خطة إصلاحية جزائرية تستهدف الإعلام تصطدم بالواقع
الجزائر- قلل خبراء من تصريحات وزير الاتصال الجزائري، زهير بوعمامة، التي أبرز فيها ضرورة تحويل الإعلام إلى "أداة استراتيجية"، من خلال خطة إصلاحية طموحة.
وأكد و بوعمامة، في احتفالية اليوم الوطني للصحافة بالجزائر العاصمة يوم 23 أكتوبر 2025، التزام الدولة بتحويل الإعلام الوطني إلى منصة قوية تنقل الرسالة الجزائرية قارياً ودولياً، من خلال خطة إصلاحية طموحة تركز على تطوير القدرات المهنية والتقنية للصحفيين، وتسخير الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية لمواجهة الحروب الإعلامية والشائعات، مع تعزيز التعاون بين المؤسسات العمومية والخاصة. وأشار إلى إبرام اتفاقيات لتبادل المحتوى مع هيئات إعلامية أفريقية في إطار فعاليات مثل معرض IATF-2025، بهدف زيادة الحصة الإعلامية الجزائرية في أفريقيا من 5% إلى 15% بحلول 2030، مع إنتاج برامج بلغات متعددة لتعزيز الجاذبية الإقليمية. كما شدد على مراجعة التشريعات لتنظيم المحتوى الرقمي، ودعم القنوات الخاصة من خلال تحرير سوق الإعلانات، مع ربط الدعم الحكومي بحقوق الصحفيين، لضمان إنتاج محتوى هادف يعكس الهوية الوطنية ويدعم التنمية الاقتصادية.
في سياق آخر، كشف بوعمامة أنه تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، سيتم عقد اجتماع وزاري مشترك تحت إشراف الوزير الأول، يضم وزارات الاتصال والسكن والمالية، من أجل متابعة مشروع إنجاز "دزاير ميديا سيتي"، باعتباره أحد المشاريع الكبرى الموجهة لتطوير البنية التحتية الإعلامية الوطنية.
كما شدد الوزير على أهمية التكوين والتأهيل الإعلامي، مشيرا إلى عزم الوزارة فتح المجال أمام إعلاميين جزائريين بارزين في القنوات الدولية لتنظيم دورات تكوينية لفائدة الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام الوطنية، قصد تعزيز قدراتهم المهنية.
وبخصوص اقتراح استحداث مديريات ولائية للاتصال، أوضح بوعمامة أن الوزارة شكلت فوج عمل لإعداد تصور شامل حول هذا المقترح، بهدف تعزيز الإعلام الجواري، مضيفا أن الحكومة بصدد اعتماد استراتيجية وطنية للارتقاء بالاتصال المؤسساتي، بلغت مرحلة إعدادها المتقدمة بنسبة 90%.
لكن هذه الطموحات الرسمية تصطدم بواقع معقد يعيق انتشار الإعلام الجزائري قارياً وإقليمياً، حيث يعاني القطاع من تحديات هيكلية عميقة تؤدي إلى ضعف تأثيره.
وتمثل الأزمات المالية تمثل عائقاً رئيسياً، إذ تسيطر الحكومة على 70% من سوق الإعلانات، مما يترك أكثر من 50 قناة تلفزيونية خاصة في عجز مالي مستمر، ويحد من قدرتها على إنتاج محتوى تنافسي يجذب الجمهور الأفريقي، حيث لا يتجاوز الانتشار الجزائري 2% في القارة مقارنة بـ20% للإعلام المغاربي، مثل القنوات المغربية (2M) أو المنصات المصرية. هذا النقص المالي يمنع الاستثمار في التقنيات الحديثة، مثل استوديوهات البث عالي الجودة أو منصات البث المباشر، مما يجعل القنوات الجزائرية أقل جاذبية مقارنة بالإعلام الغربي أو حتى الإعلام النيجيري الذي يهيمن على أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة مشاهدة تصل إلى 30%.
كذلك، تشكل القوانين الرقابية عائقاً كبيراً، حيث يفرض القانون العضوي للإعلام، بمواده الـ55، قيوداً صارمة، مثل حظر استثمارات مزدوجي الجنسية في القطاع وفرض عقوبات على "الأخبار الكاذبة" أو "الإساءة إلى الرئيس".
وتقلل هذه القيود، رغم تحسن ترتيب الجزائر إلى 126 في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025 وفق مراسلون بلا حدود، من ثقة الجمهور الإقليمي والقاري، الذي يفضل مصادر أكثر انفتاحاً مثل "الجزيرة" أو "بي.بي.سي"، حيث يصل تأثير هذه المنصات إلى 40% من المشاهدين في أفريقيا.
كما يعاني الإعلام الجزائري من نقص حاد في المهارات الرقمية، رغم أن 70% من الجمهور الشاب يعتمد على منصات مثل تيك توك ويوتيوب كمصادر أساسية للأخبار والترفيه. هذا النقص يعزز انتشار الشائعات والمحتوى غير الموثوق، ويحد من قدرة القنوات الجزائرية على المنافسة في الفضاء الرقمي، حيث يصل المحتوى الجزائري إلى 5% فقط من الجمهور الأفريقي عبر المنصات الرقمية، مقارنة مثلا بـ40% للإعلام المصري الذي يستفيد من استثمارات في البث الرقمي. كما أن غياب استراتيجية لغوية شاملة، تشمل لغات مثل الإنجليزية أو البرتغالية، يقيد الوصول إلى أسواق أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تهيمن القنوات الناطقة بالإنجليزية مثل نيجيريا أو جنوب أفريقيا.
وتشكل التوترات السياسية مع دول الجوار، خاصة المغرب، تشكل عائقاً آخر، حيث تعيق الخلافات الدبلوماسية التعاون الإعلامي الإقليمي، مما يجعل مشاهدة القنوات الجزائرية في المغرب لا تتجاوز 8%، بينما يصل الإعلام المغربي إلى 25% من المشاهدين في الجزائر. هذا الوضع يضعف القدرة على بناء شبكة إعلامية مغاربية موحدة، مما يقلل من التأثير في دول مثل تونس أو ليبيا.
كما يفاقم تدهور أوضاع الصحفيين هذه التحديات، حيث يشكو 61% من العاملين في القطاع من ضغوط حكومية، وفق استطلاعات محلية، إلى جانب تسريحات وانخفاض رواتب رغم زيادات طفيفة في 2025، مما يؤدي إلى تراجع جودة المحتوى وفقدان الكفاءات إلى أسواق إعلامية أكثر انفتاحاً في المنطقة.