معركة تحييد الخصوم تحتدم في السليمانية قبل انتخابات نوفمبر
كردستان (العراق)- شهدت مدينة السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق واحدة من أعنف المواجهات المسلحة منذ سنوات بعد أن اقتحمت قوات خاصة فندقا يقيم فيه لاهور شيخ جنكي الرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني وزعيم حزب جبهة الشعب الكردي، انتهت باعتقال جنكي وشقيقه.
وبرّرت السلطات التحرك بمذكرة قضائية صدرت بحقه بتهمة الإخلال بالأمن العام وفق المادة 56 من قانون العقوبات العراقي، غير أن مصادر في المدينة تقول إن الاعتقال يتجاوز الطابع القانوني ليشكل حلقة جديدة في مسلسل الصراع الداخلي على زعامة الاتحاد الوطني الكردستاني.
ومنذ عام 2021 دخل لاهور شيخ جنكي في مواجهة مفتوحة مع ابني عمه بافل وقباد طالباني انتهت بإقصائه من رئاسة الحزب واتهامه بالفساد.
توقيت العملية يوحي بأن الهدف تثبيت أمر واقع جديد في السليمانية: لا مكان لمراكز قوة موازية لقيادة بافل طالباني
لكن إبعاد لاهور من الحزب لم ينه نفوذه الشعبي ولا حضوره داخل السليمانية حيث ظل محتفظا بقاعدة مسلحة ومناصرين وهو ما يزعج خصومه ويعزز التكهنات التي تشير إلى معركة تصفية حسابات خاصة أن اعتقاله جاء بعد أيام من توقيف شخصيات قريبة منه.
وفي 12 أغسطس، أوقف السياسي المعارض شاسوار عبدالواحد زعيم حركة الجيل الجديد في منزله بالسليمانية ووُضع قيد الاحتجاز في قضية تشهير.
ويقول مراقبون إن توقيت العملية ودقة تنفيذها يعطيان انطباعا بأن الهدف لم يكن مجرد تنفيذ مذكرة قضائية بل تثبيت أمر واقع جديد في السليمانية: لا مكان لمراكز قوة موازية لقيادة بافل طالباني.
ويرجّح المحلل السياسي مهند عدنان “أن تستغل (حركة الجيل الجديد) ذلك لتعبئة الناخبين خصوصا أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال (عبدالواحد) من قبل سلطات كردستان”.
وتأتي سلسلة التوقيفات في وقت يستعدّ فيه العراق لإجراء انتخابات تشريعية في نوفمبر لاختيار برلمان جديد يكون للأحزاب الكردية تمثيل فيه.
ويرى مدير المعهد الأوروبي للدراسات حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عادل بكوان أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يسعى بهذه التوقيفات “إلى تحييد اثنين من أهمّ خصومه” اللذين يمكنهما الفوز بمقاعد في البرلمان الاتحادي “بالاستفادة من غضب” الناخبين.
ويقول إن جنكي “لم ينفصل تماما عن القاعدة النضالية” لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني حتى بعد إبعاده عنه، وهو “حافظ على علاقات مع الأوساط الاقتصادية والأمنية والعسكرية للحزب”.
إبعاد لاهور من الحزب لم ينه نفوذه الشعبي ولا حضوره داخل السليمانية حيث ظل محتفظا بقاعدة مسلحة ومناصرين وهو ما يزعج خصومه
ويشهد كردستان العراق منذ عقود تنافسا على السلطة بين حزبين أساسيين وعائلتيهما هما الحزب الديمقراطي الكردستاني وأسرة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني وأسرة طالباني.
ومن أربيل عاصمة الإقليم، شدّدت الرئاسة في بيان الجمعة على ضرورة “أن تُحل جميع الخلافات والمشاكل بالطرق القانونية وبعيدا عن العنف”.
ونقلت فرنس براس عن مسؤول أمني طلب عدم الكشف عن هويته نظرا إلى حساسية الملف أن جنكي “سلّم نفسه” فجر الجمعة فيما “جُرح شقيقه بولاد في ساقه وتم اعتقاله” بعد عدة ساعات من اشتباكات بأسلحة ثقيلة.
