منصب آمر الشرطة القضائية يكشف عمق الخلاف بين المنفي والدبيبة
طفا الخلاف بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميدالدبيبة على السطح عندما تعمد كلّ منهما تسمية آمر جديد للشرطة القضائية دون تنسيق مسبق.
وأعلن المجلس الرئاسي أنه تم التوصل إلى توافق على تعيين اللواء عطية الفاخري آمرا للشرطة القضائية، وقال «نتوقع التزام الحكومة بتنفيذ الاتفاق،» مشيرا إلى أنه سيتم تعيين أمراء كتائب أمن بقية المطارات من قبل رئيس الأركان بالتشاور بين المنفي والدبيبة، وفقا للآلية المتفق عليها في الاتفاق الذي لم يتم الإفصاح عن بنوده رسميًّا.
وبعد ساعات قليلة، أصدر الدبيبة قرارا بتسمية اللواء عبدالفتاح دبوب رئيسًا لجهاز الشرطة القضائية، وهو ما يعني الإطاحة بالمسار التوافقي مع المجلس الرئاسي، وإصرار الدبيبة على الانفراد بالقرارات السيادية وتهميش دور محمد المنفي بشكل ينم عن عمق الخلاف بين الطرفين.
وتحدثت مصادر مطلعة عن حالة استياء وخيبة داخل المجلس الرئاسي بسبب موقف الحكومة المنتهية ولايتها المتجاوز لروح الاتفاق بين الطرفين، وهو ما يشير إلى تعمد الدبيبة تحجيم دور المنفي ووضعه في موقف العاجز عن أيّ ردة فعل، والإطاحة بكلمته أمام فريقه.
وتشير المصادر إلى أن الدبيبة يمر بحالة تشنج غير مسبوقة في علاقة بشركائه في السلطة، لاسيما بعد إجباره من قبل الجانب التركي على الموافقة على الاتفاق الأمني من دون أن يحقق هدفه الأساسي وهو حل جهاز قوة الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والقضاء على جهاز دعم الاستقرار وتفكيك الجماعات المسلحة التي يعتبرها خطرا على مشروعه للانفراد بالحكم في طرابلس.
وفي السياق ذاته، كشف المحلل السياسي المقرب من الدبيبة، مروان الدرقاش أن رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها لم يوافق على جميع بنود ما يسمّى اتفاق نزع التوتر.
وقال إن “الخلاف الذي يحدث الآن بين الدبيبة والمنفي حول قيادة الشرطة القضائية، يدل بشكل واضح أن رئيس الحكومة لم يوافق على جميع بنود ما يسمّى اتفاق نزع التوتر، وأن هناك تفاصيل لم يتم التوافق عليه فتم تأجيلها”.
وأردف “لا أظن أن السيطرة على الشرطة القضائية يهم الردع بشكل أساسي وإنما طرف آخر يستعملها في فرض سيطرته وسلطانه وتمرير أجندته المشبوهة وهو لا يريد للشرطة القضائية أن تكون تحت سيطرة الحكومة.”
وبحسب المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة المنتهية ولايتها، فإن الاتفاق يهدف إلى تهدئة التوترات الأخيرة في العاصمة طرابلس وتجنب اندلاع مواجهة مسلحة، وقد تضمن التزام جهاز الردع بالانسحاب من مطار معيتيقة الدولي وتسليم مراكز الاحتجاز الرئيسية إلى سلطة الدولة تحت إشراف وزارة العدل والهيئات القضائية.
ووصف المكتب الخطوة بأنها محطة حاسمة في مسار استعادة السيادة الكاملة على البنية التحتية الحيوية، وإنهاء نفوذ الجماعات المسلحة على المؤسسات السيادية، مؤكدا أن الاتفاق يعد بداية عملية لتفكيك “الهياكل الأمنية الموازية غير القانونية،” وتعزيز سلطة الدولة وحماية المدنيين من تبعات أي صراع جديد.
وشدد على التزام حكومة الوحدة الوطنية الراسخ بحل النزاعات بالطرق السلمية، ومواصلة الضغط على الجهات التي وصفها بغير الشرعية حفاظا على سيادة ليبيا واستقرارها.
واعتبرت الحكومة من خلال بيان مكتبها الإعلامي، أن التفاهمات الأخيرة برهنت على قدرة الحكومة على استخدام أدوات الضغط السياسية والأمنية والعسكرية بشكل متوازن، من أجل فرض سلطة الدولة دون الانزلاق إلى حرب جديدة داخل العاصمة، معتبرا ذلك أولوية كان رئيس الوزراء يؤكد عليها في خطاباته ومواقفه، وقد ترجمت عمليا عبر هذا الاتفاق.
