حماس تهدد صحفيي غزة بالقتل إذا حادوا عن روايتها الرسمية

انتهاكات حرية الصحافة التي ارتكبتها حماس خلال الحرب لم تغط بشكل كاف.
الجمعة 2025/10/17
رأي لا يسمعه أحد

يتعرض الصحفيون في غزة للتهديد من جميع الجهات. على مدار عامين، قتل الجيش الإسرائيلي ما يقرب من 200 صحفي. والآن، تبرز تهديدات حماس للصحفيين الفلسطينيين الذين يؤدون عملهم بشجاعة رغم المخاطر الهائلة.

غزة - أصبحت محاولات حماس للسيطرة على الرواية الإعلامية أكثر وضوحاً، في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد قمة شرم الشيخ في 13 أكتوبر الحالي. وتلقى الصحفيون في غزة تهديدات مباشرة بالاعتقال والاعتداء، أو حتى القتل إذا انحرفوا عن رواية "النصر" التي تروج لها الحركة.

هذه السيطرة ليست جديدة، بل تعتمد على آليات داخلية مثل استخدام "فصائل المقاومة" تهمة "الخيانة" لإدانة الاحتجاجات ضد حماس، ما يعزز الخوف ويحد من التغطية المستقلة لإعادة الإعمار أو الانتقادات الداخلية.

ووثقت تقارير من منظمات مثل اللجنة لحماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود هذه الضغوط، مع تصريحات من مسؤولين وصحفيين تكشف عن التهديدات اليومية.

وأعربت منظمة مراسلون بلا حدود عن تضامنها مع صحفيي غزة، وأدانت هذا الترهيب، وتدعو إلى حماية الصحافة التي تتعرض لاعتداءات من جميع الجهات.

حركة حماس تستخدم تهمة "الخيانة" لإدانة احتجاجات الغزاويين ضدها، ما يعزز الخوف ويحد من التغطية الإعلامية

وقال صحفي غزاوي طلب عدم الكشف عن هويته، في تقرير صادر في أوائل أكتوبر "تلقيت تهديداً بالقتل من أعضاء حماس غير راضين عن منشوراتي على وسائل التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أنه اضطر إلى حذف المنشورات خوفاً على سلامته بعد تغطيته للاحتجاجات النادرة ضد الحركة. أضاف الصحفي أن "مرافق الاعتقال والمكاتب الإدارية في غزة دُمرت"، لكن التهديدات من حماس استمرت رغم الدمار الإسرائيلي، مما يعكس استخدام الحركة للإعلام كأداة للحفاظ على السيطرة الداخلية.

وقبل أيام قليلة، نشر الصحفي منشورًا ينتقد حماس، التي تواجه ردود فعل عنيفة من المتظاهرين المحليين المنهكين من المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية.

وواجه صحفيان آخران على الأقل تهديدات واعتداءات جسدية بسبب تغطيتهما للاحتجاجات ضد حماس، والتي استمرت عدة أيام. وصرح أحد الصحفيين لمنظمة مراسلون بلا حدود "دُمّرت مراكز الاحتجاز والمكاتب الإدارية في غزة". وأضاف: "وبالتالي، فإن أساليب الترهيب التي تنتهجها حماس تتمثل الآن في مواجهات مباشرة مع الصحفيين، ولم يعد أمام الصحفيين أي مكان يلجؤون إليه".

يلخص التصريح الواقع الذي يواجهه الصحفيون، حيث أصبحت غزة "سجناً إعلامياً مزدوجاً"، كما وصفته منظمة مراسلون بلاحدود، مع قمع داخلي يعيق توثيق تنفيذ الاتفاق. تُضاف هذه الضغوط إلى المخاطر اليومية التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون في غزة.

ومنذ بدء هجومه، قتل الجيش الإسرائيلي ما يقرب من 200 صحفي، لقي 43 منهم على الأقل حتفهم أثناء تغطيتهم للأحداث. كما استُهدفت غرف الأخبار، وقُصفت منازل الصحفيين، ولا تزال حدود القطاع مغلقة. 

