محمود صلاح الدين لـ"العرب": الكتابة ليست ترفًا بل فعل وجودي

كاتب يؤسس لمشهد ثقافي جديد من منبر "زهرة البارون".
الخميس 2025/09/04
الشعر ليس بكاءً بل جمال باق

لم يقتصر الكاتب والشاعر العراقي محمود صلاح الدين على كتابة الشعر والمقالات والمسرح، بل ساهم في خلق حركية من خلال منبر فتحه أمام الأقلام الجادة والمبدعة، ليواصل بذلك رسالته ودوره الثقافي الذي يراهن عليه. في هذا الحوار مع "العرب"، نطلّ معه على أبرز محطات مسيرته الإبداعية ونستمع إلى رؤيته المستقبلية لتطوير المشهد الثقافي والإعلامي عبر تقنيات رقمية وتصاميم مبتكرة.

يُعدّ الكاتب والشاعر والمسرحي محمود صلاح الدين، المعروف بلقب البارون الأخير، من أبرز الأسماء الثقافية التي جمعت بين الإبداع الأدبي والعمل المؤسسي. بدأ مسيرته بكتابة الشعر والمسرح، ثم أسّس مؤسسة “زهرة البارون” للنشر والتوثيق، لتكون نواة مشروعه الثقافي والإعلامي الدولي.

أطلق مجلّة “زهرة البارون” الإلكترونية التي أسّسها ويرأس تحريرها، فحوّلها إلى منبر للأدب والفكر والفن، وفتح صفحاتها أمام أقلام متنوعة من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب مساهماته الخاصة التي يكتبها أحياناً باسمه المستعار.

لم يقتصر دور صلاح الدين على التحرير والنشر بل امتد إلى دعم المواهب الجديدة وتقديم محتوى يجمع بين الشعر والمسرح والدراسات النقدية والأدبية والفنية والحوارات الثقافية، ما رسّخ مكانة المجلّة كمنبر ثقافي وإعلامي مستقل في فضاء الصحافة الإلكترونية.

اليوم يُنظر إليه كأحد الفاعلين البارزين في المشهد الثقافي العربي حيث جمع في مسيرته بين تجربة الكاتب المبدع والإداري الثقافي، مقدّما نموذجا حيّا لتحوّل الكلمة إلى مشروع دولي مؤثّر يفتح آفاقا جديدة للخطاب الإنساني المعاصر.

تسأل “العرب” محمود صلاح الدين كيف يعرّف نفسه للجمهور من حيث هويته الإنسانية والثقافية؟ وما الذي يميّز تجربته الإبداعية والفكرية؟ فيجيبنا “أنا محمود صلاح الدين، كاتب وشاعر مسرحي، وُلدت في الموصل عام 1975، وأُعرف اليوم بلقب البارون الأخير، تتجسّد هويتي الثقافية والإنسانية في شغفي بالكلمة واعتبارها وسيلة للتعبير والمقاومة والتغيير. كما أسعى إلى أن أكون جسرًا يصل بين الماضي الثقافي والحاضر الرقمي من خلال الأدب والصحافة والفكر.”

وعن تأسيسه لمجلة “زهرة البارون” والأساليب والمناهج المميزة التي يعتمدها في تصميم صفحاتها لتبرز هويتها الأدبية والثقافية، يقول “تأسست ‘زهرة البارون’ كمجلة إلكترونية منذ عام 2017 في مدينة القاهرة عاصمة الجمهورية العربية المصرية، وكان الإصدار الأول، وجاءت كمساحة حرة للفكر والأدب والثقافة نعتمد في تصميم صفحاتها على قوالب تجمع بين البساطة والجمالية الرقمية مع إطار عصري يبرز هوية النصوص ويمنحها حضورا مميزا، ونحرص على المزج بين الأصالة الأدبية والأسلوب التفاعلي الرقمي الذي يناسب القارئ المعاصر.”

ويتحدث صلاح الدين عن تجربته الممتدة بين الأدب المسرحي والشعر والتحرير الصحفي، يقول “مسيرتي الإبداعية هي رحلة بحث متواصلة عن الجمال والفكر والمعنى بدأت بالشعر والمسرح، ثم وجدت في الصحافة الأدبية مجالًا آخر للتأثير والتواصل، كل محطة كانت جزءا من بناء هوية ثقافية متكاملة، أساسها الحرية والإنسانية، وغايتها أن تترك أثرا في الوعي الجمعي.”

