هل يسير المجتمع التونسي نحو التهرم السكاني

نسبة كبار السن في البلاد تناهز 17 في المئة.
الخميس 2025/10/30
دعوات لمراجعة السياسات الاجتماعية

تونس- كشفت النتائج التفصيلية للتعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024 التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة كبار السن (60 سنة فأكثر) في تونس بلغت 16.88 في المئة في 2024 مقابل 11.38 في المئة سنة 2014، وهو ما طرح حقيقة توجه المجتمع التونسي نحو التهرم السكاني.

ويبلغ عدد كبار السن في تونس مليونين و20 ألفا و772 فردا، وتتركز أعلى نسب من هذه الفئة العمرية في الإقليم الثاني (ولايات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنوبة ونابل) بنسبة 34.4 في المئة وأيضا بالإقليم الثالث (ولايات سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية) بنسبة 23.48 في المئة.

ويحظى أكثر من 88 في المئة من فئة كبار السن بالتغطية الصحية، وفق ذات المعطيات التي أظهرت أن أنظمة الحماية الاجتماعية في تونس تشمل نحو 52 في المئة من كبار السن، وتتوزع هذه النسبة بين 72.2 في المئة من الرجال مقابل 33.2 في المئة فقط من الإناث.
وأبرزت نتائج التعداد أن أكثر من ثلثي التونسيين البالغة أعمارهم 60 سنة فأكثر (ذكور وإناث) لديهم مصدر دخل بنسبة 69.7 في المئة.

عامر الجريدي: على السلطة أن تهتم بمعطى السير نحو التهرم السكاني
عامر الجريدي: على السلطة أن تهتم بمعطى السير نحو التهرم السكاني

ويستحوذ الصندوق الوطني للتأمين على المرض على 60.6 في المئة من اجمالي المضمونين، فيما يتمتع 18 في المئة من التونسيين بالتغطية الصحية من خلال برنامج الأمان الاجتماعي حيث يمتلك 11.1 في المئة بطاقة علاج بتعريفة منخفضة و6.9 في المئة بطاقة العلاج المجاني، أما 2.4 في المئة من التونسيين فيتمتعون بالتغطية الصحية من خلال الصناديق التعاونية والآليات الأخرى.

وأفاد عامر الجريدي، الكاتب العام للمنظمة التونسية للتربية والأسرة، بأن “تونس سائرة نحو التهرّم السّكّاني بطبيعة تطوّر نظام العيش ونتائج السياسة السكانية لدولة الاستقلال في أوائل السّتينات وتطور أمل الحياة عند الولادة إلى 76 سنة (74 بالنسبة إلى المرأة و71 بالنسبة إلى الرجل) بفضل التّطوّر في العلوم الصّحّية والغذائية وتقلّص الأمّيّة، وهو ما تفيد به الإحصائيات الدّورية العشرية للمعهد الوطني للإحصاء ومراكز البحث العالمية في السّكّان.”

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الإحصائيات العالمية تفيد بأنّ عدد كبار السّن (زائد 60 عامًا) سيتحول من 600 مليون إلى مليار بحلول سنة 2050 في العالم، ولئن كانت نسبة شيوخ ما فوق الـ64 في تونس لا تتجاوز الـ9.17 في المئة (و17 في المئة من ستّين سنة فما فوق)، فهي نسبة أقرب للبلدان المتطورة اقتصاديا في آسيا وأوروبا وأميركا وأبعد عن بلدان أفريقيا جنوب الصحراء والخليج العربي، إذ بلغت نسبة الشريحة العمرية التي تفوق 64 سنة 9.17 في المئة و36.36 في المئة في موناكو، و29.56 في المئة في اليابان، و22.42 في المئة في ألمانيا، و24.3 في المئة في إيطاليا، و21.43 في المئة في فرنسا، و19.31 في المئة في سويسرا؛ في حين لم تتجاوز 7.83 في المئة في المغرب، و4.88 في المئة في ليبيا، ومعدل أقلّ من 3 في المئة في بلدان الخليج وأفريقيا.”

