ثلثا الأميين في العالم من الإناث.. أزمة عالمية لا يمكن تجاهلها
يشهد العالم أزمة تعليمية عالمية متفاقمة للنساء النصيب الأكبر منها خاصة في العالم العربي بسبب النزاعات والحروب التي ساهمت أيضا في حرمان جيل من التعليم، بينما يشكل محو الأمية أساساً هاماً لاكتساب معارف ومهارات وقيم لتعزيز ثقافة سلام دائم قائمة على احترام المساواة وعدم التمييز.
باريس - رغم ارتفاع معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، لا يزال 739 مليون شخص بالغ في العالم أميين، ثلثاهم من النساء، وفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، للعالم العربي نصيب منها خصوصا في مناطق الحروب والأزمات.
وأفادت اليونيسكو في بيان الاثنين، أن 68 في المئة فقط من سكان العالم كانوا مُلمّين بالقراءة والكتابة عام 1979، بينما تجاوزت هذه النسبة اليوم 86 في المئة، وأشارت إلى أن 739 مليون شخص بالغ لا يزالون أميّين، ثلثاهم من النساء.
وأوضحت اليونيسكو في بيان أن هؤلاء الشباب والكبار يفتقرون إلى المهارات الأساسية لتعلم القراءة والكتابة عام 2024، رغم التقدم المحرز، مضيفة أن ما يقرب من مليار شخص أميون، مشيرةً إلى أن هذا الرقم الذي يعادل نحو 13.7 في المئة من سكان العالم يمثل «مشكلة عالمية خطيرة.»
وتابعت «يقوم اليوم الدولي بتسليط الضوء على السياسات والتدخلات الفعالة التي تروج لمحو الأمية بوصفه منفعة عامة وحقاً من حقوق الإنسان، وبوصفه وسيلة للتمكين وإحداث تحول في سبيل بناء مجتمعات تتسم بقدر أكبر من الشمول والعدالة والاستدامة.»
وقد وقع الاختيار تحديداً على هذا الشعار لتأثير الرقمنة وفعلها المؤثر في حياة الكثيرين، فقد غيّرت الرقمنة أساليب التعلم والعيش والعمل والتواصل الاجتماعي إيجابياً وسلبياً، وفقاً لكيفية التفاعل معها، ما يعطي فرصة للتفكير النقدي في معنى محو الأمية وفي كيفية تصميم وإدارة ورصد برامج وسياسات تعليم وتعلم القراءة والكتابة في العصر الرقمي.
العلاقة وثيقة بين الأمية والفقر ويتمتع من يجيدون القراءة والكتابة بميزة هائلة على من لا يجيدونها في الدراسة والتدريب
وبينما يُمكن للأدوات الرقمية أن تُساعد في توسيع فرص التعلم للفئات المهمشة، فإن هذا التحول الرقمي قد يُهدد بخلق تهميش مزدوج واستبعاد ليس فقط لمن تعلم القراءة والكتابة التقليدية، ولكن أيضاً لمن لم يلحقوا بالتعليم التقليدي الأساسي.
ويُعدّ محو الأمية مفتاحاً لجعل هذه التحولات شاملةً وذات صلة وذات معنى، فإلى جانب القراءة والكتابة على الورق، يُمكّن محو الأمية في العصر الرقمي الناس من الوصول إلى المحتوى الرقمي وفهمه وتقييمه وإنشائه والتواصل معه والتفاعل معه بأمان ومناسبة. كما يُعدّ محو الأمية عنصراً أساسياً في تعزيز التفكير النقدي، وتمييز المعلومات الموثوقة، والتعامل مع بيئات المعلومات المعقدة.
ويتزامن «اليوم العالمي لمحو الأمية» مع «اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات» ليذكّرا معاً بأن العالم يشهد صراعات تؤثر على التعليم حول العالم.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74، بدعم من 62 دولة، بالإجماع للاحتفاء بهذا اليوم في 9 سبتمبر من كل عام يوماً دولياً لحماية التعليم من الهجمات.
