نقابة محامي بيروت تتراجع عن الإذن المسبق للظهور الإعلامي
بيروت- أقر مجلس نقابة المحامين في بيروت تعديلًا على نظام آداب مهنة المحاماة يلغي بشكل أساسي الإذن المسبق الذي كان مطلوبًا من المحامين قبل الظهور في مقابلات أو ندوات قانونية.
في هذا السياق، أشاد وزير الإعلام بول مرقص بهذا التعديل في بيان رسمي، واصفًا إياه بـ"خطوة إيجابية تعزز حرية التعبير وتقلل من الرقابة على الصحفيين والمحامين"، مشددًا على أهميته في بناء دولة القانون، خاصة مع خلفيته كمحامٍ سابق وأستاذ في الجامعات اللبنانية، حيث يرى فيه دعمًا للإعلام الحر دون رقابة مسبقة، كما أكد في مقابلات سابقة مع قنوات مثل "الحدث" في مارس 2025.
ورأى أنّ "هذا القرار يشكّل تحولا نوعيا في مسار العلاقة بين مهنة المحاماة والإعلام ويعكس ثقة النقابة بأعضائها وبقدرتهم على التعبير المسؤول والمتوازن، كما يؤكد حق التعبير الذي تقره المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويكرس دور المحامي في نقل المعرفة القانونية إلى الرأي العام وتعزيز الوعي القانوني في المجتمع على ما كنا أعددناه من دراسة قانونية مستفيضة مقدّمة الى مجلس النقابة في وقت سابق".
وأكد وزير الإعلام أنّ هذا القرار يأتي منسجمًا مع حق التعبير المنصوص عليه في الدستور اللبناني، ويُعدّ خطوةً في اتجاه تحديث الأنظمة المهنية على ما أصبحت عليه في الدول الأوروبية المتقدمة، وتكريس الشراكة بين المؤسستين الإعلامية والقانونية في خدمة الحقيقة والعدالة.
وشدد على أنّ القرار يعزّز حضور المحامي الفاعل في الحياة العامة، مبديا ثقته بأن المحامين سيحسنون الإفادة منه، من خلال التعبير بمسؤولية ومناقبية.
وجاء التعديل بناءً على تقرير لجنة خاصة، والتي كانت قد طُلب إقرارها سابقًا من قبل حركات حقوقية، ويُعتبر خطوة تراجعًا عن قرار سابق أصدره المجلس في 3 مارس 2023، والذي فرض الإذن المسبق كوسيلة لضبط ما وُصف بـ"الفوضى الإعلامية" الناتجة عن تصريحات محامين في قضايا حساسة قيد النظر أمام المحاكم، مثل ملفات التفجير في المرفأ أو المخالفات المالية، حيث كان يُخشى أن تؤثر هذه التصريحات على استقلالية القضاء أو تشكل ضغطًا عليه.
يعود الأمر إلى أبريل 2023، عندما أثار القرار الأولي جدلاً واسعًا في الأوساط القانونية والحقوقية اللبنانية، إذ اعتبره العديد من المحامين والمنظمات تقييدًا غير مبرر لحرية التعبير المكفولة دستوريًا في المادة 13 من الدستور اللبناني، وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث يُلزم المحامي بالحصول على موافقة النقيب قبل أي ظهور إعلامي أو مشاركة في برامج تلفزيونية أو منصات اجتماعية، مما يفتح الباب أمام الاستنسابية أو الولاءات الشخصية، ويحول النقابة من جهاز تنظيمي إلى وصي رقابي يحد من دور المحامين كمدافعين عن العدالة والحقوق.
في ذلك الوقت، تقدم 12 محاميًا بطعون قضائية أمام محكمة الاستئناف في بيروت، وأقيمت جلسات علنية في أبريل 2023، مع تحديد موعد للحكم في مايو من العام نفسه، كما أعربت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان عن استغرابها من هذا الإجراء، معتبرة إياه مخالفًا للقانون الدولي، ودعت النقابة إلى الرجوع عنه فورًا للحفاظ على استقلالية المهنة، بينما أكدت النقابة أن الهدف كان حماية القضاء من التدخلات الإعلامية غير المدروسة، خاصة في سياق التوترات السياسية والقضائية اللبنانية المعقدة.
مع مرور الوقت، تصاعد الضغط الحقوقي، حيث أصدر ائتلاف استقلال القضاء وتحالف حرية التعبير بيانات متتالية في أبريل ومايو 2023، وأيضًا في مايو 2025، مطالبين بإقرار اللجنة المذكورة وإلغاء التعميمات المقيدة، مشددين على أن حرية المحامين في النقاش العام حول القانون والعدالة جزء أساسي من الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا يمكن تقييدها بذريعة آداب المهنة دون استشارة واسعة لأعضاء النقابة أنفسهم، فالإجراءات تمت في كواليس النقابة دون دعوة للمناقشة العامة أو إبداء الملاحظات، مما أثار اتهامات بالانغلاق والانحياز السياسي، خاصة مع انخراط قوى سياسية في الجدل، حيث رأى بعض المعارضين أن القرار يخدم مصالح فصائل معينة في ظل التحولات السياسية بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام في يناير وفبراير 2025.
كما جاءت مراسلة دولية من المقررتين الخاصتين في الأمم المتحدة، مارغريت ساترثوايت وإيرين خان، في يونيو 2025، تطالب الحكومة اللبنانية باتخاذ إجراءات لحماية استقلال المحامين وإلغاء مثل هذه التعاميم، معتبرة إياها تعديًا خطيرًا على الحريات، وذلك بناءً على بلاغ من مركز سيدار للدراسات القانونية حول حملات الترهيب ضد محامين مثل محمد صبلوح وخالد الصباغ الذين دافعوا عن حقوق الإنسان.
أما التعديل الجديد في أكتوبر 2025، فهو يُسجل إيجابًا تراجعًا محمودًا عن الإذن المسبق في معظم الحالات، مثل المقابلات والندوات القانونية العامة، مما يعزز حق المجتمع في المعرفة ويقلل من الرقابة، لكنه يحافظ عليه جزئيًا في "القضايا الكبرى التي تهم المجتمع" دون تعريف واضح، وهو ما يثير مخاوف من "التطبيق الاعتباطي"، وفق محامين.
وأعلن الائتلاف والتحالف تمسكهما بحرية المحامين الكاملة كجزء من معركة العدالة، مع تأييدهما لأي مسعى تصحيحي آخر في النقابات، بما في ذلك نقابة طرابلس التي أصدرت تعميمًا مشابهًا في مايو 2025.