مسلسل "6 شهور".. دراما مصرية تناقش الكفاءة والبطالة
يبدو أن صناع الدراما والسينما بدأوا يدركون أهمية الاهتمام بقضايا الشباب ومنحهم مساحة أكبر للعب أدوار البطولة في الأعمال الفنية، بحيث يخاطبون شريحة جديدة من المشاهدين، لها قضاياها وأحلامها ونجومها أيضا الذين تتابعهم وتؤمن بمواهبهم. ومؤخرا برز عملان أحدهما سينمائي هو “سيكو سيكو” والثاني درامي هو “6 شهور”، والاثنان يتناولان مشكل البطالة في صفوف الشباب المصري.
القاهرة- قليلة المعالجات السينمائية والدرامية الجادة التي تلامس مشكلات الشباب المصري. ومؤخرا طرحت الدراما والسينما المصرية عملين مهمين ناقشا قضية البطالة بوصفها القضية الأخطر التي تؤرق ملايين الشباب وأسرهم الكادحة، وهما فيلم “سيكو سيكو” بطولة عصام عمر وطه دسوقي، ومسلسل “6 شهور” بطولة نور النبوي ونور إيهاب.
واتفق العملان على إسناد البطولة لأول مرة لعدد من الفنانين الشباب، ومناقشة كابوس البطالة الذي يؤرق الشباب، “سيكو سيكو” ناقوس خطر للتنبه إلى إحباطات الشباب قبل انحرافهم في أنشطة خطرة، مثل الاتجار في المخدرات، وطرح “6 شهور” اضطرار المتفوقين للعمل في أعمال لا تتناسب ومؤهلاتهم، والقبول بوظائف الخدمة الصوتية (كول سنتر) أو العمل مسوقي عقارات.
تجربة متكاملة

قدم مسلسل “6 شهور” وبثته منصة “واتش إت” المصرية مؤخرا، تجربة درامية شبابية متكاملة، فالمسلسل أول تجربة للمخرج الشاب مصطفى صولي في مجال الدراما، بعد تجربة متميزة في مجال الأفلام القصيرة حصد بعضها جوائز عالمية.
واختار صولي اثنين من شباب الفنانين لبطولة العمل، وهما: نور خالد النبوي وجسد دور مراد، والفنانة نور إيهاب في دور لطيفة، إضافة إلى عدد من الوجوه الفنية الشابة التي تخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى، وأسند دور كمال المسؤول عن شركة التسويق العقاري التي تدور فيها أحداث العمل للفنان مراد مكرم لدعم الأداء التمثيلي.
عالم التسويق العقاري هو محور العمل، وفي سبيل محاكاة عالم المسوقّين العقاريين بكل تفاصيله، قام المخرج بقضاء أيام كاملة داخل بعض شركات العقارات، والتقى خلالها مديرين وموظفين للتعرف على حياتهم اليومية وأسلوب عملهم، والمصطلحات المتداولة بينهم.
وخرج العمل من رحم الواقع، ما أضفى مصداقية عالية، وقدرا من المعايشة الصادقة يمكن اعتبارها حجر أساس ارتكز عليه العمل، وساعد على اقترابه كثيرا من قلوب المشاهدين، واستوحى أحمد هشام كاتب السيناريو فكرة وقصة المسلسل من عمله مندوبا للمبيعات طوال دراسته الجامعية، قبل امتهانه الفن، وقال في إحدى حواراته إنه كان يضطر لإجراء ما يقارب 300 مكالمة هاتفية يوميا، ما منحه مادة درامية ثرية وخصبة ومواقف عديدة أدرجها داخل العمل.
مستقبل واعد.. ولكن
يفتتح العمل الذي يقع في 10 حلقات أحداثه بإشادة أستاذ جامعي بموهبة طالب سابق لديه يُدعى مراد، جسده نور النبوي، في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ويشيد بمشروع تخرجه، متوقعا له مستقبلا واعدا بالنجاح والتألق وإحراز مكانة مرموقة في عالم رجال الأعمال والتجارة الإلكترونية، إلا أن مسار الأحداث جاء صادما، حيث يضطر مراد للعمل كموظف خدمة صوتية في شركة صغيرة لصناعة الغسالات، بعد فشله في تحويل مشروعه إلى واقع لضعف الإمكانيات المادية.
تتوالى الأحداث، وينتقل مراد إلى التدريب تحت الاختبار في شركة عقارات لمدة 6 شهور، ويدخل في منافسة شرسة للفوز بالوظيفة مع لطيفة ولعبت دورها نور إيهاب، ويخوض الشابان مغامرات عدة، تمتزج فيها المعاناة الشديدة بالكوميديا.
