الحياد المكلف: لماذا لا يرد العراق على اختراق أجوائه

العراق سيبقى ممرًا مفتوحًا لسلاح الجو الإسرائيلي لاسيما مع وجود احتمال كبير بأن نشهد المزيد من الضربات الإسرائيلية على إيران في المستقبل القريب وتحت غطاء أميركي.
الثلاثاء 2025/09/09
للعرض فقط

شهدت الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل حجم الخلل في المنظومة العسكرية، وخصوصًا الدفاعية منها، لاسيما بعد انتهاك الطائرات الإسرائيلية للمجال الجوي العراقي، وهو ما أبرز المخاوف بشأن ضعف الدفاع الجوي العراقي، باستثناء الخطابات البلاغية. ولم تبذل الجهات العسكرية العراقية جهدًا يُذكر في وقف التحليق المتكرر للطائرات المقاتلة الإسرائيلية أو منع أي طائرة تنتهك الأجواء العراقية.

تُطرح العديد من التساؤلات حول وجود الإرادة السياسية لدى القيادات العراقية في استخدام الأسلحة التقليدية للدفاع الجوي فعليًا لحماية سماء العراق من أي انتهاك، لاسيما في ظل الصراع الخطير الذي تمر به المنطقة، وخطر الانجرار إلى صراع إقليمي يُراد به إدخال العراق ليكون ساحة حرب للمتصارعين.

الواقع يشير إلى أنه لا توجد أدلة تثبت استخدام العراق لقدراته الدفاعية أو تفعيل منظومة الدفاعات الجوية، مما يوحي بأن بغداد اختارت على الأرجح تقليص قدراتها العسكرية المحدودة لتجنب الدخول في حرب إقليمية، أو اتهامها بالانحياز إلى أي طرف. وقد تأكد ذلك من خلال إعلان العراق عن إسقاط طائرة مسيّرة واحدة فقط، سقطت بالقرب من منطقة نفط خانة.

◄ مستقبل العلاقة بين الطرفين مرهون بقدرة القوى السياسية العراقية على تحييد الدور الأميركي، وبناء منظومة علاقات متوازنة معه، قادرة على تجاوز المشاكل القائمة، بعيدًا عن لغة التخوين أو التشكيك

لقد قامت الحكومة العراقية بتقليص عمل الدفاعات الجوية بشكل عام، نتيجة السيطرة التامة والكاملة للطيران الأميركي على الأجواء العراقية، وهو ما تسبب في حالة من العجز لدى القدرات الدفاعية العراقية في صد أي طائرات تستخدم أجواءها. كما اتخذت موقف الحياد بهدف إبعاد نفسها عن أي مواجهة أو استهداف من قبل الطيران الأميركي، الذي يواصل مراقبة الأجواء العراقية ويزوّد الطائرات الإسرائيلية بإحداثيات دقيقة لضرب طهران ومدن إيرانية أخرى.

تتكون الدفاعات الجوية العراقية حاليًا من أنظمة أميركية وروسية قصيرة المدى، وتحاول بغداد الحصول على أنظمة دفاع جوي إستراتيجية، وقد طلبت من كوريا الجنوبية تزويدها بها. وكانت أنظمة الدفاع الجوي العراقية قبل عام 2003 تعمل وفق نظام تشكيل الطبقات المحمية، إلا أن هذا النظام دُمّر بعد عام 2003، وخلال عقد كامل لم تبذل الحكومات العراقية المتعاقبة جهودًا تُذكر لإعادة بناء القدرات الدفاعية الجوية. ومع ذلك، طلب المسؤولون العراقيون في عام 2013 نظامًا متكاملًا بقيمة 2.4 مليار دولار أميركي من واشنطن، لكن العراق لم يتسلّم سوى ثمانية أنظمة من هذا النوع.

وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية، أفادت التقارير بأن العراق أبدى اهتمامًا بتطوير قدراته الدفاعية لردع الغارات الجوية الإسرائيلية المحتملة على أراضيه، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن بغداد تسعى فعليًا إلى تعزيز منظومتها الدفاعية الجوية.

أما دول الجوار، فهي منحازة بشكل واضح إلى الغرب، وتعمل أنظمتها الجوية بشكل نشط، في حين أن العراق مقيد بالانقسامات الداخلية، وتوازناته الهشة بين الولايات المتحدة وإيران، في محاولة للحفاظ على تماسكه الداخلي قدر الإمكان. ومن المحتمل أن يقتصر استخدام هذه الأنظمة على الردع غير الاستفزازي، بدلًا من التدخل الفاعل، خصوصًا وأن بغداد بحاجة إلى أن تدرك أنه إذا حاولت وقف إسرائيل، فسيتم تدمير نظام دفاعها الجوي، مما يجعل التكاليف أكبر من محاولة المواجهة.

سيبقى العراق ممرًا مفتوحًا لسلاح الجو الإسرائيلي، مع وجود احتمال كبير بأن نشهد المزيد من الضربات الإسرائيلية على إيران في المستقبل القريب، وتحت غطاء أميركي واضح، ما يبعث برسالة مفادها أن العراق بات لا يمتلك أوراقًا تفاوضية حقيقية مع واشنطن في الوقت الراهن. وإن مستقبل العلاقة بين الطرفين مرهون بقدرة القوى السياسية العراقية على تحييد الدور الأميركي، وبناء منظومة علاقات متوازنة معه، قادرة على تجاوز المشاكل القائمة، بعيدًا عن لغة التخوين أو التشكيك.

8