ويأتي احتفاء هذا العام في ظل أزمة تعليمية عالمية متفاقمة، فحتى أوائل عام 2025 يقدر عدد الأطفال المتأثرين بالحروب والنزاعات المسلحة وحالات الطوارئ والمحرومين كلياً من التعليم بنحو 85 مليون طفل، بزيادة كبيرة مقارنة بـ72 مليوناً في عام 2023، وأشارت البيانات إلى أن 52 في المئة من هؤلاء الأطفال هم من الفتيات، وأكثر من 17 مليوناً منهم من ذوي الإعاقة، بينما يمثل الأطفال النازحون قسراً حوالي 15 مليون طفل بحسب الأمم المتحدة.
ويتركز نصف هذه الحالات في 5 أزمات مطولة، مثل السودان، أفغانستان، إثيوبيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وباكستان، ولا تقتصر الأضرار على تدمير المدارس وتشريد الأسر، بل تمتد إلى تقويض استقرار المجتمعات، حيث تعد الهجمات على التعليم انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية للأطفال، وستكون لها آثار طويلة الأمد ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة واستثمارات جادة في التعليم.
وفي غزة، تفقد أجيال كاملة من الأطفال حقها في التعليم مع تدمير المدارس في الحرب أو استخدامها كملاجئ للنازحين، علماً أن المدارس المعتمدة رسمياً كملاجئ أصبحت أهدافا للهجمات. وهوجمت المدارس في السودان أو احتلت أثناء الصراع، ما أدى إلى حرمان الملايين من الأطفال من الدراسة.
ووثق «التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات» أكثر من 6 آلاف هجوم بين عامي 2022 و2023، أثرت على أكثر من 10 آلاف طالب ومعلم. ما يمثل زيادة بنسبة 20 في المئة مقارنة بعامي 2020 و2021.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة «اليونيسيف»، لا تعتبر المدارس مجرد مبان وجدران، بل هي ملاجئ آمنة توفر الاستقرار والأمل لبضع ساعات يومياً. وأكدت المنظمة على أن المدارس أماكن حماية ودعم نفسي للأطفال، وتبعدهم عن مخاطر التجنيد في الجماعات المسلحة. وأضافت أن التعليم يقلل من احتمالية تجدد النزاعات على المدى الطويل، حيث يعزز المصالحة، ويقوي النسيج الاجتماعي، ويمنح المجتمعات القدرة على الصمود.
في ظل السعي الدؤوب نحو رفع الوعي بأهمية التعليم ودوره في بناء مجتمعات متقدمة، يتعالى الخطاب الذي يُسلّط الضوء على أهمية محو الأمية في تمكين الناس من اتخاذ قرارات مستنيرة، وكسر الحواجز، وتعزيز الاستدامة والسلام، فمحو الأمية حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو ما أقرته الأمم المتحدة منذ عقود؛ كونه يفتح الباب أمام التمتع بحقوق الإنسان الأخرى، وحريات أوسع، تفرضها المواطنة العالمية.
وبحسب اليونيسكو هناك علاقة وثيقة بين الأمية والفقر، حيث يتمتع من يجيدون القراءة والكتابة بميزة هائلة على من لا يجيدونها في الدراسة والتدريب، وهذا يعني أن المتعلمين عموماً يكسبون دخلاً أكبر، بل ويتمتعون بصحة أفضل، حيث يشكل محو الأمية أساساً هاماً لاكتساب الناس معارف ومهارات وقيم ومواقف وسلوكيات أوسع نطاقاً، لتعزيز ثقافة سلام دائم قائمة على احترام المساواة وعدم التمييز، وسيادة القانون، والتضامن، والعدالة، والتنوع، والتسامح، وبناء علاقات منسجمة مع الذات والآخرين وكوكب الأرض.
وأظهرت دراسة أجرتها الأمم المتحدة أن ما يقرب من 83 في المئة من النساء والفتيات قادرات على القراءة والكتابة. ومع ذلك، فإن ثلثي الأميين في العالم من الإناث، وتعود هذه المشكلة إلى عوامل مثل نقص فرص التعليم للفتيات أو تقاليد بعض الدول التي تسمح بزواج الفتيات في سن مبكرة، وتعمل العديد من المنظمات على تمكين النساء والفتيات من خلال تعليمهن مهارات القراءة والكتابة.
وأظهرت الدراسة كذلك أن 90 في المئة من الرجال والفتيان، على الصعيد العالمي، قادرون على القراءة والكتابة، ومع ذلك، في العديد من الدول الغربية، تُظهر الفتيات عموماً مستوى أفضل في معرفة القراءة والكتابة من الفتيان، ويشير الخبراء إلى أن هذا يعود إلى أساليب تعليمية لا تناسب الفتيان دائماً.