من أجل إثبات ذاتهما، لزاما على كل من مراد ولطيفة تحقيق المستهدف أو “التارغت” وبيع وحدات سكنية بعشرات الملايين من الجنيهات للحصول على راتب أو للتثبيت قبل مرور الأشهر الستة الأولى، وهي فترة التدريب التي اشترطتها الشركة.
تضع الشروط الشابين تحت ضغط نفسي كبير طوال الوقت، وتزايدت مع حالة التنافس المستمر بينهما وبين زملاء آخرين في العمل، والذي تبرز قصته معاناة الشاب مراد الخانقة لوقوعه في براثن الديون بالتزامن مع غلاء ينهش شريحة من المجتمع.
حاول صناع دراما “6 شهور” نقل معاناة الشباب وحالة التيه التي تنتابهم خلال رحلة بحثهم المضنية عن عمل قد لا تسفر عن شيء، ومستقبل مظلم وأزمة عمل بلا حل، واختتم العمل أحداثه حول اتفاق الشابين المتنافسين (مراد ولطيفة) على تكوين شركة صغيرة لربط المُنشآت الطبية ببعضها لخدمة المرضى، وعرضا الفكرة على عدد من رجال الأعمال للاستثمار فيها ليأتي رد المستثمرين بالرفض خوفا من المجازفة.
حكايات قديمة
بالعودة إلى الأعمال السينمائية المصرية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، نجد محاولات جادة لخلق سينما شبابية متكاملة الأركان، إذ قدم صناع السينما عددا من الفنانين المتميزين الشباب، تألقوا وصاروا نجوما للسينما لمدة لا تقل عن ثلاثة عقود، أبرزهم أحمد رمزي وحسن يوسف وعمر الشريف، وقدم الثلاثي والمطرب عبدالحليم والفنانة فاتن حمامة فيلم “أيامنا الحلوة”، من إخراج حلمي حليم عام 1955، وتدور أحداثه في أجواء شبابية خالصة حول سعي ثلاثة شباب يتشاركون شقة متواضعة على سطح إحدى البنايات لإثبات ذواتهم وشق طريقهم إلى الحياة العملية، ويسعون لتدبير الأموال لإنقاذ حياة فتاة فقيرة تسكن بجوارهم وتحتاج إلى علاج مكلف لمرض السل الذي ينهش جسدها.
وقدم حسن يوسف بالاشتراك مع الفنانة سعاد حسني فيلم “الزواج على الطريقة الحديثة” وأنتج عام 1968، وكتبه وأخرجه صلاح كريم، وناقش العمل أزمة تدبير السكن للشباب المقبلين على الزواج، إلى أن يضطر الخطيبان، نهى وأحمد، للإقامة مع أسرتيهما عند زواجهما لمدة أسبوع لكل أسرة بالتبادل.
ويقود الحديث عن الأعمال الدرامية والسينمائية الجادة التي تلامس بعمق مشكلات وأوجاع الشباب إلى عشرات الأعمال السينمائية الأميركية، التي ارتكزت على وجوه فنية شابة، وطرحت بعمق إحباطات الشباب الأميركي.
يأتي المخرج إيليا كازان بوصفه أحد أهم مكتشفي المواهب الفنية، حيث أنشأ ما عرف بـ”أستوديو الممثل ” في نيويورك عام 1947، وهو كيان درامي كان حاضنة لاكتشاف العشرات من شباب الفنانين المغمورين ومنحهم فرصا مناسبة لبطولة أعمال هوليوودية، من هؤلاء الشباب الفنانين جيمس دين ومارلون براندو وآل باتشينو وروبرت دي نيرو، وأثبتوا جداراتهم الفنية مع أول فرصة وأصبحوا نجوما لامعين.
وقدم جيمس دين، وهو النجم الذي قضى في حادث سير ولم يتجاوز عمره 24 عاما عام 1955، فيلمه الكاشف “متمرد بلا سبب” Rebel Without a Cause وحصد عنه جائزة الأوسكار، ويتناول أزمة بطالة الشباب الخانقة في لوس أنجلس، ما يدفعهم للغرق في إدمان الكحوليات والمخدرات للغياب عن الواقع المرير.
وفي عام 1954، قدم الفنان الشاب في ذلك الوقت مارلون براندو فيلمه “على الواجهة البحرية” On the Waterfront وحاز على عدة جوائز عالمية، وحصل براندو على أوسكار أحسن ممثل في هذ العمل، وجسد دور شاب صغير يكافح للحصول على عمل مناسب، وسط أزمة بطالة تضرب المجتمع، ويضطر للقبول بوظيفة عامل في أحد الموانئ، فيصطدم بفساد الشرطة ونقابات العمال.