"مخبأ العنكبوت الملفق".. خسارة جديدة لإيران في حرب الدعاية مع إسرائيل
استخدم التلفزيون الإيراني صورا متداولة على الإنترنت على أنها استخباراتية من داخل إسرائيل في فيلم وثائقي، ما تسبب في سخرية واسعة من حرب الدعاية الفاشلة التي انخرطت فيها طهران، واضطرت على إثرها وكالة فارس للأنباء للإقرار بالخطأ
طهران - اعترفت وكالة “فارس” للأنباء، التابعة للحرس الثوري الإيراني بأن فيلمًا وثائقيًا صدر مؤخرًا عن وزارة الاستخبارات، اعتمد على صور أرشيفية من الإنترنت، على الرغم من تقديمها على أنها مواد حصرية تم الحصول عليها من إسرائيل، وذلك ضمن الحرب الإعلامية الدعائية بين الطرفين والتي يبدو أن طهران خسرت غالبيتها.
وعرض إسماعيل الخطيب، وزير الاستخبارات الإيراني، على التلفزيون الرسمي، الأربعاء 24 سبتمبر بيانات ووثائق إسرائيلية مزعومة مسروقة، ضمن فيلم وثائقي بعنوان “مخبأ العنكبوت”، على أنه دليل على اختراق استخباراتي لإسرائيل.
ووصفت وكالة أنباء فارس استخدام الصور من الإنترنت بأنه “سوء تقدير”، وقالت إنه أعطى وسائل إعلام منافسة مبررًا لوصف البرنامج بأكمله بأنه ملفق. وكتبت “إن وصف جميع الصور، بما في ذلك الصور الأرشيفية، بأنها حصرية سمح لوسائل الإعلام المعادية بتصوير الفيلم على أنه مزيف.”
وكالة أنباء فارس وصفت استخدام الصور بأنه سوء تقدير وقالت إنه أعطى وسائل إعلام منافسة مبررًا لمهاجمتها
وعرض الفيلم الوثائقي، مواد زعم إنها مرتبطة بالمنشآت النووية الإسرائيلية، بما في ذلك موقع ديمونا، إلى جانب تفاصيل عن أفراد وُصفوا بأنهم متورطون في البرنامج النووي للبلاد.
ووصف وزير المخابرات في الفيلم، العملية بأنها “اختراق كبير” أسفر عن “كنز من المعلومات الاستخباراتية السرية للغاية.” ووصف النتيجة بأنها نتيجة “أشهر من التخطيط المعقد ومراحل عملياتية ناجحة متعددة داخل بنية العدو.”
ومع ذلك، منذ إصداره، تركز الاهتمام على اعتماد الفيلم الوثائقي على صور متاحة بسهولة على الإنترنت، والتي عُرضت على أنها صور حصرية. وقد أثار هذا الكشف سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي وزاد من حدة الانتقادات لرواية الحكومة.
وتم الترويج للفيلم كجزء من عرض أوسع نطاقًا مفاده أن إيران حصلت على “ملايين الصفحات” من وثائق الدفاع الإسرائيلية. وفي وقت سابق من هذا العام، أفادت وسائل الإعلام الرسمية أن المخابرات الإيرانية حصلت على “معلومات إستراتيجية وحساسة وفيرة” من داخل إسرائيل. في ذلك الوقت، صرّح محللون أمنيون إسرائيليون لقناة “إيران إنترناشونال” بأن هذه الادعاءات مُبالغ فيها وجزء من حرب نفسية.
ويُقدّر المراقبون أن فيلم “مخبأ العنكبوت” جزء من محاولة لتصوير انتكاسات إيران الأخيرة ضد إسرائيل، بما في ذلك الخسائر الاستخباراتية والعسكرية، على أنها انتصارات. بل إن كشف المواد المُستمدة من مصادر إلكترونية أثار شكوكًا حول مصداقية تصوير الحكومة، حتى لدى الجمهور المحلي.
وتحولت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الحرب بين إسرائيل وإيران إلى ساحة معركة رقمية، استخدم فيها الطرفان الخداع والأكاذيب في محاولة للتأثير على النتيجة.
وذكر تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، أن منشورات باللغة الفارسية، ظهرت في الساعات التي سبقت قصف القوات الإسرائيلية لسجن إيفين في العاصمة الإيرانية في 23 يونيو على وسائل التواصل الاجتماعي، تنذر بالهجوم وتحث الإيرانيين على إطلاق سراح السجناء.
بعد لحظات من وقوع القصف، ظهر مقطع فيديو على منصتي إكس وتليغرام، يُزعم أنه يُظهر انفجارًا عند مدخل السجن، المعروف باحتجازه للسجناء السياسيين. تضمن أحد المنشورات على منصة إكس هاشتاغ بالفارسية # الحرية لإيفين.
وكان الهجوم على السجن حقيقيًا، لكن المنشورات والفيديو لم يكونا كما بدوا. وفقًا للباحثين الذين تتبعوا تلك التطورات، فقد كانت مقاطع الفيديو والمنشورات جزءًا من خدعة إسرائيلية.
ولم تكن هذه الخدعة الوحيدة خلال الصراع، على مدار 12 يومًا من الهجمات، فقد حوّلت إسرائيل وإيران وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة رقمية، باستخدامهما الخداع والأكاذيب في محاولة للتأثير على النتيجة، حتى مع تبادلهما الضربات الصاروخية الحركية التي أودت بحياة المئات وأثارت اضطرابات في الشرق الأوسط “المضطرب أصلًا.”
