قطر ترد على الغارة الإسرائيلية بـ"قنبلة إعلامية"
تشن قطر معركة إعلامية ضد إسرائيل مستخدمة برنامج "ما خفي أعظم" لكشف جرائم حرب إسرائيلية في غزة. وهز تحقيقان استقصائيان، بثا في أكتوبر 2025، الرأي العام العالمي بتوثيق مقتل الطفلة هند رجب وتسريب قائمة بأسماء 30 ألف طيار إسرائيلي متورطين في قصف غزة، مما أثار غضباً إسرائيلياً وتأكيداً من وزارة دفاعها على مراقبة الحملة "المنظمة".
الدوحة- صعدت قطر هجومها الإعلامي على إسرائيل عبر قناة الجزيرة، مستخدمة برنامج "ما خفي أعظم" كسلاح استراتيجي لكشف الجرائم الإسرائيلية وتعبئة الرأي العام العالمي ضدها.
وفي أكتوبر الحالي 2025، بثت قناة الجزيرة تحقيقين استقصائيين في برنامج "ما خفي أعظم" الذي يقدمه الصحفي تامر المسحال، وصفهما مراقبون إعلاميون بـ"القنبلة الإعلامية" التي تهدد إسرائيل قانونياً وسياسياً.
ويقول مراقبون إنها رد قطري على الغارة التي استهدفتها في التاسع من سبتمبر 2025، والتي أثارت صدمة في الأوساط الدبلوماسية، خاصة أنها جاءت بعد ضمانات أميركية وإسرائيلية بعدم استهداف قادة حماس في قطر، مما اعتبرته الدوحة "خيانة".
وركز التحقيقان على توثيق جرائم حرب إسرائيلية بدقة غير مسبوقة، مدعومة بأدلة حصرية تهدف إلى فتح ملفات ملاحقة قضائية دولية.
وتناول التحقيق الأول "الملاحقون"، مقتل الطفلة الفلسطينية هند رجب (6 أعوام) وعائلتها وفريق المسعفين في 29 يناير 2024 في حي تل الهوى بمدينة غزة. يكشف التحقيق تفاصيل مروعة عن الحادثة، حيث حوصرت هند وعائلتها داخل سيارة مدنية تحت نيران دبابة إسرائيلية تابعة لسرية "إمبراطورية مصاصي الدماء"، وهي وحدة عسكرية تابعة للكتيبة 52 في اللواء 401 المدرع. وقدم التحقيق أدلة دامغة تشمل تسجيلات صوتية ومكالمة بين هند وفريق الإغاثة تظهر استغاثتها وهي محاصرة داخل السيارة بجثث عائلتها، قبل أن تُقتل بالرصاص.
ونشر التحقيق وثائق قدمتها مؤسسة هند رجب لأول مرة، تثبت أوامر مباشرة من الضابط شون غلاس، قائد السرية، بإطلاق النار على السيارة رغم تأكيد هوية المدنيين. تم تحديد أسماء أفراد السرية المتورطين، بما في ذلك إيتاي شوكيركوف (يحمل الجنسية الأرجنتينية) وشيمون زوكرمان (يحمل الجنسية الألمانية)، مما يفتح الباب لملاحقات قانونية في بلدانهم.
التحقيقان ركزا على توثيق جرائم حرب إسرائيلية بدقة غير مسبوقة، تهدف إلى فتح ملفات ملاحقة قضائية دولية
وأثار التحقيق موجة غضب عالمية، حيث تصدرت هاشتاغات مثل #هند_رجب و#ما_خفي_أعظم منصة إكس، وحصد المقطع الترويجي ملايين المشاهدات. كما أعلنت مؤسسة هند رجب عن رفع دعوى قضائية ضد زوكرمان في ألمانيا، وهي الأولى من نوعها، مما يضع ضغطاً قانونياً مباشراً على الجنود الإسرائيليين.
أما التحقيق الثاني "قائمة الطيارين" فقد كشف عن وثيقة مسربة تضم أسماء وتفاصيل حوالي 30 ألف طيار وعضو في سلاح الجو الإسرائيلي الذين شاركوا في عمليات القصف على غزة منذ أكتوبر 2023.
الوثيقة، التي وُصفت بـ"السرية للغاية"، تضمنت بيانات شخصية مثل الأسماء الكاملة، أرقام الهوية العسكرية، والوحدات الجوية التي نفذت غارات أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
قدم التحقيق أيضا تفاصيل العمليات ووثق غارات جوية استهدفت مباني سكنية ومستشفيات، بما في ذلك قصف مستشفى المعمداني في أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص.
