مزادات الصقور في الرياض.. تنافس دولي وأسعار فلكية

المعرض شهد مشاركة واسعة من مربّي الصقور والمشترين ما يعكس المكانة المتنامية لهذا الحدث على المستويين المحلي والدولي.
الجمعة 2025/10/24
الصقارة تتحول إلى صناعة

شهد معرض الصقور والصيد السعودي الدولي في الرياض مشاركة واسعة من مربّي الصقور، حيث أطلق نادي الصقور إستراتيجية لحوكمة الموروث وتنظيم المزادات الدولية، مع برامج بيئية لإحياء المواكر، وسط عروض تنافسية لشراء الطيور النادرة بأسعار مرتفعة.

الرياض - في مشهد يجمع بين الأصالة والتجديد، احتضنت العاصمة السعودية الرياض فعاليات معرض الصقور والصيد السعودي الدولي، أحد أبرز الأحداث السنوية المخصصة لرياضة الصيد بالصقور، والتي تُعد من أعرق التقاليد المتجذرة في الثقافة العربية والخليجية. وقد شهد المعرض مشاركة واسعة من مربّي الصقور والمشترين والمهتمين من داخل المملكة وخارجها، ما يعكس المكانة المتنامية لهذا الحدث على المستويين المحلي والدولي.

وأعلن معرض نادي الصقور السعودي عن إطلاق استراتيجية شاملة تهدف إلى الحفاظ على إرث الصقارة وتنظيمه، بما يضمن استدامته وتطوره. وأوضح الرئيس التنفيذي للنادي طلال الشميسي في تصريح له أن الإستراتيجية الجديدة تُعنى بحوكمة كافة جوانب هذا الموروث، من تنظيم الفعاليات والسباقات، إلى دعم الجوانب الصحية للصقور، مرورا بتطوير المنظومة البيئية والثقافية المرتبطة بها.

وقال الشميسي “لدينا اليوم في النادي إستراتيجية متكاملة تهدف إلى استدامة الموروث، وحوكمة جميع ما يتعلق به، ودعم منظومة الصقارة بشكل عام، سواء من خلال الفعاليات المباشرة كالمعارض والسباقات، أو من خلال المبادرات غير المباشرة التي تخدم هذا القطاع الحيوي”.

ومن أبرز ملامح هذا التوجه الجديد، منصة المزادات الدولية التي أطلقها النادي، والتي باتت تجذب مزارع عالمية متخصصة في تربية الصقور، من بريطانيا وفرنسا ودول أخرى، للتنافس على تقديم أفضل الطيور من حيث الجودة والسعر. وأشار الشميسي إلى أن هذه المنصة ساهمت في تنظيم السوق المحلي، والحد من الفوضى التي كانت تشوب بعض المزادات، كما أتاحت للمربين السعوديين فرصة الاحتكاك بالممارسات العالمية وتطوير إنتاجهم.

الموروث السعودي يحلق عاليا في معرض الصقور الذي تجاوزت فيه الأسعار حدود التوقع في منافسات الجمال والندرة
◙ الموروث السعودي يحلق عاليا في معرض الصقور الذي تجاوزت فيه الأسعار حدود التوقع في منافسات الجمال والندرة

وأضاف “في السابق، كان بعض المربين يحتكرون أنواعا نادرة من الصقور، أما اليوم، فلدينا منافسة مفتوحة بين عدة جهات دولية، ما ساهم في رفع مستوى الجودة، وتنظيم عمليات البيع والشراء، وحتى تحسين سلالات الصقور المعروضة”.

ولم تقتصر جهود النادي على الجانب التجاري فحسب، بل امتدت أيضا إلى البعد البيئي، حيث أطلق النادي برنامجًا لإحياء “المواكر”، وهي مواقع تعشيش الصقور في الطبيعة، بعد أن انقرض العديد منها خلال السنوات الماضية. وبدعم من القيادة السعودية، بدأ النادي بتنفيذ برنامج “هدد”، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل هذه المواقع، وضمان استمرارية البيئة الطبيعية للصقور، بما ينسجم مع أهداف الاستدامة البيئية.

وفي هذا السياق، قال الشميسي “لدينا أكثر من 700 ماكر في المملكة، كثير منها اندثر للأسف، لكننا بدأنا بإحيائها من جديد، ضمن خطة بيئية متكاملة، توازي جهودنا في تنظيم السباقات والمزادات، وإحياء الموروث لدى الجمهور”.

ويُعد معرض الصقور والصيد السعودي الدولي منصة متكاملة تجمع بين العرض والتثقيف والتجارة، حيث يشهد سنويا تنظيم أكثر من 120 يوما من الفعاليات المتنوعة، تشمل سباقات الصقور، ورش العمل، المزادات، والأنشطة التفاعلية التي تستهدف مختلف الفئات العمرية، وتُسهم في تعزيز الوعي بهذا الموروث الثقافي.

ومن أبرز فعاليات المعرض هذا العام، المزاد التنافسي الذي شهد عروضًا مرتفعة لشراء الطيور النادرة، بناءً على معايير دقيقة تشمل الحجم، اللون، التوازن والندرة. وفي تصريح له، أوضح شديد الرشيدي، المشرف على جناح الصقور المنغولية، أن بعض الصقور تصل أسعارها إلى مستويات “فلكية”، نظرًا لتكامل صفاتها الجمالية والبدنية.

وقال الرشيدي “لون الظهر، لون الصدر، لون الرأس، الحجم، الوزن… كلها عناصر تُقيّم بدقة، وإذا تكاملت في صقر واحد، فإنه يُعتبر نادرًا ويستحق سعرًا مرتفعًا. هذه الطيور ليست مجرد أدوات للصيد، بل تحف حية تُجسّد الجمال والدقة والمهارة”.

ويُبرز هذا المزاد جانبًا من الثقافة البصرية المرتبطة بالصقارة، حيث لا يُنظر إلى الصقر ككائن وظيفي فحسب، بل أيضا كرمز للجمال والقوة والندرة، ما يفسّر الإقبال الكبير على اقتنائه، والمنافسة الحادة بين المشترين. ويُعدّ المعرض أيضًا فرصة للتفاعل المجتمعي، حيث يشارك الزوار في أنشطة تعليمية وتفاعلية، ويتعرفون على تاريخ الصقارة، وأدواتها، وأساليب التدريب، في تجربة تجمع بين الترفيه والمعرفة.

في المحصلة، يُجسّد معرض الصقور والصيد السعودي الدولي نموذجًا فريدًا في الحفاظ على التراث وتحديثه، حيث يلتقي الموروث الثقافي مع الابتكار التنظيمي، وتُفتح آفاق جديدة أمام رياضة الصيد بالصقور، لتبقى حية في الذاكرة، ومتجددة في الواقع.

1

12