حقوق الصحافيين اليمنيين ضائعة بين التشريع المتهالك وضعف القضاء

نصوص قانون الصحافة والمطبوعات واللوائح المرتبطة به لم تعد تستجيب للواقع اليمني والتطورات.
الخميس 2025/08/28
قصور تشريعي تسبب في زيادة الانتهاكات

يعجز الإطار التشريعي المتهالك في اليمن عن ضمان الحق في التعبير والصحافة، كما أن السلطة القضائية جُرِدت من استقلالها وحياد قضاتها، وأمام هذا الواقع يواجه الصحافيون الانتهاكات دون حماية أو رادع قانوني يتيح لهم ممارسة العمل.

صنعاء - تعرض الحق في حرية التعبير والصحافة للعديد من الانتهاكات المتزايدة في اليمن، حيث تتداخل أسبابها بين إطار تشريعي متهالك يعجز عن حماية هذه الحريات، وسلطة قضائية جُرِدت من ضمانات استقلالها وحياد قضاتها ما جعل الصحافيين اليمنيين يعانون في أداء مهمتهم الإعلامية أو يهجرونها.

ورصدت دراسة بحثية للمنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين “صدى”، المعوقات الرئيسية للدفاع عن الحق في التعبير والصحافة وسبل حمايته، وأكدت أنها تتمثل في التحديات الموضوعية الناتجة عن قصور النصوص التشريعية المؤطرة لحق التعبير والصحافة، والتحديات العملية التي يفرضها عجز القضاء عن توافر الضمانات اللازمة التي تتطلبها آليات الدفاع القانونية عن حرية التعبير. ويؤطر التشريع اليمني حق التعبير من خلال النص الدستوري وبعض القوانين ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالحق في التعبير، إضافة إلى بعض الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها اليمن.

لكن المنظومة التشريعية نفسها تعاني الكثير من جوانب القصور الذي يتخذ صورتين هما الفراغ التشريعي في حالة عدم وجود النص، أو النقص التشريعي في حالة عدم كفاية النص، أو خلل الصياغة التشريعية. وكذلك هناك حالة أخرى تتمثل في وجود النص الذي لم يعد يتناسب مع الواقع ولا يحقق غاية القانون، ولذلك لا بد من تعديل النص وتطويره في الحالتين.

وتكررت مطالب الصحافيين والوسط الإعلامي وحتى بعض القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني بضرورة معالجة القصور التشريعي، وقد باتت الآن أكثر إلحاحا بعد أن تسبب ذلك القصور في زيادة الانتهاكات، خاصة وأن تفعيل منظومة الدفاع عن الحق في التعبير والصحافة مرتبط واقعيا بالقضاء، على اعتبار أنه حامي الحقوق والحريات والقائم على ضمان ممارستها.

◙ مطالب الصحافيين والوسط الإعلامي وحتى بعض القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني تكررت بضرورة معالجة القصور التشريعي

وقالت الدراسة إن القضاء نفسه يحتاج إلى تفعيل العديد من الضمانات الجوهرية للقيام بمهمته في تحقيق الحماية اللازمة للحق في التعبير، وتتنوع بين ضمانات تتعلق بالهياكل البنيوية للقضاء باعتباره سلطة لا بد أن تتوافر لها مقومات الاستقلالية الموضوعية في مواجهة بقية السلطات، والاستقلالية الذاتية في إطار المؤسسة القضائية والحياد في مواجهة النفس على المستوى الشخصي للقضاة، إضافة إلى الضمانات التي تتعلق بالمحاكمة ذاتها التي يلزَم فيها القضاة بتجسيد واجبهم الرئيسي في حماية الحقوق والحريات.

وتوصلت الدراسة إلى العديد من النتائج أبرزها ما يتعلق بالإطار التشريعي المتهالك المنظم للحق في التعبير والصحافة والذي يعاني القصور الكلي (الفراغ التشريعي) الذي يتجسد في عدم وجود نصوص تنظم الإعلام الرقمي أو الإعلام المرئي والمسموع. ويظهر القصور الجزئي في بعض القوانين المرتبطة بالحق ومنها قانون الحق الفكري وقانون المظاهرات وقانون الاتصالات، وخلل الصياغة التشريعية في بعض النصوص التجريمية المرتبطة بالحق سواء الواردة في القانون الموضوعي العام أم القوانين الخاصة.

ويتجلى القصور الغائي في نصوص قانون الصحافة والمطبوعات واللوائح المرتبطة به الذي لم يعد يستجيب للواقع الذي تجاوزه من عدة أبعاد في الزمن والوقائع، وخاصة مع وجود العديد من المشاريع لاستبداله، مما يؤكد إجماع السلطة والقوى السياسية على عدم قدرته على التعاطي مع غايات القانون وواقع الصحافة.

