سوق السياحة قرب الأهرامات.. يحلم وينتظر
أدى تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير قرب أهرامات الجيزة إلى إحباط أصحاب المتاجر وشركات السياحة، الذين استعدوا للحدث بآمال كبيرة وانتظار طويل. التأخير المستمر تسبب بخسائر مالية، رغم انتعاش نسبي للسياحة ووعود بافتتاح قريب.
القاهرة ـ في منطقة تعجّ بتاريخ العالم القديم، وعلى مقربة من أهرامات الجيزة، تصطف متاجر صغيرة تبيع تماثيل فرعونية وأوراق بردي وهدايا تذكارية. هذه المتاجر، التي تعوّل بشكل كبير على الزائرين من الخارج، كانت تترقب بفارغ الصبر افتتاح المتحف المصري الكبير، المشروع الضخم الذي يُنتظر أن يعيد رسم الخارطة السياحية في مصر.
طوال الأشهر الماضية، انشغل أصحاب المتاجر بالتحضير للحدث الذي كان من المفترض أن يكون نقطة انطلاق لمرحلة جديدة، تقول منى، صاحبة محل في المنطقة، “اقترضت أموالا لتجديد المحل وشراء بضائع تشبه تلك المعروضة في المتحف”، مضيفة أنها كانت تأمل بتدفق الزبائن مع افتتاح المتحف.
أما محمد ممدوح خطاب، الذي يعمل في قطاع السياحة منذ أكثر من 20 عاما، فاستعد بطريقته الخاصة، من خلال توظيف عمّال إضافيين وتحديث البضاعة، يقول محمد، بينما ينظر إلى دكانه الذي بات أكثر تجهيزا من أي وقت مضى، لكن بلا زبائن، “افتتاح المتحف كان يجب أن يتم قبل وقت طويل”.
المتحف المصري الكبير مشروع مصري يعيد تقديم الحضارة القديمة للعالم في إطار معاصر يتكامل مع الخلفية البصرية لهضبة الأهرامات
ورغم التحضيرات، أتى إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي صادما للكثيرين، إذ أشار إلى تأجيل افتتاح المتحف بسبب “ما يحدث في هذا الوقت في المنطقة”، في إشارة إلى التوترات بين إيران وإسرائيل. وكان من المقرر افتتاح المتحف في الثالث من يوليو، تزامنا مع ذكرى صعود الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم، إلا أن الحكومة ارتأت تأجيل الفعالية “للحفاظ على الزخم العالمي المناسب”.
هذا ليس التأجيل الأول، فالمتحف الذي بدأ العمل عليه مطلع الألفية، تم تأجل افتتاحه عدة مرات بسبب الأوضاع السياسية والأزمات الاقتصادية وجائحة كورونا. وبينما تم افتتاح أجزاء جزئية منه، تبقى أهم كنوزه، مثل مقتنيات الملك توت عنخ آمون، حبيسة المخازن في انتظار اللحظة المناسبة.
والمتحف المصري الكبير، الذي وصفه الرئيس السيسي بأنه “أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة”، يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور الفرعونية. ويمثل المشروع طموحا مصريا لإعادة تقديم الحضارة القديمة للعالم في إطار معاصر وجاذب، يتكامل مع الخلفية البصرية الهائلة لهضبة الأهرامات.
من ناحية اقتصادية، يُعوّل على المتحف في تعزيز قطاع السياحة الذي يشكل نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي راجي أسعد إن المشروع يمثل استثمارا له عائد ملموس، “لأنه يدر عملة صعبة ويستهدف جمهورا عالميا، على عكس مشروعات أخرى لا تحقق دخلا مباشرا من الخارج”.
قرب موقع المتحف، تجد شركة صغيرة تدعى “تايم ترافيل”، كانت قد بنت خططها التسويقية بالكامل حول افتتاح المتحف. تقول نادين أحمد، إحدى العاملات في الشركة، “كل العروض التي صممناها لصيف وخريف 2025 كانت مرتبطة بالافتتاح… الآن خسرنا الآلاف من الدولارات بسبب إلغاء الحجوزات وتعديل الخطط”.

وتعكس قصتها حال العشرات من الشركات الصغيرة والمتاجر التي وضعت آمالها على هذا الحدث، معتبرة إياه نقطة تحول بعد سنوات من التقلبات. وبالفعل، فإن قطاع السياحة المصري بدأ يشهد بوادر انتعاش، حيث استقبلت مصر 3.9 مليون سائح في الربع الأول من 2025، بزيادة 25 في المئة عن الفترة ذاتها في العام السابق.
ورغم كل الخسائر، لا تزال منى وسارة وغيرهما من العاملين في القطاع السياحي يأملون أن يكون الافتتاح المنتظر للمتحف بمثابة ولادة جديدة للسياحة في مصر. “مرت أيام لم أبع فيها سوى إسوارة واحدة”، تتذكر منى، مشيرة إلى سنوات الركود بعد 2011. أما سارة محمود، وهي مرشدة سياحية، فتقول “أحداث مثل نقل المومياوات الملكية أظهرت أن السياح ما زالوا متعطشين لمصر… فقط نحتاج أن نوفي بوعودنا”.
ويبقى المتحف المصري الكبير أكثر من مجرد صرح أثري، إنه وعد قديم تنتظره الآلاف من الأسر العاملة في السياحة، ومشروع وطني يختبر قدرة مصر على تحويل كنوزها التاريخية إلى محركات اقتصادية، في زمن تتشابك فيه الثقافة بالسياسة، والحلم بالانتظار.