لوحات الفنان عماد عريبي.. توظيف الألوان كتعبير ضوئي
تأتي بعض التجارب التشكيلية في ليبيا لتكون مرآة تعكس التحولات الثقافية والاجتماعية، من بينها تجربة الفنان التشكيلي عماد عريبي، الذي تُعدّ أعماله محطة بارزة في مسار الفن الليبي المعاصر، حيث استطاع أن يؤسس لغة تشكيلية خاصة تُزاوج بين التعبير الفردي والوفاء للهوية، من خلال اشتغاله على التفاصيل، وتفاعله مع التراث البصري المحلي، وانفتاحه على تقنيات ومدارس متعددة.
في المشهد الفني الليبي المعاصر، يبرز اسم عماد عريبي كفنان يمزج ببراعة بين الواقعية الدقيقة والمناخات اللونية المتعددة. فبينما يمتلك قدرة على رصد أدق تفاصيل الرسم الواقعي، يمتلك أيضًا حرية في توظيف الألوان كتعبير ضوئي، ليخلق بذلك مناخات لونية غنية تضفي على أعماله لمحة من الأناقة والعصرية.
لم يسعَ عريبي أبدًا إلى الانفصال عن جوهر الأشكال التي يرسمها، بل عمل على إضفاء بريق خاص عليها من خلال اختياراته اللونية المستوحاة من توجيه داخلي عميق. رسوماته تتجاوز المحاكاة الساذجة، لتؤكد أن الرسم فعل جمالي أصيل، وأن جودة العمل الفني ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالفنان وذائقته الخاصة.
ومع التزام الفنان بأسلوب تأليفي واحد تقريبا في أغلب أعماله التي عرضها في معارضه السابقة، إلا أنه أدخل التنوع في المناخات المرسومة كمحاولة لعدم الوقوع في التكرار والنمط الواحد فكانت هذه الأعمال تحمل طزاجة فنية بين بين الموضوع والمضمون.
يحرص الفنان دائمًا على توجيه انتباه المتلقي نحو التفاصيل الصغيرة في عالمنا، مغلفًا إياها بالكثير من البهجة والفرح كتلك الألعاب المتناثرة على رمال الشاطئ فكل لعبة بلون من الأحمر إلى الأخضر والأصفر وصفاء وجوه الأطفال وانعكاس بهجة الطفولة واللعب أو تنوع وتعدد ألوان شباك الصيد وما تضفيه من ألق على تكويناته المرسومة والنور الساقط على وجنات الصياد وتدرج اللون الأحمر، دراجة رمادية تتقاطع مع ظلالها الأرجوانية على جدران بيضاء ناصعة. فتزدان هذه اللوحات بـألوان صريحة تنبض بوميض ساطع منبعث منها وتشير إليها بكل وضوح، ما يعكس طاقة إيجابية آسرة تجذب المتلقي بشكل غامض قبل أن يبدأ في التعرف على مواضيعها التي هي في أغلبها قصص من الحياة.
الفنان عماد ابن المدينة القديمة بالعاصمة طرابلس، يهتم بتوثيق لحظة عابرة غالبا ما تكون اقتناصا للحظات ممتعة رفق الأصدقاء من الفنانين أو مع العائلة في رحلات أغلبها خارج حدود المباني، حيث شطآن المتوسط أو في غابات نضرة تنضح بالكثير من الجمال والبهجة التي تحتضن العاصمة وما جاورها.
الفنان عريبي لم يكتشف جديدا بقدر ما أكد على ما تم اكتشافه من قبل، وكان قد أتقن هذا التأكيد بقدرة ومهارة عالية، جعلت من أعماله تصدح بنبرة صوتها الخاص، فالحساسية في إدراك المحيط من بورتريهات الأطفال والكبار مرورا بمرافئ طرابلس القديمة وما بها من مراكب صيد متنوعة الألوان والأشكال والصيادين وتنوع ألوان شباك الصيد عندهم، وانعكاس مياه البحر في ضربات الموج على صخور صماء، حركة المد والجزر والشروق والغروب وتبدل الليل والنهار واختلاف مناخات الفصول، كل هذا وأكثر أصبح مادة للتعبير الضوئي الغاية في الجمال عنده.
يسعى الفنان دائما على التأكيد أن الرسم حساسية في التعبير يتبعها مهارة فائقة وتمكن في الدروس الأكاديمية وكان قد نجح في هذا الاتجاه بشكل كبير حيث حافظ على روحه الملتهبة وشغفه بالألوان الصريحة كتلك التي يعبر بها ديفيد هوكني عبر امتداده لآخر الفنانين الانطباعيين وأول الفنانين التعبيريين فينسنت فان غوج الذي كانت يركن إلى همس أصوات المشاعر الداخلية بدلا من تمثيل أسطح الواقع الجامدة.
◙ عريبي لم يسع إلى الانفصال عن جوهر الأشكال، بل أضفى عليها بريقا خاصا من خلال اختياراته اللونية
لوحات الفنان عماد عريبي تتسم بأسلوبه الذي يضفي من شفافية روحه على مواضيع متنوعة. تتجلى هذه اللمسة في أعمال مثل “حمامات فوق سور رمادي”، “طفل يلعب على الشاطئ”، “صياد يرمم وينسج شباكه”، “بائع السمك”، بالإضافة إلى لوحات الحقول والأزهار البرية والبورتريهات المتنوعة للفنانين الأصدقاء ووجوه أخرى.
يستخدم عماد ألوانا صريحة ومتناغمة ببراعة، معتمدا على تكوينات غير تقليدية تبرز إبداعه. يُلاحظ التنوع الغني في ألوانه المستخدمة، إلى جانب سيطرته العالية على نسق اللوحة، ما يخلق سيمفونية بصرية عالية الجودة تتردد أصداؤها في كل جزء من أعماله.
وعماد عمر عريبي من مواليد مدينة القديمة طرابلس عام 1971، تخرج في العام 1998 في كلية الفنون والإعلام بطرابلس. نظم معرضه الشخص الأول بعنوان “المرافئ” عام 2023، ضم المعرض حوالي 30 لوحة.
وكان معرضه الشخص الثاني بعنوان "إشراقات" عام 2024، وقبل هاذين المعرضين، شارك في العديد من المعارض الجماعية في داخل ليبيا وتونس مع رسم العديد من الجداريات في تونس.