سوريا والسعودية: إعادة التوازن الإقليمي

السعودية تمتلك أوراقا كثيرة يمكن أن تستخدمها جعلت إسرائيل تكتشف أنها حتى لو وسّعت من نفوذها سيكون دون عمق بشري متماسك وسيكون توسعًا زائفًا يمكن الانقضاض عليه في أي وقت.
السبت 2025/07/26
لا تفريط في أمن سوريا وسيادتها ووحدتها

بعد القضاء على محور المقاومة نتيجة الحرب التي شنتها حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والتي يعتبرها البعض ردًا على مشروع تعطيل إقامة الدولة الفلسطينية عبر مفاوضات تجري بين السعودية وأميركا من أجل الشروع في تحقيق الممر الهندي الأخضر الذي ينقل الطاقة، وبشكل خاص المتجددة، من منطقة الخليج، التي أصبحت متعطشة للطاقة بشكل خاص بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، خصوصًا بعدما اتخذت أوروبا قرارًا بوقف استيراد الطاقة من روسيا، وليس أمامها بديل سوى دول الخليج الغنية بمصادر الطاقة لتعزيز تنافسيتها الصناعية، وهو ما يعارض مصالح دول كثيرة، منها إقليمية وروسيا بشكل خاص، فلم يكن أمام الدول الغربية سوى القضاء على محور ما يُسمى بالمقاومة التوسعي.

القضاء على هذا المحور، ترك فراغًا إستراتيجيا، لكن سارعت السعودية وتركيا، بدعم من بريطانيا وبمباركة أميركية، إلى تحرير سوريا من نظام بشار الأسد، الذي لم يتمكن من تحقيق مطالب السعودية المتوافقة مع المطالب المصرية بألا يحل محل نظام بشار الأسد نظام يتبع التيار الإسلامي. وبسبب تشرذم المعارضة وعدم وجود قيادات جاهزة لملء الفراغ، قد يجعل ذلك بعض الدول العربية غير راضية عن هذه الحكومة الجديدة، لكن سارعت دول الخليج، بقيادة السعودية، إلى دعم سوريا الجديدة، ووقّعت الإمارات وقطر اتفاقيات معها.

ترى السعودية في سوريا أنها الضمير الغائب في معادلة القرار العربي، ولن تتهاون في التفريط بأمن سوريا وسيادتها ووحدتها، واعتبرت أن التساهل مع التدخلات الإسرائيلية داخل المشهد الدرزي ليس مسألة داخلية، بل تفريط في الأمن العربي، خصوصًا بعد عودة سوريا بعد طول انتظار. ولن تسمح لوكلاء إسرائيل، أيًا كانوا، تحت ستار الطائفية وحماية الأقليات، بتحويل سوريا إلى ساحة مكشوفة أمام الردع الإسرائيلي، الذي تولى القضاء على محور المقاومة التوسعي بمساندة غربية.

◄ السعودية تظهر كلاعب هادئ في سوريا، لكنه مؤثر، يستثمر في منطقة حساسة لإعادة التموضع في معادلة إعادة توازن الشرق الأوسط، بعيدًا عن منطق الصدام وموازين القوى التقليدية

تعتبر السعودية سوريا خطًا أحمر بالنسبة إلى إسرائيل، وتعاملت حكومة أحمد الشرع مع التدخل الإسرائيلي بحجة حماية الأقلية الدرزية في السويداء بحكمة واتزان، وتقديرًا لموازين القوى. بعدما أرسلت الجيش السوري إلى السويداء لنزع فتيل صراع داخلي، هددت إسرائيل بسحب حكومة الشرع لجيشها من السويداء، فاحترمت حكومة أحمد الشرع موازين القوى وأمرت بسحب القوات، لكنها استخدمت ورقة العشائر، حيث زحفت نحو 41 قبيلة إلى السويداء، في ورقة بلورت رسالة تحذيرية لإسرائيل، استُخدمت لأول مرة في تاريخ المنطقة بذكاء.

ترسل السعودية رسالة لإسرائيل بأن مستقبلها مرهون بإقامة دولة فلسطينية، ولن تستطيع استغلال الانكشاف الإستراتيجي أو التمدد ظنًا أن هناك فراغات. لكنها اكتشفت، بعد زحف العشائر إلى السويداء، أنه لا يوجد فراغ إستراتيجي في المنطقة أو انكشاف، وأن هناك دولًا إقليمية، على رأسها السعودية، مسؤولة عن إعادة التوازن إلى المنطقة، ولها علاقات دولية، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة وأوروبا، استطاعت استخدام القوة الناعمة في وقف ملء هذا الفراغ.

لدى السعودية أوراق كثيرة يمكن أن تستخدمها وقت الأزمات، جعلت إسرائيل تكتشف أنها، حتى لو وسّعت من نفوذها، سيكون دون عمق بشري متماسك، وسيكون توسعًا زائفًا يمكن الانقضاض عليه في أيّ وقت. بل إن توسعها سيكون مجازفة قاتلة، ولا تستطيع الأقليات حمايتها، والأقليات غير قادرة على حماية نفسها إذا رفضت أن تكون تحت المظلة الوطنية، بل تعطي إسرائيل فرصة لقابليتها للضرب في الخاصرة. وهي تدرك أنها دولة بنيت على الحذر والحيطة وحماية دولية، فهي دولة ولدت على القلق الأمني، زرعها الغرب وأكد لها الحماية المفتوحة، فهي لا تمتلك أدوات تعبئة، ويعتبر ترف الانتشار غير المحسوب. وتتعرض أطرافها إلى نزف مزمن، وهي تدرك ذلك، وتتحول جغرافيتها التوسعية من مكسب إلى عبء. ولن تستطيع ضبط الفوضى، لأن دول المنطقة تنظر إليها على أنها جزء من هذه الفوضى، حتى لو رأت في نفسها أنها قامت بالقضاء على محور المقاومة التوسعي بموافقة دولية، ما جعلها ترى أنها راكمت حضورًا. لكن الإستراتيجيين من داخل إسرائيل يدركون أن هذا الحضور مزيف، لأنه لا يملك وسائل تثبيته، وبسط نفوذ لا تملك إسرائيل القدرة على حمايته. بل يرون أنها تزرع عوامل انهيارها بيدها، فيما تضبط الفوضى في المنطقة الدول الإقليمية الفاعلة، وعلى رأسها السعودية وتركيا.

النفوذ السعودي – الخليجي، الذي أتى من بوابة الاقتصاد، يمتد إلى سوريا بعد جمود اقتصادي لفترة طويلة جدًا. المفارقة اللافتة جاءت مع تدشين برج الجوهرة، الهدية من السعودية، كنقطة جذب اقتصادي. فالسعودية تظهر كلاعب هادئ في سوريا، لكنه مؤثر، يستثمر في منطقة حساسة لإعادة التموضع في معادلة إعادة توازن الشرق الأوسط، بعيدًا عن منطق الصدام وموازين القوى التقليدية.

 

اقرأ أيضا:

     • السعودية: في سوريا ما يستحق الرهان

8