شهر أول من دون نتيجة عملية يمر على خارطة الطريق الأممية في ليبيا
بنهاية اليوم السبت يكون قد مرّ شهر على إحاطة رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حنا تيتيه أمام مجلس الأمن، والتي طرحت من خلالها خارطة الطريق لحلحلة الأزمة السياسية، من دون أي تقدم في اتجاه تحقيق التوافق بين الفرقاء على الانطلاق الفعلي في تنفيذ الخطة.
ويشير المراقبون إلى أن خارطة الطريق الأممية تواجه عددا من العقبات، بما يعرقل تطبيقها على أرض الواقع، في ظل استمرار التجاذبات الداخلية، والتدخلات الخارجية، وتمسك المسؤولين الحاليين بامتيازات الحكم التي قد يفقدونها في حال استعادة الدولة سيادتها والشعب قراره عبر صناديق الاقتراع.
وفي 21 أغسطس الماضي اقترحت تيتيه أمام مجلس الأمن خارطة طريق مبنية على ثلاث ركائز أساسية: أولاً، تنفيذ إطار انتخابي سليم فنياً وقابل للتطبيق سياسياً يهدف إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. ثانياً، توحيد المؤسسات من خلال حكومة جديدة موحدة. وثالثاً، حوار مهيكل يتيح المشاركة الواسعة لليبيين لمعالجة القضايا بالغة الأهمية التي يتعين التعامل معها من أجل إيجاد بيئة مواتية للانتخابات وصياغة رؤية مشتركة والتصدي لدوافع الصراع القائمة منذ زمن طويل مع دعم بذل الجهود على المدى القصير لتوحيد المؤسسات وتعزيز الحكم الرشيد في القطاعات الرئيسية.
رغم التحذيرات من عقوبات على معرقلي خارطة الطريق، إلا أن للواقع حقائقه، ومنها أن ليبيا لا تزال محل تنازع قوى إقليمية ودولية، ما يشجع الفرقاء الداخليين على تحديهم لإرادة مجلس الأمن
وقالت تيتيه إن “الخطة ستنفذ تدريجياً وكحزمة واحدة، وأشارت إلى ضرورة التركيز على إجراء عملية متسلسلة ذات مراحل رئيسية، بحيث تُسهّل كل خطوة تنفيذ خارطة الطريق بنجاح من أجل تنظيم الانتخابات الوطنية. ولن أضع جداول زمنية افتراضية، لكنني أرى أن الإطار الزمني الإجمالي المطلوب لإتمام خارطة الطريق التي ستؤدي إلى الانتخابات الوطنية بنجاح يتراوح بين 12 و18 شهراً.”
ويعتمد الإطار المقترح على عدد من الخطوات المتتابعة، أولاها تعزيز قدرة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على إعادة تشكيل مجلس إدارتها لملء المناصب الشاغرة الحالية وضمان استقلالها المالي لتنظيم الانتخابات، على أن يتم بالتوازي مع ذلك تعديل الأطر القانونية والدستورية لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بغية معالجة المسائل الرئيسية التي من شأنها تسهيل إجراء العمليتين الانتخابيتين ومعالجة المشاكل التي ساهمت في عدم إجراء الانتخابات عام 2021.
ورجحت تيتيه أن يتم الانتهاء من هاتين الخطوتين خلال شهرين على أقصى تقدير من الإعلان عن خارطة الطريق، شريطة توافر الإرادة السياسية للقيام بذلك، وهو ما يبدو مفقودا إلى حد الآن، حيث مر شهر دون أي تعبير من الفرقاء عن الاستعداد لإبداء التجاوب مع الخطة الأممية.
