لبنان على مفترق حربين.. فهل من مخرج

الأمور لا يبدو أنها ستذهب نحو التهدئة في لبنان. فالأزمة حقيقية وعميقة ولا خروج منها إلا بحرب داخلية تعيد ترتيب موازين القوى.
الأحد 2025/08/10
حزب الله يدفع نحو التصعيد

لطالما شكلت معضلة "الدجاجة والبيضة" جدالًا واسعًا بين المعنيين، على اعتبار من كان قبْلا: الدجاجة التي باضت البيضة، أم البيضة هي التي أتت بالدجاجة. على أصداء هذه المعضلة تعيش الساحة اللبنانية معضلة أخرى تتمثل في الطرح التالي من الأول "سحب السلاح أم الانسحاب الإسرائيلي"؟

هذا وأكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الثلاثاء 5 أغسطس الجاري، أنهم لا يقبلون التخلي التدريجي عن قوة الحزب، مقابل استمرار العدوان الإسرائيلي، معربًا في الوقت ذاته عن رفضه الضغوط الممارسة عليهم. وأتى كلام قاسم خلال كلمة متلفزة له، تزامنت مع عقد الحكومة اللبنانية جلسة لاتخاذ قرار حول آلية تنفيذ محتّمة لقضية نزع السلاح.

إشكالية تتوقف عندها الساحة اللبنانية، التي تشهد إضافة إلى مشهدية الدراجات النارية المؤيدة لحزب الله رافعة أعلام الحزب وإيران دون أن ترفع أعلامًا لبنانية، والتي ترفض البتّ أصلًا في موضوع السلاح، والذي يتناغم مع موقف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الرافض لتسليم الحزب سلاحه، هناك طرف آخر اعتبر أن موقف الحكومة الذي اتخذ في جلستها الأخيرة، الخميس 7 أغسطس الجاري، بأنه تاريخي وبطولي.

"متناقضان" لا يلتقيان، هذه حالة اللبناني منذ تأسيس هذا البلد، حيث كان دائمًا تشهد ساحته الداخلية انقسامًا في المواقف أدت في أحيانًا كثيرة إلى اقتتال داخلي، منذ عام 1958 والميني حرب أهلية حيث الانقسام كان في وقتها على أساس الانضمام إلى حلف بغداد بقيادة أميركية أم تأييد الحركة الناصرية التي كانت تجتاح الشوارع العربية. وبعدها دخل لبنان شرعيًا في حرب أهلية دامت لأكثر من 15 عامًا، كان الانقسام يومها على الهوية والكيونية للبنان.

وفي 7 مايو عام 2008 أعادت مشهدية الميني حرب أهلية بين اللبنانيين على أساس تجحيم مدّ نفوذ الحزب عبر قطع شبكة اتصالاته في كافة مناطق لبنان، هذا ما أخذته حكومة فؤاد سنيورة في اجتماعها في 5 مايو من العام نفسه، فأي حرب سيشهد عليها لبنان في أغسطس 2025؟

اليوم يقف لبنان على مفترق حربين، إذ لا تراجع للعهد ومعه حكومة نواف سلام أمام تهديدات الحزب وشارعه، فإن أيّ خطوة من هذا القبيل ستعرض لبنان إلى حرب إسرائيلية جديدة، هذا ما أكد عليه الموفد الخاص الأميركي إلى لبنان، توماس باراك، عندما أكد في زيارته الأخيرة إلى بيروت بأن لا ضمانات أميركية من عودة تنفيذ إسرائيل ضرباتها إذا لم يتّخذ قرار بتأييد ورقته التي عرضها على المسؤولين في لبنان، أو بين حرب أهلية جديدة، إن وافقت حكومة سلام على المقترحات الأميركية في الجلسة المقبلة، بسبب رفض الحزب جملة وتفصيلًا تسليم سلاحه.

◄ لبنان يقف اليوم على مفترق حربين، إذ لا تراجع للعهد ومعه حكومة نواف سلام أمام تهديدات الحزب وشارعه، فإن أيّ خطوة من هذا القبيل ستعرض لبنان إلى حرب إسرائيلية جديدة

للمطالبين بتسليم السلاح ذرائعهم التي بنيت على أسس ميدانية في اعتبار أن سلاح الحزب خلال حرب الـ66 يومًا مع العدو لم يستطع ردعها عن قيامها بمسح مناطق وتدمير لبنان، مؤكدين أن الحرب اليوم ستكون أكثر عدوانية، لاسيما وأن التهديدات الإسرائيلية تطال الدولة اللبنانية، أي إن قصف مطار بيروت أو مرفأ بيروت هو من المحتمات في الحرب المقبلة. ليس هذا وحسب، بل هناك معادلة رسمتها المملكة العربية السعودية تربط إعادة الإعمار لما تهدم بضرورة تسليم السلاح، لأنّ المرحلة المقبلة بحسب منظارها هي مرحلة استقرار لا الدخول في حروب اعتبرت عبثية ولم تقدم إلى القضية إلا دمارًا للمنطقة.

لقد قدّم الوفد السعودي الاستثماري الذي زار دمشق في 23 يوليو الماضي، نموذجًا لأيّ لبنان سيكون إن دخل ضمن الموجة التي باتت تُرسم للمنطقة، والتي ظهر البعض من خيوطها، من خلال تجديد السعودية دعوتها إلى جميع الدول الأعضاء الصادرة عن مؤتمر تنفيذ حل الدولتين الذي ترأسه المملكة بالاشتراك مع فرنسا من أجل تحقيق الأمن والسلم في المنطقة.

في المقابل، يعتبر الحزب أن توقيت المطالبة بحصرية السلاح يخدم مصالح الولايات المتحدة، كما ويحقق مطالب إسرائيل التوسعية. يستند هذا الفريق الذي حاول تعطيل الجلسة عبر خروج بعض الوزراء المحسوبين عليه، وزيرة البيئة ووزير الصحة، إن لا ضمانات ستعطى للبنان في حال تسليم السلاح طالما الجيش اللبناني غير قادر على المواجهة الميدانية مع العدو. ووسط تطور ميداني في غزة تمثل في موافقة الكابينت الإسرائيلي على مشروع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو باحتلال كامل لقطاع غزة الخميس 7 أغسطس الجاري، الأمر الذي يؤكد على أن المنطقة دخلت فعلا خطر التهديد الوجودي لكياناتها في حال تم تنفيذ المشروع الأميركي، الشرق أوسط الجديد.

لا يبدو أن الأمور ستذهب نحو التهدئة في لبنان، وأن الأزمة حقيقية وعميقة ولا خروج منها إلا بحرب داخلية تعيد ترتيب موازين القوى. لكن كل هذا يتوقف عند ما ستقدمه المقاومة في غزة من استنزاف للجيش الإسرائيلي ومنعه من تحقيق ما يريده نتنياهو، بحسب ما ذكر رئيس الأركان إيال زامير.

حرب أم لاحرب هي المعضلة الرئيسية العالق فيها لبنان، إلا أنه رغم التهديدات المتزايدة على لبنان يبدو أن الأمور لن تذهب باتجاه الحرب طالما أن قيادة الحزب تدرك أن الانجرار في أيّ مواجهة داخلية أو خارجية هو الانتحار العسكري والسياسي معا. لهذا سيعتمد الحرب إستراتيجية “انفتاحية” على الداخل في انتظار ما ستؤول إليه المشهدية العامة لغزة والمنطقة.

5