أزمة كفاءة أم إرادة؟ لماذا يعجز المسؤولون المحليون في تونس عن حل مشاكل الناس
تونس - بات المسؤولون الجهويّين في المحافظات والمناطق التونسية عاجزين عن معالجة مشاكل المواطنين، وبلورة توجهات الرئيس قيس سعيد وأفكاره إلى إنجازات ملموسة، وهو ما يثير الجدل أكثر من أي وقت مضى بشأن حقيقة ذلك العجز، إما لأزمة الكفاءة أو لغياب الإرادة اللازمة لتحمل المسؤوليات.
وطرحت الزيارات الفجئية للرئيس قيس سعيد لعدد من المحافظات من حين إلى آخر، بهدف معالجة مشاكل المواطنين، تساؤلات لدى المراقبين بشأن الدور الموكول للمسؤولين الجهويين في معالجة عدّة ملفات دون انتظار زيارات الرئيس. كما طرحت أيضا الوقوف على مدى جديّة المسؤولين داخل الجهات، من ولاة (محافظين) ومعتمدين، في إدارة شؤون المدن وفتح ملفات الفساد.
والمسؤولون الجهويون في تونس هم رؤساء الولايات (الولاة)، ومديرو الإدارات الجهوية، ورؤساء الهيئات والمجالس الجهوية. والي الجهة هو المسؤول الحكومي الأول فيها، ويمثل السلطة المركزية، بينما يدير المجالس الجهوية المنتخبة شؤون الولاية. أما المديرون الجهويون فهم رؤساء فروع مختلف الإدارات المركزية مثل الشؤون الاجتماعية والتجهيز والإسكان.
ويرى متابعون للشأن التونسي، أن المسؤولين الجهويين يفتقدون إلى مصارحة الناس بالواقع في جهات، بل إن أغلبهم يذهب إلى الإيهام بحلحلة المشاكل الجهوية دون الاعتراف بصعوبتها وطرح العراقيل والصعوبات.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، مراد علاّلة: “أعتقد أنها مسؤولية مشتركة، وظهر جليّا أن العديد من التعيينات لم تكن في مستوى المطلوب، وأن بعضها لم يعمّر طويلا.”
وأوضح في تصريح لـ”العرب”: “هناك نوع من المكابرة لدى المسؤولين الجهويين وعدم الاعتراف بصعوبة الوضع، وبالتالي وجب مصارحة الناس بدل المغالبة،” لافتا أن “المسؤول الذي يعترف بصعوبة المهمة سيكون عاجزا عن تقديم الإضافة، وبالتالي هناك مشكلة كفاءة بالأساس.”
وتابع مراد علاّلة: “من المفروض تقاسم الأدوار على المستوى الجهوي والمحلي، ومنذ البداية إما القبول بالدور أو الاعتذار عن تحمّل المسؤولية.”
وبرأي المتابعين، فإن المواطن التونسي الذي يلجأ إلى الإدارات العمومية، يواجه واقعا صعبا من البيروقراطية المعقدة، وانعدام الفعالية، وانتشار المحسوبية، وغياب أي روح للخدمة العامة لدى كثير من الموظفين والمسؤولين. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك كفاءات مظلومة داخل الجهاز الإداري، مكبلة بروتين قاتل، ومحاطة بثقافة إدارية تمنع المبادرة وتعاقب الجدارة بدل مكافأتها.
ويضيفون أن تبنّي توجهات السلطة وأفكارها لا يعني بالضرورة تجاهل ما جاء من أجله المحافظون، ولا يعني أيضا الاقتصار على تكرار الشعارات دون العمل على الارتقاء بالخدمات اليومية وتحسينها.
لكن البعض يقرّ بأن مختلف المناصب في تونس تحوّلت إلى مجرد وسيلة للحصول على راتب ثابت وامتيازات اجتماعية، بدل أن تكون ميدانا للعطاء وخدمة المواطنين.
وأكد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “المشكلة ليس في غياب الكفاءة، بل لغياب الوعي بمشروع 25 يوليو وتوجه الشعب يريد، والمسؤولون هم أكفاء في المناصب الإدارية فقط، وغير متشبعين بالفكر السياسي.”
وأضاف لـ”العرب”: “ليست هناك مبادرات شخصية أو من يأخذ بزمام الأمور من التكنوقراط الموجودين في المناصب الجهوية، وربما من الخوف على مناصبهم.”
ودعا الرابحي إلى “ضرورة القيام بثورة تشريعية، حيث لا يمكن التخفي وراء القانون أو اللجان لأن مصالح المواطنين تعطّلت.”
وسبق أن أعلنت وزارة التجهيز والإسكان، إجراء حركة جزئية في سلك المديرين الجهويين تم بمقتضاها تكليف المدير الجهوي بتطاوين (جنوب) رضوان حسين بمهام تسيير الإدارة الجهوية للتجهيز بسيدي بوزيد (وسط).
من جهة أخرى تم تكليف كاهية مدير الجسور والطرقات بقفصة (غرب) علي عمار بتسيير الإدارة الجهوية للتجهيز بتطاوين.
وبداية العام الجاري، أعلنت وزارة الداخلية عن إدخال تغييرات جديدة في سلك المعتمدين شملت تعيين 6 معتمدين جدد، ونقل 5 معتمدين إلى مواقع عمل جديدة بنفس الخطط، إلى جانب إنهاء تكليف 3 معتمدين آخرين.
وجاءت تلك التعيينات والنقلات بموجب قرارات نُشرت في العدد السادس من الرائد الرسمي للجمهورية التونسية لسنة 2025.
وأجرى الرئيس التونسي العام الماضي، حركة في سلك الولاة (المحافظين) بين التعيينات الجديدة وسدّ الشغورات في 9 ولايات، تونس وأريانة وباجة والكاف والقيروان والمنستير والمهدية وصفاقس وقابس.
وبحسب المادة 106 من دستور الخامس والعشرين من يوليو 2022 “يسند رئيس الجمهورية باقتراح من رئيس الحكومة الوظائف العليا المدنية والعسكرية” بما فيها تعيين وإعفاء الولاة.