من جانبه، تحدث المستشار السياسي لرئيس المجلس الرئاسي الليبي زياد دغيم عن بدء تسليم جهاز الردع مطار معيتيقة الدولي في طرابلس لقوة حماية المطار التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، مؤكدا أن “التنفيذ بدأ فعلياً وفق مبادرة تركية لمنهجية خطوة بخطوة تمثل الضمانة الأمنية للتنفيذ“.
وقال دغيم في تصريحات صحفية أن “الاتفاق بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية يشمل جميع الأطراف المسلحة في طرابلس،” مشددا على أن “الرئيسين، رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، حرصا على وضع مبادئ عامة تعزز الاستقرار وتؤسس لنموذج دولة عصرية تحترم حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية“.
الاتفاق الأمني، ورغم أهميته في هذا الوقت بالذات، إلا أنه من الصعب التعويل عليه لاسيما في ظل استمرار النزاع السياسي وسلطة الميليشيات بالمنطقة الغربية
وتساءلت أوساط محلية عن سبب عدم الإعلان من قبل الحكومة وجهاز قوة الردع مباشرة عن الاتفاق، وعما إذا كان المجلس الرئاسي قادرا على ضمان التزام الدبيبة بالاتفاق، أم أن الوضع سيبقى في حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للخروج من حالة الشك نتيجة التوقف عند أحداث الغدر التي سبق أن شهدتها العاصمة وأهمها اغتيال رئيس جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي داخل معسكر التكبالي في 12 مايو الماضي بعد دعوته إلى جلسة مشاورات مع ممثلين عن الدبيبة.
وأعرب وزير الداخلية الأسبق عاشور شوايل عن خشيته من أن يكون الاتفاق مجرد تفاهم شفوي قد لا يصمد أمام أول اختبار، كما حدث في اتفاقات سابقة، محذرًا من أن الاستمرار في هذا النهج يُعيد الأوضاع إلى مربعها الأول، ويبقي السيطرة بيد من يملك السلاح لا من يملك الشرعية، مستطردا أن “الخلل الجوهري في ليبيا يكمن في غياب الثقة بين الأطراف المختلفة، خاصة أن من يملك السلاح هو غالبًا من يتحكم في القرار،” داعيًا إلى “إعادة تشكيل المعادلة الأمنية عبر إخراج التشكيلات المسلحة من طرابلس وإعادتها إلى مناطقها الأصلية، تمهيدًا لحلول سياسية وأمنية أكثر شمولاً”.
وبحسب مراقبين، فإن الاتفاق الأمني، ورغم أهميته في هذا الوقت بالذات، إلا أنه من الصعب التعويل عليه لاسيما في ظل استمرار النزاع السياسي وسلطة الميليشيات بالمنطقة الغربية، وحالة التجاذب التي ما انفكت تشهدها العاصمة طرابلس نتيجة تغول عصابات الفساد الممنهج المتحركة تحت ظلال سلطات الأمر الواقع وعلى رأسها الحكومة المنتهية ولايتها التي تحولت إلى عقبة في وجه كل الجهود المبذولة من أجل الخروج بالبلاد من أزمتها المتفاقمة منذ العام 2011.
ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حسين المسلاتي أن الاتفاق الأمني الأخير في طرابلس يثير مخاوف كبيرة، واعتبره هزيلًا وغير مؤسس، ولا يعالج الأزمة الأمنية من جذورها، معتبرا أن أيّ حل للأزمات الأمنية يجب أن يقوم على تأسيس منظومة أمنية فاعلة تُدار ضمن إطار حكومي منظم، مؤكدًا أن الاتفاق الحالي يفتقد لهذه الأسس، إذ تتحدث بنوده عن وجود قوات محايدة ودعوات لوقف إطلاق النار، في حين تتبع أجهزة أمنية رئيس حكومة واحدة، ما يجعل الاتفاق غير متوازن وغير مؤثر بالشكل المطلوب.
ويشير متابعون للشأن الليبي إلى أن الخلاف بين رئيسي المجلس الرئاسي والحكومة المنتهية ولايتها سيتأكد من خلال بقية بنود الاتفاق الأمني، خصوصا وأن الدبيبة ما انفك يعمل منذ فترة على اختراق مكتب المنفي من الداخل والسيطرة على تحركاته بما يخدم مصلحته ويساعده على بسط نفوذه على مختلف أجهزة ومؤسسات السلطة في طرابلس.