وفي ما يتعلق بالمعطى العملي لحرية التعبير والصحافة، فإنها تتعرض لانتهاكات جسيمة من قبل السلطة وخصوصا سلطة الأمر الواقع في صنعاء (جماعة الحوثي)، والتي أحكمت الخناق على المجتمع ومنعت كل تعبير مخالف لتوجهها الأوحد، ويتجلى ذلك من خلال التقارير الحقوقية والدولية والميدانية لضحايا الانتهاكات.

ومن خلال الأحكام القضائية الصادرة في حق بعض الصحافيين والمعارضين سياسيا أو فكريا للجماعة منذ 2015، تتضح بشاعة الإجراءات المرتكبة في حق الضحايا بدءا من تاريخ القبض، أو الاختطاف، أو الإخفاء القسري والتي استمرت في حق بعضهم لسنين، في حين أن القانون يشترط ألا تتجاوز 24 ساعة، ثم تحال إلى النيابة، وأول تلك الوقائع اختطاف تسعة صحافيين في يونيو 2015، وآخرها واقعة اعتقال الصحافي محمد المياحي 2025.

وبين الواقعتين سلسلة طويلة تتجاوز المئات من القضايا التي أحيلت إلى المحاكمة بخلاف القضايا التي لم تصل أو الضحايا الذين لقوا حتفهم خلال مراحل الاحتجاز الطويلة، إضافة إلى ما يرافق تلك المراحل من حرمان من كل الحقوق الإنسانية والتعذيب الوحشي الذي رفضت المحاكم في أحيان كثيرة التحقيق في الوقائع الخاصة به.

وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع من السلطة القضائية، التي جُرِدت من ضمانات استقلالها وحياد قضاتها، وأصبحت أداةً بيد سلطة الأمر الواقع التي أقصت القضاة المستقلين وعينت القضاة المحسوبين عليها على أساس عنصري أو حسب درجة الولاء لفكر الجماعة، وخصوصا في المحكمة الجزائية المتخصصة التي أصبحت في حكم السيف المسلط على ضحايا حق التعبير والصحافة، وتقوم بمحاكمات تفتقر لأدني مبادئ المحاكمة العادلة ولا تُضمن فيها أي من حقوق الدفاع الفعلية.

◙ يتوجب على القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن تكثف جهودها وتبذل كل ما بوسعها لنشر وتوثيق كافة وقائع الانتهاكات 

وتوصلت الدراسة إلى العديد من التوصيات المتعلقة بالجانب التشريعي منها تعديل نصوص الدستور المتعلقة بالحق في التعبير، مع الإشارة إلى أهمية الأخذ بالاعتبار لما ورد في مسودة دستور اليمن الاتحادي 2014، باعتباره صياغة جديرة بتجسيد الحماية الفعلية للحق في التعبير ودسترة الحق في الإعلام وحماية الصحافة وضمان حق التعبير للشخص المعنوي والطفل، وبما يتلاءم مع متطلبات الواقع اليمني وخصوصياته.

كما تضمنت التوصيات التنصيص على مكانة الاتفاقيات الدولية في الهيكل التشريعي اليمني، لضمان آليات تفعيلها وطنيا، والمصادقة على بعض الاتفاقيات الدولية التي تعزز الدفاع عن الحق، وإعادة إصدار العديد من القوانين المستجدة أو البديلة للقوانين مستوجبة الإلغاء مع الأخذ في الاعتبار بعض المشاريع القابلة للتطوير.

ويتوجب على القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني كافة أن تكثف جهودها وإن اختلفت توجهاتها السياسية أو الفكرية وأن تبذل كل ما باستطاعتها لنشر وتوثيق كافة وقائع الانتهاكات أيا كان مرتكبها، وإطلاع الرأي العام على حقيقة ما يجرى، بما يسهم في تعرية الجناة، وخلق ثقافة مجتمعية تنتصر لحقوق الضحايا خصوصا أن حق التعبير يتعلق بكل شخص في المجتمع، وكذلك تبني الدعم القانوني للصحافيين والنشطاء وتوفير المساعدة القانونية للمعتقلين والدفاع عنهم أمام القضاء، ونشر الأحكام القضائية ودعم الدراسات المتخصصة بنقدها وبيان الانتهاكات التي تقع قبل المحاكمة أو خلالها.

وأوصت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين السلطة التنفيذية بالوقف الفوري لممارسة الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، والإفراج الفوري عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفيا في قضايا حرية التعبير، ونشر قوائم رسمية بالمحتجزين والمخفيين قسرا، وإتاحة وصول الوكالات الإنسانية إليهم وإعلام أهاليهم، والتحقيق في كافة حوادث التعذيب المبلغ عنها وفقا للمعايير الدولية، واتخاذ تدابير فورية لمحاسبة المسؤولين وإيقاف أفراد قوات الأمن المتورطين في الانتهاكات، وتقديم الجناة للمحاكمة، وتوفير سُبل الإنصاف للضحايا.

5