صار على إيران أن تسيطر على خوفها
بعد أن فشل الرهان الإيراني على توسيع دائرة الحرب اكتسبت مخاوف إيران من تجدد القصف الإسرائيلي والضربات الأميركية طابعا واقعيا، ما أكد لها أن الخوف الذي كانت تخفيه من الحرب هو الحقيقة الوحيدة التي يجب أن تتعامل معها بطريقة جادة. فلا يكفي إيران أن تقنع أتباعها في المنطقة بأنها تملك من القوة ما يؤهلها لإيذاء خصومها. ما جرى كان واضحا. بعد الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة إلى ثلاثة مواقع نووية أعلنت إيران مباشرة قبولها بوقف إطلاق النار ولم يكن ردّها بقصف قاعدة العديد الأميركية في قطر إلا نوع من الاستعراض الدعائي المكشوف. وما لم تكن إيران تتوقعه أن تُفتضح حقيقة قوتها التي كان الاستعراض المجاني مادتها. ولو توقفت عند حدود ذلك الاستعراض المجاني لما انكشف أمرها، غير أن انخراطها في مسألة المقاومة الإسلامية بعد أن اعتبرتها خط الدفاع الأول عنها هو ما قصم ظهرها وفضحها.
إيران التي كانت تهدد بإشعال نار حرب في المنطقة وصّقها الكثيرون أدركت أنها أساءت الفهم وأن تلك الحرب ستنتهي بنهايتها. ذلك ما جعلها تتراجع عن التفكير في مصير حلفائها في لبنان وغزة وسوريا وصارت تركز على التفكير في جر الولايات المتحدة إلى مفاوضات ثنائية لا يخفى أنها ستكون برقابة إسرائيلية.
خسرت إيران فرصة أن تحاور الولايات بمعزل عن رقابة إسرائيل. أما السبب في ذلك فلأن إيران كانت مسؤولة عن الكارثة التي ضربت المنطقة منذ السابع من أكتوبر عام 2023. فما فعلته إيران كان مفيدا لإسرائيل، فهي في طريقها لمحو القضية الفلسطينية من الخارطة السياسية العالمية. منحت إسرائيل فرصة تدمير حزب الله وإنقاذ لبنان من هيمنته كما أنها فتحت الباب للقوى الكبرى للتفاوض على مصير سوريا التي تخلصت من ميليشياتها.
بعمليات جراحية متقنة تم إنهاء الهيمنة الإيرانية على لبنان وكان ذلك فاتحة النهاية التي صار على إيران معها أن تلتفت إلى داخلها. فالقتال الذي بدأته خارج حدودها انتقل إلى داخلها على الرغم من أنها لم تتوقع ذلك. وهو ما يعني أنها لم تكن ذكية في حساباتها.
◄ إيران التي كانت تهدد بإشعال نار حرب وصدّقها الكثيرون أدركت أنها أساءت الفهم وأن تلك الحرب ستنتهي بنهايتها، وذلك ما جعلها تتراجع عن التفكير في مصير حلفائها في لبنان وغزة وسوريا
قد لا يرى أنصار إيران لأسباب طائفية ضيقة أنها قد تغيرت بعد أن ضُربت بقوة وإتقان غير أن ذلك لا يعني شيئا إزاء هشاشة موقفها. فإيران التي صارت تتوقع أن تُضرب من جديد هي غير إيران التي كانت تهدد بتوسيع الحرب في المنطقة وإغلاق مضيق هرمز. ومن الطبيعي أن تستمر في تهريجها الدعائي لا لرفع معنويات أتباعها فحسب بل وأيضا لكي تكون على قدر من التوازن في المفاوضات في جولاتها المستقبلية. وهو ما لم يعد مؤكدا في المستقبل القريب إلا إذا طمأنت إيران الولايات المتحدة من خلال الوسطاء إلى أنها تستجيب لكل شروطها المسبقة. فلا مفاوضات من غير شروط. فقبل القصف الإسرائيلي والضربات الأميركية كانت الرئيس الأميركي دونالد ترامب واضحا في رسالته إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي. لا اتفاق نوويا من غير تجريد إيران من إمكانية تصنيع أسلحة نووية. وهو ما يعني أن على إيران تسليم ما لديها من يورانيوم مخصب قبل البدء في المفاوضات.
المعروض على إيران لا يعد تسليما بالهزيمة بل هو حل متوازن ومعقول لأزمتها مع العالم. ولقد أظهرت إيران عبر أكثر من أربعين سنة أنها ليست دولة محل ثقة. فهي على سبيل المثال زودت الحوثيين في اليمن بصواريخ بالستية. لا أعرف هل كان لدى حزب الله مثل تلك الصواريخ وإن كان لا يحتاجها بسبب قرب المسافة بين لبنان وإسرائيل. فما كانت تلوح به إيران دائما لا يشير إلى رغبتها في أن يعم السلام المنطقة بل العكس هو الصحيح. كانت رغبتها في إخافة الآخرين هي مصدر شعورها المتفاقم بالغرور والتعالي على الآخرين. ذلك طبع فارسي لم يتخلص منه حكام إيران وهو ما يشير إلى أنهم ما زالوا منغلقين على أنفسهم وعلى المعاني البدائية للقوة في عصر تغير فيه كل شيء.
اليوم صارت إيران على بينة من أمرها. فشل مشروعها في أن تكون دولة عظمى وانتهى هيلمانها في المنطقة. صارت قلقة لأول مرة وهي تسعى إلى ترويض العدو وإقناعه بأن يبعد عنها شبح الحرب التي أذاقت أتباعها طعم فجائعها. لا ترغب إيران في أن تدفع ثمن ما فعلته بالمنطقة. وصار عليها اليوم أن تسيطر على خوفها من أجل أن تفتح صفحة جديدة مع العالم.