وكالة الأنباء الجزائرية بالإنجليزية رافعة نفوذ جيوسياسي

المبادرة ليست حدثا معزولا، بل جزء من تحول أوسع في السياسة الخارجية والإعلامية الجزائرية.
الثلاثاء 2025/10/07
تعزيز الصورة الدولية للبلاد

في خطوة إستراتيجية تعكس طموح الجزائر لتعزيز حضورها الإعلامي الدولي، أطلقت وكالة الأنباء الجزائرية (APS) شريطا إخباريا باللغة الإنجليزية. ولا يقتصر الأمر على التحديث التقني، بل يمثل أداة حاسمة لإيصال الرواية الجزائرية إلى أفريقيا والعالم، في مواجهة المنافسة الإقليمية والتحولات الجيوسياسية العالمية.

الجزائر- أطلقت وكالة الأنباء الجزائرية شريطها الإخباري باللغة الإنجليزية في خطوة تهدف إلى تعزيز حضورها الإعلامي وإيصال صوت الجزائر إلى نطاق أوسع.

وبالمناسبة، أعطى المدير العام للوكالة سمير قايد إشارة إرسال أول برقية إخبارية باللغة الإنجليزية، إيذانا بانطلاق هذه الخدمة الجديدة التي تأتي “انسجاما مع السياسة الوطنية الرامية إلى تعزيز انتشار الإعلام الوطني دوليا”.

وأوضح قايد أن هذا الشريط يعد “ثمرة عمل طويل لفريق متخصص”، بحيث ستسمح هذه المنصة التقنية الحديثة ببث الأخبار بشكل آني باللغة الإنجليزية، بما يعكس “حرص وكالة الأنباء الجزائرية على الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا على المستوى العالمي”.

وأضاف أن “هذه المبادرة تندرج ضمن مسار تحديث شامل” الغاية منه “هو الانسجام والتكيف مع التحول العميق الذي تشهده وكالات الأنباء في العالم التي تنتقل نحو نموذج وكالات الإعلام الشامل”.

سمير قايد: الخدمة الجديدة تأتي انسجاما مع السياسة الوطنية الرامية إلى تعزيز انتشار الإعلام الوطني دوليا

وذكر في ذات السياق بتدشين الموقع الإلكتروني الجديد للوكالة بواجهاته الست باللغات الوطنية والأجنبية على غرار العربية والأمازيغية، إضافة إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية الأسبوع الماضي.

وعن الأهداف المنتظرة من وراء إطلاق الشريط الإخباري باللغة الإنجليزية، أفاد المدير العام للوكالة بأنه سيشكل “أداة أساسية لإبراز الأخبار الوطنية في الخارج وتعزيز الحضور الإعلامي الجزائري على الساحة الدولية، إضافة إلى تمكين الوكالة من الرفع من ديناميكية التبادل الإخباري الدولي والتموقع ضمن مستوى أرفع في هذا المجال، خاصة وأن أرقى عمليات التبادل الإخباري بين الوكالات في العالم تتم عن طريق هذه اللغة الأكثر تداولا”.

وتجسيدا لذلك “تم تجنيد فريق من الصحافيين المكونين في اللغة الإنجليزية والإعلام الدولي لإنتاج مضامين إخبارية آنية على مدار اليوم مع التركيز على القضايا ذات البعد الجيوسياسي والإستراتيجي”، ما من شأنه أن “يعكس ريادة الجزائر وحضورها البارز في المحافل الدولية”.

وقال  قايد إن هذا الشريط الإخباري سيمكن مشتركي الوكالة من التزود بأحدث الأخبار والمستجدات في مجالات متعددة خاصة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات الحيوية.

وهذه المبادرة ليست حدثا معزولا، بل جزء من تحول أوسع في السياسة الخارجية والإعلامية الجزائرية.

ويتناسب إطلاق الشريط الإخباري بالإنجليزية تماما مع مفهوم القوة الناعمة، وتركز الجزائر على هذا النهج لتعزيز الصورة الدولية للبلاد.

ويعتقد مراقبون أن الإنجليزية هنا ليست مجرد لغة إضافية، بل مفتاح للانفتاح على أسواق أفريقية وآسيوية، مثل نيجيريا أو الهند، مما يعزز دور الجزائر في مجموعة بريكس التي انضمت إليها كعضو مشارك في 2024. كما أن التركيز على القضايا الجيوسياسية، مثل أزمة غزة أو الطاقة، يسمح بإصدار رواية جزائرية مستقلة بعيدًا عن الإعلام الغربي.

