قمة شرم الشيخ أعادت للعراق موقعه الاستراتيجي في المنطقة

من أهم المكاسب السياسية لمشاركة العراق في القمة هي إظهار الاستقلالية والممارسة الدبلوماسية وإيصال إشارات بأن قراره في الملفات المصيرية له وزنه وليس مجرد متلقٍ للقرارات الخارجية.
الأربعاء 2025/10/22
زيارة تحمل أكثر من تفسير

يُعدّ حضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى القمة التي عُقدت في شرم الشيخ بشأن غزة، وحضرها عدد من القادة والرؤساء من العالم، خطوة رسمية وسياسية تحمل أكثر من بُعد. فهي ليست مجرد مشاركة في مؤتمر إقليمي، بل تعبير عن موقف يُراد أن يُقرأ داخليًّا وإقليميًّا وعالميًّا. ولأن الأزمات في الشرق الأوسط ترتبط بشبكة من التحالفات والمصالح بين الدول، فإن هذه المشاركة لا تخلو من جدليات وتحديات رافقت انعقادها.

تأتي أبرز هذه التحديات من خلال مشاركة العراق، والتي جاءت استجابة لدعوة مشتركة من جمهورية مصر العربية وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، لمناقشة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة وإعادة تثبيت وقف إطلاق النار وضمان إيصال المساعدات الإنسانية. وعلى الصعيد العراقي، يُنظر إلى هذه الدعوة باعتبار أن العراق جزء لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط، وأن أي ترتيبات أو حلول للأزمة الفلسطينية لا يمكن أن تمرّ دون إشراكه.

برزت المواقف وردود الأفعال الداخلية واعتُبرت المشاركة تحديًا سياسيًا ومخاطرة بالوضع الداخلي للعراق. ومن أبرز النقاط الجدلية كان تهديد السوداني بالانسحاب من القمة في حال مشاركة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إذ يُعدّ هذا التهديد رسالة سياسية واضحة تُفصح عن “خط أحمر” يضعه العراق تجاه أي محاولات لتطبيع أو تورية مشاركة إسرائيل في مثل هذه المنابر، ما يُظهر سعي العراق للحفاظ على “الموقف الوطني” الذي يعتبر القضية الفلسطينية من أولويات الرأي العام العراقي.

برزت بعض الأصوات المعارضة والرافضة لمشاركة العراق في القمة، واعتبرت أن المشاركة في مثل هذا المؤتمر، الذي يُدعى إليه أطراف دولية تختلف مصالحها عن الأخرى، قد تُغري بعض الأطراف للترويج لمواقف تُمسّ بالسيادة أو تُحدث ارتباكًا سياسيًا داخليًا.

مشاركة السوداني في قمة شرم الشيخ محاولة للانخراط في الزخم الدبلوماسي الدولي حول غزة واستثمار الفرصة لإبراز دور العراق في إعادة تشكيل خارطة العلاقات الإقليمية بعد الحرب

من أهم المكاسب السياسية المحتملة لمشاركة العراق في هذه القمة هي إظهار الاستقلالية والممارسة الدبلوماسية. فقد سعى العراق لإيصال إشارات بأن قراره في الملفات المصيرية له وزنه، وأنه ليس مجرد متلقٍ للقرارات الخارجية. وقد تُرجم ذلك من خلال التهديد بالانسحاب في حال مشاركة إسرائيل، وهو ما يكشف عن محاولة التوازن بين الالتزام بدعوة دولية وبين ضمانات بعدم وجود مساس بالموقف الوطني الرسمي تجاه القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية المصيرية.

يأتي هذا اللقاء بنتائج إيجابية للعراق من خلال تعزيز العلاقة مع الدول الفاعلة. فقد وثّقت اللقاءات الجانبية ترحيبات وفرصًا للتشاور بين السوداني وقادة دول وحكومات أخرى، منها لقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي جرى خلاله بحث إعادة إعمار غزة وتفعيل التعاون العراقي الفرنسي في مجالات البنى التحتية والطاقة.

العراق يقف متوازنًا بين قوة تأثير إيرانية في المنطقة من جهة، وضغط مصالح أمريكية وسعودية ومصرية من جهة أخرى. وربما تُفسَّر المشاركة في محافل كهذه في بعض الدوائر على أنها ميل تجاه محور دون آخر إذا لم تُصاحبها مواقف محايدة ومعلنة بوضوح. إلا أن الواضح أن العراق ذاهب إلى أبعد من ذلك من خلال تثبيت مواقفه الرسمية تجاه مجمل القضايا العربية والإسلامية التي يُنظر إليها على أنها قضايا مصيرية للأمة.

إن مشاركة السوداني في قمة شرم الشيخ تُعد محاولة للانخراط في الزخم الدبلوماسي الدولي حول ملف غزة، واستثمار الفرصة لإبراز دور العراق في إعادة تشكيل خارطة العلاقات الإقليمية بعد الحرب التي دارت رحاها في المنطقة. لكن هذا ليس بلا مخاطرة، إذ إن التوازن الذي يعمل عليه السوداني بين الطموح في النفوذ الدبلوماسي والحذر من الاصطدام الداخلي مع القوى المعارضة يُشكّل تحديًا كبيرًا.

إذا أراد العراق أن يستفيد فعليًّا من هذه المشاركة، فعليه أن يرافقها بمبادرات ميدانية ملموسة في ملف الإغاثة، والضغط على الأطراف الدولية للتنفيذ لا الاكتفاء بالكلمات. كما أن التزامه بحدود “الخطوط الحمراء” مثل عدم التطبيع أو المساومة على الموقف الفلسطيني سيكون مفتاح ثقة داخلية وخارجية.

يبقى مفتاح الحل أن يسعى العراق لفتح باب الحوار بين الشرق والغرب، خصوصًا وأن هناك ثقة بالعراق حكومةً ونظامًا من قبل العالم، الذي ينظر إلى هذا البلد الذي تعرض لأسوأ حملات همجية منذ عام 2003 على أنه قادر على تجاوز هذه المحن والنهوض. وهذا ما نشهده من خلال التبادل السلمي للسلطة بين مجمل الحكومات التي تشكلت منذ عام 2005 وحتى الآن.

7