وكان الرجلان محصّنَين مع مقرّبين منهما في فندق يملكانه في حي راق في السليمانية، وفقا لمراسل وكالة فرانس برس الذي شاهد في الموقع دخانا أسود يتصاعد بعد حريق اندلع جراء الاشتباكات.
واندلعت قبيل الفجر اشتباكات بين قوات الأمن التي شنّت الهجوم، وعشرات المقاتلين المسلّحين الذين كانوا يحمون الرجلَين فيما سُمعت أصوات إطلاق النار في كل أنحاء المنطقة.
وأسفرت المواجهات عن ثلاثة قتلى في صفوف القوى الأمنية “أحدهم يتبع لقوات مكافحة الإرهاب والثاني لعمليات الأسايش والثالث لقوات الكوماندوز (…) فيما أُصيب 19 آخرون” من قوات الأمن، على ما قال لفرانس برس مسؤول أمني ثان طلب عدم الكشف عن هويته.
وأكّدت المديرية العامة لمكافحة الإرهاب في السليمانية في بيان مقتل أحد منتسبيها “أثناء مشاركته في تنفيذ قرار قضائي لاعتقال مجموعة من المطلوبين،” منوّهة إلى أن “المواجهات انتهت بعد نحو أربع ساعات”.
عملية القبض على لاهور تأتي في إطار معركة تصفية حسابات خاصة أن اعتقاله جاء بعد أيام من توقيف شخصيات قريبة منه
وفي حين يقدّم الإقليم الحليف للولايات المتحدة والدول الأوروبية نفسه على أنه واحة للاستقرار في العراق الذي بدأ يشهد أخيرا استقرارا نسبيا بعد أربعة عقود من النزاعات، يندد ناشطون ومعارضون بالفساد المستشري فيه وبالتوقيفات التعسفية وانتهاكات حرية التجمع والهجمات على حرية الصحافة.
وقال المتحدث باسم محكمة السليمانية القاضي صلاح حسن إن القضاء “أصدر الخميس أمر قبض” بحق جنكي وعدد من الأشخاص “بتهمة تشكيل مجموعة لزعزعة الأمن والاستقرار”.
وأشار إلى أنه “قد يُحكم عليه بالسجن مدة لا تقلّ عن سبعة أعوام في حال ثبتت التهمة”.
وأُبعد جنكي تدريجيا منذ 2021 عن مركز السلطة وعن المناصب الأمنية التي كان يشغلها جرّاء خلافات مع ابنَي عمّه. وأشار في ذلك العام بافل طالباني إلى أنه تعرّض لمحاولة تسميم، موجّها أصابع الاتهام إلى المقربين من جنكي في مجال الأمن.
وأسس جنكي المولود في العام 1975، الجهاز الكردي لمكافحة الإرهاب في السليمانية وأداره لأكثر من عشرة أعوام قبل أن يتولى رئاسة وكالة استخبارات تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، وفقا لموقعه الإلكتروني الخاص.
وتشارك لفترة وجيزة مع ابن عمّه بافل رئاسة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وفي العام 2024، أسّس حزبه الخاص الذي أطلق عليه اسم “جبهة الشعب” الذي يتمتع اليوم بمقعدَين من أصل 100 في برلمان إقليم كردستان.
ويثير اعتقال شيخ جنكي تساؤلات حول مستقبل التوازنات السياسية في كردستان العراق وما إذا كان إقصاؤه سيؤدي إلى استقرار فعلي في السليمانية أم سيفتح الباب أمام موجة جديدة من العنف.
وتعليقا على توقيف جنكي بعد عملية استخدمت فيها “طائرات مسيّرة ودبابات وأسلحة ثقيلة،” دعا حزب “جبهة الشعب” في بيان الجمعة “جميع ممثلي الدول التي لديها قنصليات وتمثيليات في إقليم كردستان والحكومة الفيدرالية وحكومة الإقليم إلى ألا يصمتوا أمام هذا الفعل غير المتحضر والإرهابي”.