على سبيل المثال، في عام 2025، أطلقت الجزائر حملات إعلامية إنجليزية حول دورها في “السلام الأفريقي”، مثل وساطتها في مالي، مما زاد من تغطيتها في قنوات مثل سي.أن.أن أو بي.بي.سي بنسبة 20 في المئة مقارنة بعام 2024، وفقا لتقارير إعلامية.

أما بالنسبة لوكالة الأنباء الجزائرية دوليا، فإن هذه الخطوة تمثل قفزة نوعية، وإذ كانت الوكالة، التي تأسست في 1962، محدودة في التصنيف العالمي (حوالي المرتبة 50 في 2024 حسب معهد رويترز)، فإن اعتمادها للغة الإنجليزية، سيمكنها من التبادل الإخباري مع أكثر من 200 وكالة عالمية، مما يرفعها إلى “مستوى أرفع”.

ومع ذلك، يعتمد النجاح بشكل أساسي على جودة المحتوى وتوسيع الشراكات، وهما الركيزتان الرئيسيتان للاستدامة.

يذكر أن إطلاق وكالة الأنباء الجزائرية لشريط إخباري باللغة الإنجليزية جزء من تحول لغوي واسع النطاق في الجزائر، يعكس تراجعا تدريجيا لنفوذ اللغة الفرنسية. هذا التحول ليس مصادفة، بل سياسة وطنية مدروسة بدأت منذ سنوات.

ويبرز التركيز على الإنجليزية كبديل عملي للفرنسية في بناء “رواية جزائرية مستقلة”، خاصة في مجال الإعلام والدبلوماسية.

وسبق أن وصف الكاتب الفرنسي بيير هاسنر في مقال نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية في الخامس عشر من يوليو 2024 قرارات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون اللغوية بأنها “ثورة ثقافية هادئة” ضد الإرث الفرنسي، مع أمثلة على إصلاحات التعليم التي قلصت ساعات الفرنسية إلى النصف وزادت الإنجليزية ثلاثة أضعاف. ويؤكد المقال أن هذا التحول “يقلق باريس” بسبب فقدان النفوذ الثقافي، لكنه يعزز استقلالية الجزائر، مشيرا إلى أن “الإنجليزية أصبحت مفتاحا للشراكات مع أفريقيا الناشئة والاقتصاد الرقمي”.

الإنجليزية هنا ليست مجرد لغة إضافية، بل مفتاح للانفتاح على أسواق أفريقية وآسيوية

وفي التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي خصصت نفس الصحيفة الفرنسية تحقيقا للموضوع، ورصدت مظاهر التراجع المتسارع للغة موليير في ثالث أكبر بلد ناطق بالفرنسية في العالم. فمنذ 2023، مُنعت المدارس الخاصة من تدريس البرامج الفرنسية، ومع حلول 2025، باتت الإنجليزية تحل محل الفرنسية في تخصصات إستراتيجية كعلوم الصحة.

هذا الانحسار يطال أيضا المؤسسات الثقافية. ففي 27 سبتمبر 2025، حاول المعهد الفرنسي في الجزائر استقطاب جمهور جديد عبر يوم مفتوح تضمن أنشطة متنوعة، دروس لغة، ورشات مع حرفيين، عروضا موسيقية، ولقاءات ثقافية، غير أن هذه المبادرة جاءت في سياق سياسي ودبلوماسي متوتر بين الجزائر وباريس.

وزاد من حدّة التوتر رفض السلطات الجزائرية منح المعهد ترخيصا للمشاركة في الدورة الـ28 للصالون الدولي للكتاب بالجزائر، المقررة في 29 أكتوبر المقبل. وفي الموازاة، تراجع عدد المسجلين في دورات المعهد من 18 ألفا سنة 2022 إلى حوالي 16 ألفا سنة 2024.

أما في قطاع النقل والاتصالات، فقد اتخذت قرارات رمزية وذات دلالة سياسية. فمنذ أبريل الماضي، لم تعد الخطوط الجوية الجزائرية تطبع تذاكرها بالفرنسية، مكتفية بالعربية والإنجليزية، رغم أن فرنسا تبقى وجهتها الخارجية الأولى. وفي أغسطس، أعلنت شركة “اتصالات الجزائر” أن فواتيرها وإيصالات الدفع ستصدر بدورها بالعربية والإنجليزية، لتلتحق بالمسار نفسه.

بهذه الخطوات المتراكمة، يبدو أن الجزائر تُعيد رسم سياستها اللغوية في التعليم والإدارة والثقافة والإعلام، واضعة الفرنسية في موقع دفاعي بعد عقود من الهيمنة، ومعلنة رسميًا أن الرهان المستقبلي سيكون على الإنجليزية باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا والانفتاح الدولي.

5