وفي تقرير لجنة حماية الصحفيين الصادر في 15 مايو 2025، وُثق تصريح من الصحفي توفيق أبو جراد، مراسل إذاعة "صوت الحرية" في رام الله، الذي تلقى مكالمة هاتفية من عميل أمني لحماس في 27 أبريل 2025 يحذره من تغطية مظاهرة نسائية ضد الحرب في بيت لاهيا. قال أبو جراد "امتثلت فوراً، بعد أن تعرضت سابقاً لاعتداء من قوات تابعة لحماس"، مشدداً على أن الخوف من اتهامه بالتجسس لإسرائيل مبرر تماماً، خاصة مع بيان صادر عن "الفصائل الفلسطينية المقاومة" (التي تشمل حماس) يدين المتظاهرين كـ"متعاونين مع إسرائيل"، وهو اتهام يُستخدم لتبرير الإعدامات.

أضاف صحفي آخر مجهول "أخشى تغطية الاحتجاجات غير العادية، لأن حماس قد تتهمني بالتجسس"، مع الإشارة إلى تتبع عملاء الأمن للصحفيين أثناء عملهم، مما يفرض رقابة ذاتية ويحد من التغطية إلى "الجوانب التي لا تمانع حماس" مثل معاناة الهجمات الإسرائيلية دون ذكر دور الحركة.

وقال مسؤول أمني داخلي لحماس، لنيويورك تايمز في 15 أكتوبر 2025، إن فيديو نشر في غزة يظهر مقاتلي الحركة يعدمون منافسين فلسطينيين مقنعين ومكفوفي الأعين في غزة سيتي، هو جزء من حملة لإعادة تأكيد السيطرة بعد الحرب. وقال المسؤول "الفيديو يظهر تنفيذ المنافسين الفلسطينيين"، مشيراً إلى تحذير وزارة الداخلية لحماس لـ"عصابات إجرامية" تهدد "السلام المدني"، مع عرض عفو لمن يستسلمون، وتهديد بالعواقب لمن لا يفعلون.

يرتبط التصريح بتقارير عن قمع دموي للمنافسين، بما في ذلك الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات، حيث خسرت حماس قادة كبار وآلاف المقاتلين، مما دفعها لاستخدام الإعلام لتصوير نفسها كـ"قوة مهيمنة" رغم الخسائر.

من جانب آخر، دعت منظمة مراسلون بلاحدود، إلى وقف التهديدات، مقتبسة تصريحاً من صحفي غزاوي "الآن، وسط الغارات الجوية المستمرة، حماس تهدد الصحفيين الفلسطينيين الذين يقومون بعملهم بشجاعة رغم المخاطر الهائلة"، محذرة من أن "التهديدات من حماس يجب أن تتوقف فوراً"، إلى جانب إنهاء "مذبحة الصحفيين والحصار الإسرائيلي". 

غالبًا ما توثق هجمات حماس على وسائل الإعلام داخليًا، دون الإعلان عنها، خوفًا من الانتقام

صرح ناصر أبو بكر، رئيس نقابة الصحفيين الفلسطينيين، للجنة حماية الصحفيين أن "هناك انتهاكات جسيمة ترتكبها حكومة حماس وجماعتها ضد الصحفيين. وتتراوح هذه الانتهاكات بين الاستدعاءات والاستجوابات والمكالمات الهاتفية والتهديدات، وأحيانًا الضرب والاعتقالات، والمضايقات وحظر النشر والتدخل في المحتوى والمراقبة".

كانت حرب غزة الفترة الأكثر دموية للصحفيين، حيث قُتل فرابة 200 صحفيا في غزة خلال عامين.

في الوقت نفسه، لم تُغطَّ انتهاكات حرية الصحافة التي ارتكبتها حماس خلال الحرب بشكل كافٍ.

وأفادت جمعية الصحفيين الفلسطينيين للجنة حماية الصحفيين أن الجمعية غالبًا ما توثق هجمات حماس على وسائل الإعلام داخليًا، دون الإعلان عنها، خوفًا من الانتقام. وفي حالات أخرى، يسمع موظفو الجمعية عن الأحداث من مصادر غير مباشرة لأن الصحفيين يخشون الإبلاغ عنها.

وصرح نائب رئيس نقابة الصحفيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، أن الصحفيين الفلسطينيين يترددون في تسليط الضوء على مشاكلهم الخاصة، مدفوعين برغبة جماعية في عدم "تحويل الأنظار عن الحرب في غزة"، التي اعتبروها قصة أكثر إلحاحًا. وأضاف "بدأ معظم الصحفيين بممارسة الرقابة الذاتية في كتاباتهم لتجنب أي مشاكل أمنية".

5