات إلى مصدر ومبتكر رئيسي.
الجمعة 2025/10/17
رؤية إستراتيجية تعزز التنمية المستدامة

أبوظبي - مع اشتداد المنافسة بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وأوروبا على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي، تبرز الإمارات كلاعب طموح يسعى لتحويل نفسه من مستورد للتقنيات إلى مصدر ومبتكر رئيسي. ومن خلال إستراتيجيات حكومية مدروسة واستثمارات هائلة، أصبحت الإمارات مركزاً إقليمياً وعالمياً للابتكار في الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي وثروتها النفطية لتنويع اقتصادها. وهذا الدور ليس مجرد رد فعل على السباق العالمي، بل هو رؤية إستراتيجية تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة والنفوذ الدولي.

وكانت الإمارات قد أطلقت عام 2017 الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، وهي خطة طموحة تهدف إلى جعل البلاد قائدة عالمية في هذا المجال بحلول عام 2031. وتشمل الأهداف الرئيسية زيادة الإنتاجية الاقتصادية من خلال تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الابتكار في القطاعات الحيوية، وتحقيق تنمية مستدامة. وتركز الإستراتيجية على خمسة قطاعات ذات أولوية: الموارد والطاقة، اللوجستيات والنقل، السياحة والضيافة، الرعاية الصحية، والأمن السيبراني. فعلى سبيل المثال، في التعليم، أعلنت الإمارات في مايو 2025 إدراج الذكاء الاصطناعي كمادة دراسية من الروضة إلى الصف الثاني عشر في المدارس الحكومية، لتأهيل جيل جديد من المتخصصين.

كما أنشأت مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والبلوكشين لتنسيق الجهود الوطنية، وأطلقت مبادرات مثل “مدينة أبوظبي الذكية” التي تهدف إلى جعل أبوظبي أول مدينة “ذكاء اصطناعي أصلي” بحلول 2027، باستثمارات تصل إلى 3.3 مليار دولار. وهذه الإستراتيجية ليست نظرية فقط؛ فقد خصصت الإمارات 900 مليار درهم (حوالي 245 مليار دولار) لتنفيذها، ما يعكس التزاماً بتحويل الذكاء الاصطناعي إلى محرك اقتصادي يساهم بنسبة 14 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2031.

3.3

مليار دولار استثمارات تهدف إلى جعل أبوظبي أول مدينة “ذكاء اصطناعي أصلي” بحلول 2027

وتدعم الإمارات طموحاتها باستثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية. في 2025، أعلنت عن بناء “ستارغيت الإمارات”، مركز بيانات للذكاء الاصطناعي بقدرة 1 غيغاواط قابلة للتوسع إلى 5 غيغاواط في أبوظبي. وهذا المشروع يجعل أبوظبي مركزاً رئيسياً للحوسبة المتقدمة، ويأتي ضمن استثمارات تصل إلى 1.4 تريليون دولار في التكنولوجيا الأميركية.

من الشراكات البارزة، اتفاق مع NVIDIA لاستيراد 500000 رقاقة سنوياً حتى 2027، ما يعزز القدرات المحلية ويقلل الاعتماد على الخارج. كما أطلقت أبوظبي نموذج AI للاستدلال ينافس OpenAI وDeepSeek، وأنشأت مختبراً مشتركاً مع NVIDIA للروبوتات والذكاء الاصطناعي.

وتستفيد الإمارات من موقعها الوسطي في السباق بين الولايات المتحدة والصين. ففي يونيو 2025، أصبحت الإمارات محوراً في الصراع التكنولوجي، مع استثمارات تضعها كشريك إستراتيجي للولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين. وفي الشرق الأوسط، تقود الإمارات الابتكار في الذكاء الاصطناعي، مع مشاركتها في مؤتمر عالمي للذكاء الاصطناعي والأمن في مارس 2025، واستضافة قمة الحكومات العالمية في دبي. وفقاً لتقارير، ستولد هذه الجهود 500000 وظيفة جديدة وتضيف 510 مليارات دولار إلى الاقتصاد بحلول 2040.

رغم التقدم، تواجه الإمارات تحديات مثل ضمان الأخلاقيات في الذكاء الاصطناعي والحفاظ على التراث الثقافي، خاصة مع نماذج تحافظ على اللغة العربية. كما يرى بعض الخبراء أن السباق ليس مع الدول الأخرى بل مع الذات، لتحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية.

ودور الإمارات في سباق الذكاء الاصطناعي هو دور إستراتيجي يجمع بين الطموح الوطني والشراكات العالمية، ما يجعلها ليست مجرد مشارك بل قوة مؤثرة في تشكيل مستقبل التقنية. ومع استمرار الاستثمارات، قد تصبح الإمارات “وادي السيليكون” الشرق أوسطي بحلول 2031.

10