ولفت الجريدي إلى أن “معطى السير نحو التهرّم السّكّاني مسألة مهمّة وجب الاهتمام بها من طرف السلطة في البلاد باعتبار الحوكمة السياسية تتصرّف في الآني مع التأسيس للمستقبلي. وإذا أضفنا لهذا المعطى الديمغرافي معطى مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، يتّضح أنّ المخططات التنموية والإصلاحات التعليمية وتطوير السّياسة الصحية للدولة الاجتماعية لن تعني شيئا دون اعتبار هذه المعطيات، ولئن كانت تونس تعاني من أزمة تنموية عميقة متعددة الأبعاد (اقتصادية، اجتماعية، تعليمية، صحية، بيئية) جعلت العديد من التونسيات والتونسيين خارج منظومة التغطية الصحية والتغطية الاجتماعية، فإنّ تطوير التغطية الصحية التي لا تفوق 19 في المئة يتطلب لا فقط اعتمادات مضافة لن تحصل دون عقلية العمل والاستثمار، بل كذلك تأسيسا يأخذ في الحسبان عوامل عدّة مثل هذه بالإضافة إلى تطوّر نسبة أمراض الزهايمر وطيف التوحّد والسّرطان.”

وأشار الجريدي إلى أن “الدولة التونسية تعيش تحدّيات غير مسبوقة في عالم يسير نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي بخطى متسارعة ستزيد في تغيير نمط عيش الإنسان من ‘حركي’ إلى “جامد’، بدنيا وفكريّا، وما يترتّب عنه من زوال القيم الإنسانية مثل التحابب والتعاطف والتضامن.”

بلعيد أولاد عبدالله: هناك تزايد في عدد كبار السن مقابل تراجع عدد الأطفال
بلعيد أولاد عبدالله: هناك تزايد في عدد كبار السن مقابل تراجع عدد الأطفال

في المقابل بلغت نسبة التونسيين الذين يتمتّعون بالتغطية الاجتماعية 64.6 في المئة وفق المسح السكاني، حيث بلغت نسبة التغطية بالوسط الحضري 70.7 في المئة وبالوسط الريفي 63.5 في المئة.

وأظهرت نتائج الإحصاء أن 80.5 في المئة من التونسيين يتمتعون بالتغطية الصحية، فيما يظل 19 في المئة منهم غير مشمولين بالتغطية الصحية.

وقال أستاذ علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله إن “المجتمع التونسي فعلا سائر نحو التهرم، وهذا ما أثبتته المعطيات المتوفرة عبر تعداد السكان، وذلك نتيجة عزوف الشباب التونسي عن الزواج وتراجع نسبة الخصوبة.”

وقال في تصريح لـ”العرب”، “هناك تزايد في عدد كبار السن مقابل تراجع عدد الأطفال، وبالتالي لا بد من مراجعة السياسات الاجتماعية والخدمات الصحية، مع التشجيع على الزواج.”

وأكد بلعيد أولاد عبدالله أن “17 في المئة مؤشر ليس خطيرا، ولكن إذا ربطناه بضعف الإقبال على الزواج لن يصبح هناك تجديد في المجتمع، وعلى المديين القصير والمتوسط لا يمثل خطرا، شريطة أخذ الاحتياطات اللازمة والاهتمام بالقاعدة الديمغرافية وتجديدها.”

 وشهدت تركيبة الفئة العمرية بين 15 و59 سنة انخفاضا لصالح الفئة العمرية التي تتجاوز عمر الـ60 سنة، من 5.58 في المئة سنة 1966 إلى 8.3 في المئة سنة 1994، إلى 11.7 في المئة سنة 2014، إلى 16.68 في المئة سنة 2024.

وتتبنى تونس منذ أكثر من 60 عاما سياسة “تحديد النسل” التي تشجع على الاكتفاء بثلاثة أطفال كحد أقصى وتوفر للنساء تسهيلات في الحصول على وسائل منع الحمل.

وكشفت النتائج الإجمالية للتعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024 أن العدد الجملي للسكان في تونس يبلغ 11 مليونا و972 ألفا و169 ساكنا، ينقسمون إلى 50.7 في المئة إناثا و49.3 في المئة ذكورا.