كما قدم شهادات داخلية من ضباط إسرائيليين سابقين كشفوا عن تعمد استهداف المدنيين كجزء من سياسة "الضغط الأقصى" لإجبار حماس على الاستسلام.
وقدم خبراء قانونيون دوليون، بمن فيهم ممثلون عن منظمة العفو الدولية، تفسيراً لكيفية استخدام هذه الوثيقة في محاكمات أمام محكمة الجنايات الدولية.
وأكد الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن هذه التسريبات تمثل "كابوساً" لإسرائيل، حيث يواجه الطيارون خطر الاعتقال في دول أوروبية تدعم اتفاقية روما، وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية بدأت تحقيقاً داخلياً لمعرفة مصدر التسريب، مع مخاوف من اختراق أمني داخل سلاح الجو.
وردت إسرائيل بحملة إعلامية مضادة وصفت تحقيقي الجزيرة بـ"الهجوم المنظم" من قطر لتشويه صورة الجيش الإسرائيلي. وأشارت صحيفة "معاريف" إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تراقب تحقيقات الجزيرة عن كثب، وتدرس إجراءات قانونية ضد القناة بتهمة "التحريض" و"نشر معلومات مضللة". كما دعت أحزاب يمينية في الكنيست إلى إغلاق مكتب الجزيرة في القدس الغربية، متهمة إياها بـ"التعاون مع حماس" و"تهديد الأمن القومي".
وفي الوقت نفسه، أثارت التحقيقات غضباً داخلياً بين الجنود الإسرائيليين، خاصة أولئك الذين نشروا مقاطع فيديو متفاخرة بجرائمهم على تيك توك وإنستغرام، مما سهّل على الجزيرة جمع الأدلة.
وحاولت الحكومة الإسرائيلية التقليل من شأن التحقيقات، مدعية أنها "دعاية قطرية"، لكن مصادر عسكرية أقرت بأن الوثيقة المسربة عن الطيارين "حقيقية"، مما يزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية.
ودعمت قطر التحقيقات بتوزيعها على منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، كما موّلت حملات إعلامية في الغرب.
وحققت التحقيقات نجاحاً هائلاً على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة إكس، حيث تصدرت هاشتاغات #ما_خفي_أعظم، #هند_رجب، و#إسرائيل_مجرمة_حرب الترندات العالمية لأيام. وحصد المقطع الترويجي لتحقيق "الملاحقون" الذي أظهر صورة هند رجب مع تعليق "عادت حية لتحاكم قاتليها"، أكثر من 10 ملايين مشاهدة خلال 48 ساعة. ووصف المتابعون الجزيرة بـ"الصوت الذي لا يُسكت"، وأثنوا على قدرتها على "هز ضمير العالم" بتوثيق الجرائم بدقة.
في المقابل، شنت حسابات مؤيدة لإسرائيل حملات مضادة، اتهمت الجزيرة بـ"التحريض" و"التعاون مع الإرهاب"، لكن هذه الحملات لم تحقق نفس الزخم.
يشير مراقيون إلى أن الحملة الإعلامية بـ"منظمة" لعدة أسباب منها التنسيق العالي حيث أُعدت التحقيقات بدعم مباشر من الحكومة القطرية، التي وفرت موارد مالية ولوجستية للوصول إلى الوثائق المسربة والشهود. كما أنها جاءت في توقيت استراتيجي، مما يعكس رداً مدروساً لإحراج إسرائيل وإعادة توجيه الأنظار إلى جرائمها. كما استهدفت التحقيقات أفراد بعينهم (مثل شون غلاس وزوكرمان) لدفع دول أوروبية لفتح تحقيقات جنائية.
وسعى التحقيقان إلى التعبئة العالمية عبر تنسيق مع منظمات حقوقية وووسائل إعلام غربية لتضخيم الرواية الفلسطينية، مع تركيز على صورة هند رجب كرمز للضحايا.
وتتوقع مصادر دبلوماسية أن تستمر قطر في تصعيد هجومها الإعلامي، مع احتمال بث تحقيقات إضافية تستهدف قادة سياسيين إسرائيليين مثل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وأعادت التحقيقات أعادت تشكيل ديناميكيات الصراع، حيث أصبح الإعلام سلاحاً رئيسياً يهدد إسرائيل قانونياً ومعنوياً، ويعزز موقف قطر كقوة إقليمية قادرة على مواجهة تل أبيب في ساحات غير تقليدية.