من لحج إلى صنعاء… الفل لا يغيب عن الأفراح
في محافظة لحج اليمنية تُعدّ زهرة الفل عنصرا أساسيا في حفلات الزفاف والمناسبات السعيدة، حيث تُستخدم في صناعة العقود التي يتزين بها العرسان، وتُضفي عبيرا فواحا يرمز إلى الفرح والمحبة، فالفل ليس مجرد زينة، بل تقليد ثقافي عريق يرافق لحظات البهجة ويجسّد روح الاحتفال.
لحج (اليمن) ـ في الحقول الخضراء الوارفة بمحافظة لحج جنوب اليمن، ينهمك المزارعون يوميا في قطف زهرة الفل، تلك الزهرة البيضاء الصغيرة التي تحمل في طياتها عبقا فواحا، وتشكّل مصدر رزق أساسيا للعديد من العائلات، فضلا عن كونها عنصرا جماليا وثقافيا حاضرا في حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية المختلفة.
وتُعد محافظة لحج، بحسب السكان المحليين، المركز الأهم لإنتاج الفل في اليمن، حيث تنتشر زراعته على نطاق واسع في القرى والمزارع، وتُعدّ هذه الزهرة من المحاصيل التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالهوية المحلية، وتُستخدم في صناعة العقود والزينة، وتباع في الأسواق المحلية وتُوزّع على مختلف المحافظات.
ويقول صالح حنش، أحد سكان لحج والمهتمين بزراعة الفل، “تُعتبر محافظة لحج أكبر محافظة يمنية تقوم بزراعة وإنتاج هذه الزهرة. هناك بعض المحافظات الأخرى التي تزرع الفل مثل منطقة المغرس في الحديدة وأبين، ولكن بشكل محدود. أما 90 في المئة من الفل الذي يُوزّع على مختلف المحافظات اليمينية، فمصدره لحج”.
ويضيف أن إنتاج الفل يرتبط بشكل كبير بفصل الصيف، حيث تزداد وفرة الزهرة ويُصبح قطفها نشاطا يوميا للمزارعين، ما ينعكس إيجابا على دخل الأسر التي تعتمد على هذه الزراعة كمصدر رزق أساسي.
محافظة لحج، بحسب السكان المحليين، تُعد المركز الأهم لإنتاج الفل في اليمن
ورغم الأهمية الاقتصادية لهذه الزهرة، لا توجد بيانات رسمية دقيقة حول حجم الإنتاج السنوي، وذلك بسبب حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد منذ سنوات، ما يجعل من التوثيق الزراعي أمرا صعبا.
وبعد قطف الفل، يُنقل إلى الأسواق المحلية حيث يباع للأفراد أو للتجار الذين يتولّون توزيعه في مختلف أنحاء اليمن. وتُستخدم الزهرة في صناعة العقود التي تُرتدى في المناسبات، لاسيما حفلات الزفاف والتخرج، وتُعدّ هذه العقود من عناصر الزينة التقليدية التي لا تغيب عن الاحتفالات اليمنية.
وتختلف أسعار عقود الفل بحسب الموسم والتصميم، إذ تتراوح العقود البسيطة بين ألف وخمسة آلاف ريال يمني (ما يعادل 5 إلى 10 دولارات)، بينما تصل أسعار العقود الفاخرة التي تُستخدم في حفلات الزفاف إلى ما بين 20 و40 دولارا. وتنخفض الأسعار عموما في فصل الصيف، حين يكون المعروض وفيرا.
ولا يقتصر حضور الفل على الجانب التجاري، بل يمتد إلى البعد الثقافي والرمزي، إذ يرى فيه اليمنيون رمزا للفرح والنقاء والمحبة. ويقول مجد السلامي، أحد تجار الفل، “الفل يمثل ثروة كبيرة داخل لحج، وخصوصا في أيام المواسم، حيث يُستخدم كوسيلة دخل للمواطنين والمزارعين والتجار. نحن نشتري الفل من لحج ونصدره إلى عدن، ويُستخدم في حفلات التخرج والزفاف والمناسبات المختلفة”.
يتزين العروسان في حفلات الزواج في لحج بعقود الفل البيضاء التي تضفي على المناسبة طابعا تقليديا مميزا
ويؤكد السلامي أن الفل ليس مجرد منتج زراعي، بل هو جزء من التراث اليمني، حيث ارتبط منذ القدم بالمناسبات السعيدة، ويُعدّ عنصرا أساسيا في طقوس الفرح.
وفي حفلات الزفاف يشكّل الفل عنصرا جماليا وروحيا لا غنى عنه. ففي أحد الأعراس التي أُقيمت مؤخرا في لحج، تزيّن العروسان بعقود الفل البيضاء التي أضفت على المناسبة طابعا تقليديا مميزا.
وقال خالد الرفاعي، والد العريس، “يمثل الفل رمزا للفرح والسرور، وهو رمز للمحبة والتآخي والصفاء، لما يحمله من روائح جميلة وعقود يتوشح بها العريس والعروس”.
وفي صنعاء، وعلى الرغم من بعد المسافة عن لحج، لا يغيب الفل عن حفلات الزفاف، إذ قال العريس أمين المسوري “الفل عنصر أساسي في الاحتفالات، نستخدمه في الأفراح والمناسبات، ولا تكتمل الفرحة إلا به، فهو دائما معنا في اللحظات السعيدة”.
ورغم هذا الحضور البهيّ للفل في الحياة اليمنية، يواجه المزارعون تحديات كبيرة، أبرزها غياب الدعم الرسمي، وافتقارهم إلى أدوات حديثة لتحسين الإنتاج، فضلا عن تقلبات السوق وغياب التنظيم التجاري. ومع ذلك، يواصل أبناء لحج زراعة الفل بعزيمة، محافظين على هذا الإرث النباتي الذي يجمع بين الجمال والرزق.
ويأمل المزارعون والتجار أن تحظى زراعة الفل بالمزيد من الاهتمام في المستقبل، سواء من الجهات الرسمية أو من المبادرات المجتمعية، لما لها من أثر اقتصادي وثقافي، ولما تمثّله من هوية محلية تستحق الحماية والتطوير.