مصممو الأزياء الجدد يعيدون تعريف الفخامة

الاتجاه الرائج اليوم هو لمصممين يكرّسون جهودهم لخدمة العلامة التجارية، ويضعون بصمتهم في المنتج لا في الصورة العامة.
الأربعاء 2025/10/01
ثقافة وتقنية وذكاء بصري

يتجه عالم الموضة نحو مصممين متكتمين يركزون على جودة المنتج بدلًا من النجومية، وتعيد دور الأزياء اكتشاف قيمتها عبر الحرفية والتقنية، بينما يواجه المصممون الجدد ضغوطًا لتحقيق نتائج مالية وإبداعية متماسكة.

باريس ـ في تحول لافت يشهده عالم الموضة، طوى تعيين جوناثان أندرسون لدى دار “ديور” وماتيو بلازي لدى “شانيل” صفحة المصممين النجوم الذين كانوا يتصدرون المشهد الإعلامي ويهيمنون على هوية العلامات التجارية. واليوم، بات التركيز ينصب على المنتج نفسه، وعلى الحرفية والتقنية، أكثر من طريقة تقديمه أو الشخصية التي تقف خلفه.

هذان المصممان الأربعينيان، رغم محدودية حضورهما في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ورغم تكتمهما بشأن حياتهما الخاصة، يمثلان نموذجًا جديدًا في صناعة الأزياء: مصممون يفضلون العمل خلف الكواليس، ويتركون للمنتج أن يتحدث عنهم.

ومثلهم، يبرز جيل جديد من المصممين الذين يتسمون بالانطواء مقارنة بأسلافهم، مثل غلين مارتينز الذي خلف جون غاليانو في دار “ميزون مارجيلا”، ومايكل رايدر الذي حل محل هادي سليمان في “سيلين”، وبيير باولو بيتشيولي الذي يخلف ديمنا المثير للجدل في “بالنسياغا”. هؤلاء لا يسعون إلى النجومية، بل إلى إعادة تعريف العلاقة بين المصمم والعلامة التجارية.

ويقول بيار غروبو، رئيس تحرير قسم الموضة وأسلوب الحياة في مجلة “فانيتي فير” الفرنسية، إن “الأمر أشبه إلى حد ما بموسم تكريم الطلاب المتفوقين”، في إشارة إلى هذا الجيل الجديد من المصممين الذين يتم اختيارهم بناءً على الكفاءة والاتساق الفني، لا على الكاريزما أو الحضور الإعلامي.

يبدو أن الموضة تعود إلى جوهرها: المنتج، الحرفة، والتقنية

ويضيف أدريان كومونييه، محرر الموضة في مجلة “جي كيو” الفرنسية: “نحن بعيدون كل البعد عن أمثال غاليانو وكارل لاغرفيلد، اللذين كانا يتّبعان أسلوبًا مميزًا وكانا بحق كيانين متفوقين على العلامات التجارية نفسها.” فقد شهد العصر الذهبي لمصممي الأزياء النجوم في التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهور مديرين فنيين حققوا شهرةً تضاهي شهرة الدور التي يمثلونها، بل تجاوزوها أحيانًا.

لكن الاتجاه الرائج اليوم هو لمصممين يكرّسون جهودهم لخدمة العلامة التجارية، ويضعون بصمتهم في المنتج لا في الصورة العامة. هذا التحول يأتي في سياق اقتصادي أقل ملاءمة، بعد سنوات من الطفرة التي أعقبت جائحة كوفيد، حيث يواجه القطاع تباطؤًا في الطلب، لا سيما في آسيا، إلى جانب حملة حمائية من الولايات المتحدة فرضت رسوما جمركية جديدة على المنتجات الفاخرة.

وتقول أليس فيار، مديرة مشتريات الملابس الرجالية في “غاليري لافاييت”، إن “العلامات التجارية تسعى إلى إعادة إيجاد القيمة. إنها بحاجة إلى إضفاء مشروعية لمكانتها من خلال إعادة اكتشاف القيمة المضافة الحقيقية”. وتضيف: “هذا بالضبط ما يطلبه العميل اليوم: تبسيطٌ للعروض وزيادةٌ في الأناقة. تتركز الرسالة المراد إيصالها حول تاريخ دور الأزياء وخبرتها التقنية والمنتج نفسه”.

في هذا السياق، يبدو تعيين جوناثان أندرسون وماتيو بلازي خيارًا إستراتيجيًا، يعكس توجهًا نحو العمق الفني والاتساق البصري، بدلًا من البهرجة الإعلامية. تقول الكاتبة المتخصصة في الموضة والرفاهية صوفي أبريا: “يتشارك كلاهما نهجًا قائمًا على ثقافة وتقنية وذكاء صناعة الملابس، مع رؤية فنية تركز على التأني في العمل وليس على المبالغة”.

ورغم أن أندرسون وبلازي غير معروفين نسبيًا لعامة الناس، إلا أن خلفيتهما المهنية غنية عن التعريف. فقد ترك أندرسون، وهو إيرلندي شمالي، بصمته لدى مجموعة ”ال في ام اتش”، وقاد العلامة الإسبانية “لويفي” لأكثر من أحد عشر عامًا، محولًا إياها إلى واحدة من أكبر نجاحات المجموعة، إلى جانب تطوير علامته الخاصة ” “جي دبليو اندرسون”.

Thumbnail

أما ماتيو بلازي، الفرنسي البلجيكي، فقد ساهم في إحياء علامة “بوتيغا فينيتا” الإيطالية ضمن مجموعة “كيرينغ”، حيث شغل منصب المدير الفني من 2021 إلى 2024، مضيفًا لمسة من الحركة والجرأة إلى الجلود المنسوجة التي تميز العلامة.

يؤكد سيرج كاريرا، الأستاذ المنتسب لمعهد العلوم السياسية بباريس والمتخصص في صناعة المنتجات الفاخرة، أن هؤلاء المصممين “لا يهدفون إلى إحداث ثورة، بقدر ما يرمون إلى تقديم رسالة متماسكة وأصيلة وقوية تتوافق مع كل من العلامة التجارية واتجاهات المستهلكين”.

وتقول أليس فيار: “الشهرة ستؤول إلى العلامة التجارية أكثر من المصممين. وهذا أمر جيد جدًا: نحن بحاجة إلى إعادة اكتشاف المزيد من الإبداع”. ومع ذلك، تشير صوفي أبريا إلى أن هؤلاء المصممين الذين يؤثرون الابتعاد عن الأضواء، يواجهون ضغوطًا متزايدة. وتوضح: “نتوقع منهم ليس فقط امتلاك رؤية إبداعية قوية، بل أيضًا تحقيق نتائج مالية ملموسة”.

في النهاية، يبدو أن الموضة تعود إلى جوهرها: المنتج، الحرفة، والتقنية. لم يعد المصمم نجمًا يتصدر العناوين، بل مهندسًا بصريًا يصنع الفرق من داخل الورشة، لا من أمام الكاميرا. وبينما تتغير قواعد اللعبة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيستمر هذا الاتجاه، أم أن الموضة ستعود يومًا إلى نجومها؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.

12