المجلات عادةً تعكس ثقافة عصرها، و”زهرة البارون” أراد لها مؤسسها أن تكون مرآة صافية لثقافتنا العربية، وفي الوقت نفسه نافذة مفتوحة على العالم. لم يردها مجرد ناقل للأخبار، بل سعى إلى أن تكون مشروعاً فكريا ينقل الأدب بروح عصرية ويصنع مساحة للجدل والحوار، لتكون زهرةً تحمل عبق الماضي وتفتح أوراقها لمستقبل أكثر وعياً.

الكتابة تصنع واقع الحياة وتُعدّ عاملًا للمقاومة. يعلق صلاح الدين من منظوره الفكري والفلسفي على هذا الرأي قائلا “أرى أن الكتابة ليست ترفًا، بل فعل وجودي، فهي التي تخلق المعنى، وتفتح آفاق الوعي وتمنح الإنسان القدرة على مواجهة الظلم. الكلمة الحرة تمثل مقاومة صامتة، لكنها أكثر ثباتًا وتأثيرًا من السلاح.”

ويواصل متحدثا لـ“العرب” عن اختياره للقب “البارون الأخير”، والرمزية التي يحملها بالنسبة إلى هويته الثقافية والفكرية، “اللقب يمثل حالة رمزية تعبّر عن الانتماء إلى هوية خاصة، مزيج بين العزلة النبيلة والمسؤولية الثقافية. اخترت لقب ‘البارون الأخير’ لأعبر عن شعور داخلي بأني أحمل إرثًا يجب أن يُحفظ وكأنني آخر من يقف في صف الدفاع عن الكلمة والكرامة الأدبية في زمن تتلاشى فيه القيم.”

نسأل صلاح الدين عن مسرحيته “متحف التماثيل”، ورؤيته للعلاقة بين الجمود الفكري والتماثيل الجامدة، وهل تعكس المسرحية صراعًا بين الذاكرة الحية والذاكرة المتحجرة؟ فيجيبنا “بالفعل، المسرحية تجسد هذا الصراع. التماثيل الجامدة رمز للعقلية التي تتوقف عن الإبداع بينما الذاكرة الحية هي التي تُبقي الإنسان قادرا على التغيير، أردت أن أوضح أن الجمود أخطر من الموت، لأنه يقتل الروح والفكر معاً.”

ويضيـف الكاتب متحدثا عـن تـأثير العولمة على حرية الفرد قـائلا إن “العـولمـة في جـوهـرها جعـلـت الإنسان أكثر ارتبـاطـاً بالعالم لكنها أيضاً فرضت أشكالاً جديدة من العبودية الفكرية والاقتصادية. الفرد أصبح مستهلكاً أكثر ممـا هو فـاعل، ومقيداً بمنظـومات سيـاسية واقتصادية لا تتـرك لـه مجـالًا كبيراً للحرية الحقيقية.”

أما عن سؤال الألم إن كان هو المحرك الأساسي للإبداع، أم أن الإبداع هو وسيلة للتخفيف من وطأة الألم؟ فيرى الكاتب العراقي أن العلاقة متبادلة. الألم يمنح الشرارة الأولى للإبداع لكن الإبداع بدوره يخفف من قسوته، ويحول الجرح إلى معنى، والشعر بالنسبة إليه ليس بكاءً على الألم فقط، بل محاولة لتحويله إلى جمال باقٍ.

نسأل صلاح الدين عن رسالته التي يسعى لنقلها للأجيال الناشئة من خلال أعماله الأدبية والشعرية والمسرحية، يقول “رسالتي هي أن يبقى الإنسان وفياً لإنسانيته، وألا يتنازل عن حريته وكرامته. الأدب ليس مجرد ترف ثقافي، بل هو سلاح الوعي، وأتمنى أن أزرع في الأجيال الناشئة الإيمان بأن الكلمة قادرة على صنع التغيير.”

 

12