رهان تونسي متزايد على التعليم الخاص

 وزارة التربية: ارتفاع عدد المؤسسات التربوية الخاصة إلى 811 مؤسسة.
الخميس 2025/09/18
فضاءات محفّزة على الدراسة

تراهن العائلات التونسية أكثر من أي وقت مضى على دور المؤسسات التربوية الخاصة، في رعاية أبنائها وتحسين نتائجهم الدراسية، وهو ما جعل عدد تلك المؤسسات يتزايد في مختلف مناطق البلاد، مقابل تراجع الإقبال على المؤسسات التعليمية العمومية.

تونس - تزايد إقبال التونسيين على تدريس أبنائهم بالمؤسسات التربوية الخاصة في السنوات الأخيرة، في مسعى لتوفير أفضل الظروف التعليمية والنفسية الممهدة للنجاح والتألق في مسيرتهم.

ويقول مراقبون إن “الهروب” من مؤسسات التعليم العمومي إلى المدارس الخاصة مردّه بالأساس توفر البنية التحتية الملائمة من مؤسسات وتجهيزات، فضلا عن استقطاب هذا القطاع لكفاءات تربوية نوعية قادرة على مساعدة التلاميذ على بلوغ مراتب جيدة ومتميزة.

ويضيفون أن المؤسسات التعليمية الخاصة لم تعد جاذبة للتلميذ فقط، بل يراهن الآباء والأمهات خصوصا ممن يشتغلون كامل ساعات النهار، على إيواء أبنائهم في مؤسسات مناسبة من شأنها أن توفّر لهم فضاء تربويا وعائليا وترفيهيا على غرار المعارف والألعاب.

ونشرت وزارة التربية على صفحتها الرسمية القائمة المحيّنة للمدارس الابتدائية الخاصة المتحصِّلة على تراخيص.

محمد الناكوع: التعليم الخاص يتجه نحو إلغاء التعليم العمومي
محمد الناكوع: التعليم الخاص يتجه نحو إلغاء التعليم العمومي

وأظهرت البيانات أن عدد هذه المؤسسات بلغ 811 مدرسة ابتدائية خاصة مقابل 774 مؤسسة في العام الماضي أي بزيادة بـ37 مؤسسة.

وتقول وزارة التربية إن أغلب المدارس الابتدائية الخاصة تقع في العاصمة (شمال) على مستوى مندوبيتي تونس 1 و تونس 2 بـ125 مؤسسة تليها ولاية بن عروس بـ82 مؤسسة وولاية أريانة بـ66 مؤسسة (أو ما يعرف بإقليم تونس الكبرى).

في المقابل، أشارت البيانات إلى حضور ضعيف للمدارس الابتدائية الخاصة في بعض الجهات الداخلية إذْ لا يتجاوز عددها 3 مؤسسات في ولايتي الكاف (شمال غرب) وتطاوين (جنوب) و7 مدارس في سليانة (شمال غرب) و9 في باجة (شمال غرب) حسب ما ورد بالقائمة الرسمية المنشورة من قبل وزارة التربية.

ويرى خبراء وأكاديميون، أن التعليم الخاص في تونس هو قطاع متنامٍ يهدف إلى توفير بدائل للتعليم العمومي. وقال محمد الناكوع الدكتور في علم الاجتماع “المواطن أجبر على الهروب إلى التعليم الخاص، نظرا إلى تراجع العوامل المتعلقة بالتعليم العمومي، وخصوصا الإضرابات التي تعطّل مصالح التلميذ.”

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “التوظيف في مؤسسات التعليم العمومي لا يخوّل للمدرس الالتحاق بالتعليم إلا بعد نجاحه في مناظرة وطنية، والفترة النيابية (المؤقتة) التي قضاها لا تكفي لتجعل منه مدرسا متمكنا تربويا وأكاديميا، كما أنه توجد خصوصيات للتعليم الابتدائي (تعليميا، نفسيا، معرفيا)”.

وتابع محمد الناكوع “هنالك مؤسسات لها تقاليد ولها فكر استثنائي في التربية، والتعليم الخاص أصبح واقعا في تونس ويخطو خطوات جدية نحو إلغاء التعليم العمومي، نظرا إلى غلاء أسعار اللوازم المدرسية وتزايد الدروس الخصوصية،” لافتا إلى أن “الولي أصبح يبحث عن الرفاه التعليمي وخاصة الفضاءات والألعاب، وهذه المؤسسات لا يمكن مقارنتها بمؤسسات التعليم العمومي المهترئة.”

وأشار دكتور علم الاجتماع إلى أن “هنالك ما بين 500 و600 مدرسة عمومية في تونس تفتقر للماء الصالح للشراب.”

وهنالك تركّز كبير في تونس الكبرى (العاصمة ومحافظات بن عروس وأريانة ومنوبة) وارتفاع في عدد التلاميذ المسجلين بمدارسه في السنوات الأخيرة، وهو ما يفسّر بالثقة المتزايدة لدى الأولياء في هذا القطاع رغم انتقادات تتعلق بالانتقائية الطبقية وتكلفته المالية. 

ويعاني قطاع التعليم العمومي من وضع سيء للبنية التحتية مع نقص في أعداد المدرسين، ما جعل عائلات تونسية رغم الصعوبات المالية تلجأ إلى التعليم الخاص.

ويرى المتابعون أن هناك شعورا بعدم الثقة في المنظومة العمومية وتراجع مستوى التعليم فيها، ما يدفع الأولياء للبحث عن بدائل خاصة لأبنائهم. 

كما تقدّم المدارس الخاصة برامج متنوعة وتعد ببيئة تعليمية ذات جودة أعلى وبنية تحتية متطورة. 

إيمان بن دعدوش: المدرسة أصبحت سوقا يخضع للعرض والطلب
إيمان بن دعدوش: المدرسة أصبحت سوقا يخضع للعرض والطلب

وأكدت إيمان بن دعدوش، أستاذة وباحثة في علم الاجتماع، أنه ” سجلنا توافدا كبيرا على المؤسسات التعليمية الخاصة، وهذا اختيار من الأولياء في ظل المنافسة الكبيرة بين القطاعين العام والخاص.”

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن ” نلحظ تزايدا في عدد المؤسسات الخاصة كل سنة وفي مختلف أنحاء البلاد، والمدرسة أصبحت سوقا يخضع للعرض والطلب، والطبقة الوسطى في تونس التي يشتغل فيها الآباء والأمهات تجد عرضا ملائما لأبنائها  من المؤسسة التربوية الخاصة، نظرا إلى توفر الأنشطة، والمراقبة وخصوصا وجود نوع من الطمأنينة والراحة النفسية في تلك الفضاءات.”

ولفتت بن دعدوش إلى أن “الاكتظاظ في المدارس العمومية لا يتوفر في المدارس الخاصة، كما أنه تكوّن نوع من الوعي لدى الأولياء بأن التفوق في الدراسة مرتبط بالمدارس الخاصة.”

وتسعى السياسات الحكومية إلى توجيه الاستثمار نحو التعليم الخاص، ما ساهم في تسهيل الإجراءات وتوسّع نطاق هذه المؤسسات. 

ولم يعد التعليم الخاص حكراً على الطبقات الغنية، بل توسع ليشمل طبقات أخرى من المجتمع، وخاصة الطبقة الوسطى. 

وأظهرت نتائج امتحانات البكالوريا الأخيرة تراجعًا في نسب النجاح في المدارس الخاصة مقارنة بالقطاع العمومي في بعض السنوات، ما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية التعليم الخاص في تحقيق شعاراته.

2