هل تُترك الخوارزميات لتقرر مصير العالم
لندن – لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية، بل تحول إلى سلاح جيوسياسي بامتياز. القوى الكبرى لم تعد تتنافس فقط على الأرض أو في الفضاء، بل باتت تتصارع على من يملك الخوارزمية الأقوى، ومن يحدد معايير الذكاء الاصطناعي عالميًا. فهل نحن أمام استعمار رقمي جديد؟ وهل تستطيع الدول النامية أن تواكب هذا السباق المحموم؟
الولايات المتحدة والصين تتصدران المشهد العالمي في تطوير الذكاء الاصطناعي، ليس فقط في التطبيقات المدنية، بل في توظيفه ضمن إستراتيجيات الهيمنة. فالشركات العملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وأوبن إيه أي من جهة، وبيدو وعلي بابا وهواوي من جهة أخرى، لا تعمل بمعزل عن السياسات الرسمية، بل تشكل امتدادًا ناعمًا لها.
التحكم في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، من المعالجات إلى مراكز البيانات، يمنح هذه الدول قدرة غير مسبوقة على التأثير في الاقتصادات والإعلام، وحتى السياسات الداخلية للدول الأخرى. فكلما زادت قدرة الدولة على جمع البيانات وتحليلها، زادت قدرتها على التنبؤ والتأثير، وربما التحكم في سلوك المجتمعات.
في الحروب الحديثة وفي ساحات القتال لم تعد الطائرات المسيّرة مجرد أدوات مراقبة، بل أصبحت منصات هجومية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف وتنفيذ الضربات. تقنيات “القتل الذاتي” التي تعتمد على التعلم الآلي أصبحت واقعًا، حيث يمكن للطائرة أو الروبوت أن يقررا متى وأين يضربان، دون تدخل بشري مباشر.
الولايات المتحدة وإسرائيل والصين طورت نماذج متقدمة من هذه الأنظمة، بعضها قادر على العمل في بيئات معقدة، والتفاعل مع المتغيرات الميدانية لحظة بلحظة. هذا التحول يثير مخاوف أخلاقية وقانونية، خاصة في ظل غياب إطار دولي واضح ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب.
في المقابل، تُستخدم الخوارزميات أيضًا في الحرب السيبرانية، حيث تُوظف في اختراق الأنظمة وتعطيل البنى التحتية والتلاعب بالمعلومات. لم تعد الحرب تُخاض فقط بالرصاص، بل بالبيانات، والذكاء الاصطناعي هو القائد الجديد لهذه الجبهة.
في هذا السياق تواجه الدول النامية تحديًا وجوديًا: هل تستطيع أن تكون جزءًا من هذا السباق؟ أم أنها ستُستعمر رقميًا كما استعمرت اقتصاديًا في السابق؟
الكثير من الدول العربية والأفريقية تعتمد على منصات أجنبية في التعليم والصحة والأمن والإعلام، وهو ما يجعلها عرضة للتبعية التقنية. فغياب السيادة الرقمية يعني أن قرارات مصيرية تُتخذ خارج حدودها، بناءً على بيانات تُجمع من مواطنيها وتُحلل في مراكز بيانات بعيدة.
لكن هناك محاولات واعدة؛ المغرب والإمارات والسعودية بدأت تستثمر في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وتُطلق مبادرات لتدريب الكفاءات المحلية. إلا أن الطريق طويل، ويتطلب رؤية إستراتيجية تتجاوز الاستهلاك إلى الإنتاج، وتضع الذكاء الاصطناعي في قلب السياسات الوطنية.
في ظل هذا الواقع يبرز سؤال ملحّ: من يضع قواعد اللعبة؟ هل تُترك الخوارزميات لتقرر مصير العالم؟ أم أن هناك حاجة إلى ميثاق دولي ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي، ويضمن العدالة والشفافية وحقوق الإنسان؟
الهيمنة بالخوارزميات قد تكون أكثر خطورة من الهيمنة بالسلاح، لأنها غير مرئية، وغير مفهومة لدى الكثيرين، وتعمل في الخفاء. وإذا لم تُضبط، فإن الذكاء الاصطناعي قد يتحول من أداة تقدم إلى أداة قمع واستعمار جديد.