وقال الباحثون إن هذه المنشورات تُمثل مستويات شدة أكبر لحرب المعلومات، حيث بدأت قبل الضربات، واستخدمت الذكاء الاصطناعي، وانتشرت على نطاق واسع وبسرعة كبيرة.
وحرب المعلومات، التي تُسمى غالبًا العمليات النفسية، قديمة قدم الحرب نفسها. لكن الخبراء يقولون إن الجهد بين إسرائيل وإيران كان أكثر كثافة وأكثر استهدافًا من أي شيء سبقه، وشاهده ملايين الأشخاص وهم يتصفحون هواتفهم بحثًا عن التحديثات حتى مع سقوط القنابل.
ويرجع السبب في ذلك إلى تكنولوجيا اليوم إلى جانب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظهور الذكاء الاصطناعي المولد، وهي عوامل غيرت قدرة الدول على الاستجابة للأحداث والتحدث مباشرةً إلى المواطنين وغيرهم في الوقت الفعلي بطرق أكثر مصداقية من أي وقت مضى.
وفقًا لباحثين وبيانات رسمية، أرسلت إيران تحذيرات باللغة العبرية، على سبيل المثال، إلى آلاف الهواتف المحمولة الإسرائيلية لتحذير المتلقين من تجنب الملاجئ لأن مسلحين خططوا للتسلل إليها ومهاجمة من بداخلها.
ونشرت شبكة من الحسابات على موقع إكس، منسوبة إلى إسرائيل، رسائل باللغة الفارسية في محاولة لتقويض الثقة في الحكومة الإيرانية، بما يشمل رسائل روتها امرأة مولدة بالذكاء الاصطناعي.
وفي المقابل، صورت رسائل مفبركة الأمور في طهران على أنها طبيعية، وأن الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي. في الحقيقة، كانت المدينة قد أُخليت في الغالب في ذلك الوقت.
المنشورات تُمثل مستويات شدة أكبر لحرب المعلومات، حيث بدأت قبل الضربات، واستخدمت الذكاء الاصطناعي، وانتشرت على نطاق واسع وبسرعة كبيرة
وقال جيمس فورست، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة ماساتشوستس لويل، والذي كتب باستفاضة حول هذا الموضوع “إنها حقبة جديدة من حرب النفوذ.”. وأضاف: “لم يسبق في التاريخ أن شهدنا مثل هذه الحالة من قبل، حيث أتيحت لنا القدرة على استخدام هذا النوع من الدعاية على نطاق واسع”.
واتّبعت كل من إسرائيل وإيران إستراتيجية التأثير محاولتين تشكيل الرأي العام محليًا ودوليًا، مع إضافة القدرة على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة على نطاق واسع في حملاتهم.
وقال هاني فريد، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة كاليفورنيا، وهو أحد مؤسسي شركة “غيت ريل سكيوريتي”، وهي الشركة التي كشفت لأول مرة عن الفيديو المتلاعب به لسجن إيفين: “إذا عدنا إلى الأيام الأولى لأوكرانيا، فقد رأينا حملات تضليل من روسيا، لكنها كانت بدائية جدًا مقارنة بما رأيناه في الأيام الأولى لحرب غزة”، مضيفًا أن “هذا لا يقارن بما نراه في إيران.”
وأغرقت جهات من جانبي الصراع الإيراني- الإسرائيلي شبكة الإنترنت بصور ومقاطع فيديو متلاعب بها أو مُفبركة، سعيًا إلى إضعاف الطرف الآخر وتشويه سمعته.
وتضمن المحتوى صورًا من صراعات سابقة وتلفيقات واضحة للمرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. أما الصور الأكثر دقة، مثل الفيديو في إيفين، فقد نشرتها في البداية بعض المؤسسات الإخبارية، بما يشمل صحيفة “نيويورك تايمز”، على أنها حقيقية.
وقارن فريد بين حرب المعلومات اليوم وجهود الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الدول المتحاربة تتواصل عبر منشورات تُلقى من الطائرات أو عبر الراديو. وعلق “مع الراديو، كانت هناك رسالة واحدة يتم إرسالها. أما الآن، فإن هناك مليون رسالة يمكن توصيلها إلى مليون شخص، مما يعد بالطبع وضعاً مختلفاً تمامًا.”
ويمكن أن يصعب قياس أثر الصراع الحالي بدقة. فكثيرًا ما يلتئم المواطنون خلف قادتهم في حالة الحرب، وينظرون إلى الدعاية الواضحة بتشكك أو سخرية. ويقول المحللون إنه حتى لو لم تغير الحرب النفسية مسار الصراع، فإنها قد تُشكل تصورات المواطنين عنه.
واعتبر آري بن عام، أحد مؤسسي شركة تحليلات رقمية في تل أبيب، أن جهود إيران بدت موجهة إلى جمهور محلي وإقليمي بقدر ما كانت موجهة إلى إسرائيل نفسها. وأضاف أن ذلك يعكس “رغبتهم في الحفاظ على سمعة إقليمية.”
وأظهر مقطع فيديو مُفبرك دمارًا في مطار بن غوريون في إسرائيل لم يحدث. وظهرت صور ومقاطع فيديو لحطام طائرات إسرائيلية – ولاحقًا أميركية – في روايات عزاها الباحثون إلى إيران ووسائل إعلامها الرسمية.