وإذ كانت تيتيه قد تحدث عن أهمية أن يكون هناك اتفاق على حكومة موحدة جديدة قادرة على تهيئة بيئة مواتية لإجراء انتخابات ذات مصداقية مع إدارة مهام الحكم الرئيسية بفاعلية، فإن جميع المؤشرات تؤكد على أن سلطات طرابلس غير مستعدة لمناقشة حل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة الساعي بكل قوة إلى التفرد بالحكم وتهميش دور بقية القوى السياسية بما في ذلك المجلس الرئاسي، مع استقواء واضح بالميليشيات والجماعات المسلحة في الداخل ودبلوماسية الصفقات مع الخارج لضمان الاستمرار على رأس السلطة التنفيذية المعترف بها دوليا.
وبحسب المراقبين، فإن خارطة الطريق الأممية استقبلت ببرود واضح من أغلب الفرقاء، إلى حد التجاهل والتهميش، وهو ما يعني أن مصيرها لن يكون أفضل من مصير المبادرات السابقة طالما أن المجتمع الدولي لم يحسم أمره بعد في ما يخص الموقف من معرقلي الحل.
خارطة الطريق الأممية استقبلت ببرود واضح من أغلب الفرقاء، إلى حد التجاهل والتهميش، وهو ما يعني أن مصيرها لن يكون أفضل من مصير المبادرات السابقة
وقالت ستيفاني خوري، نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، إن خارطة الطريق التي قدمتها المبعوثة الأممية إلى ليبيا تيتيه جاءت بعد مشاورات ومباحثات مع كافة الأطراف الليبية، وأن “هناك شروطا مسبقة لتسهيل الوصول إلى الانتخابات، التي غابت عن المشهد الليبي منذ 12 عاما، وهي إعادة هيكلة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بشكل كامل، تتبعها تعديلات القوانين الانتخابية بحسب مقترحات اللجنة الاستشارية، ومن ثم توحيد الحكومة عبر تشكيل حكومة جديدة وهو أمر مليء بالتحديات.”
وكشفت خوري أن المعرقلين للانتخابات ستتم إحالة ملفاتهم إلى مجلس الأمن مع التنسيق مع الدول ذات التأثير المباشر في ليبيا لخلق دعم شامل للعملية السياسية، وفق تعبيرها، بينما أكد مكتب الإعلام والاتصال بالبعثة الأممية أن الخطة الأممية الجديدة تحتوي على ضمانات عملية لتأمين التزام الأطراف الليبية بتنفيذ خارطة الطريق، وزعم أن الإجراءات تشمل إنهاء الفترات الانتقالية، لافتا إلى آليات متعددة لمحاسبة المعرقلين، من بينها فرض العقوبات الدولية.
وأكدت البعثة أنها تعمل بشكل وثيق مع من وصفتهم بالشركاء الدوليين لضمان محاسبة كل طرف يحاول تعطيل العملية السياسية، معتبرة أن حماية الحكومة الجديدة من نفوذ التشكيلات المسلحة هدف محوري في خارطة الطريق، وليس مجرد عنصر ثانوي.
ورغم التحذيرات من تسليط عقوبات على معرقلي خارطة الطريق، إلا أن للواقع حقائقه، ومنها أن ليبيا لا تزال محل تنازع قوى إقليمية ودولية على النفوذ، وهو ما يشجع الفرقاء الداخليين على الاستمرار في عنادهم وتحديهم لإرادة مجلس الأمن. كما أن المجتمع الدولي أثبت أنه لا يلاحق إلا من فقد السلطة أو تخلى عن السلاح، وإلى حد الآن لم يتجرأ على رفع البطاقة الحمراء في وجه مغتصبي الحكم في طرابلس، وإنما يبدو كأنه يستجدي منهم القبول ولو عن استحياء بالتنازل عن بعض مصالحهم الشخصية والاكتفاء بما حققوه من مكاسب مشروعة وأغلبها غير مشروع كما فعل الذين من قبلهم، وفسح المجال للشعب كي يحقق مصلحته الوطنية ببناء دولته وتحقيق نهضته والخروج من دائرة الصراع والمواجهة.