ويعد محو الأميّة من أبرز الاستثمارات ذات العوائد الاقتصادية والاجتماعية العالية، إذ تشير أحدث بيانات اليونيسكو في تقرير «جيم 2025» إلى أن التقاعس عن الاستثمار في التعليم الأساسي يكلف العالم نحو عشرة تريليونات دولار سنوياً، وأن تحسين مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة يمكن أن يزيد الناتج العالمي تراكمياً بنحو 6.5 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030. وفي سياق مماثل، يحذر تقرير ASDR 2024 من أن ضعف التعلّم الأساسي يولّد خسائر دخل تراكمية قد تصل إلى 800 مليار دولار على مدى حياة الأفراد، بينما تتحمل الأسر أعباء تعليمية متزايدة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ما يعرقل العدالة الاجتماعية ويبطئ النمو الاقتصادي.
وينعكس الاستثمار في محو الأميّة اقتصادياً بطرق عديدة مترابطة. أولاً، تحسين مهارات القراءة والكتابة والحساب يرفع إنتاجية العامل ويزيد أجره، وهو ما تمثل فيه عوائد الاستثمار العام أعلى المستويات وفقاً للبنك الدولي واليونيسكو.
كما يؤدي ارتفاع الدخل وزيادة فرص التشغيل الرسمي إلى توسيع القاعدة الضريبية، ما يعزز الإيرادات العامة ويخفف الضغط على الموازنات الحكومية.
من جهة أخرى، يقلل رفع مستوى الإلمام بالأساسيات من معدلات البطالة والجريمة، ويحسن الصحة العامة، ما يقلل الإنفاق على الرعاية الاجتماعية ويعزز استقرار المجتمع. فضلاً عن ذلك، يساهم تراكم المهارات الأساسية في رفع رأس المال البشري، ويعزز الابتكار، ويجعل الاقتصاد أكثر جذباً للاستثمار الأجنبي من خلال قوة عمل قابلة لإعادة التأهيل بسرعة.
المدارس أماكن حماية ودعم نفسي للأطفال وتبعدهم عن مخاطر التجنيد في الجماعات المسلحة والنزاعات على المدى الطويل
ويشير أحدث الإحصاءات لعام 2023 إلى تباين واضح في معدلات الأمية بين الدول العربية، إذ تتراوح بين مستويات منخفضة جداً وأخرى مرتفعة نسبياً تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لكل دولة. ففي ليبيا، يبلغ معدل الأمية نحو 3.28 في المئة مع تفاوت بين الجنسين، إذ يصل بين الإناث إلى 14.41 في المئة. أما العراق، فتتراوح معدلات الأمية فيه بين 18 و20 في المئة، مع ارتفاع ملحوظ بين النساء لتصل إلى 26.4 في المئة في مقابل 11.6 في المئة لدى الرجال، وتصل النسبة في المناطق الريفية إلى 50 في المئة بين النساء من الفئة العمرية 15 – 24 سنة.
وفي مصر، لا تزال الأمية تشكل تحدياً كبيراً حيث بلغت 25.5 في المئة عام 2022، وهو ما يعكس بطء وتيرة التحسن. بينما حقق الأردن تقدماً ملحوظاً بانخفاض معدل الأمية إلى 5 في المئة عام 2023 مقارنة بـ11 في المئة عام 2000. وفي سوريا، بلغ معدل الأمية حوالي 6 في المئة عام 2021، مع فروق بين الذكور.
أما في دول الخليج، فتسجل معدلات الأمية مستويات منخفضة للغاية؛ إذ بلغت في الإمارات والسعودية وقطر نحو 2 في المئة، مع نسب إلمام بالقراءة والكتابة تصل إلى حوالي 98 في المئة من السكان، مع تفاوت طفيف بين الجنسين في بعض الحالات، مثل الإمارات حيث تصل نسبة التعلم بين الذكور إلى 99 في المئة وبين الإناث 97 في المئة.
وأثار رئيس هيئة الترفيه في السعودية المستشار تركي آل الشيخ تفاعلا واسعا على منصة إكس إثر تغريدة سلط فيها الضوء على انخفاض نسبة الأمية في المملكة.
وعبر حسابه الرسمي على المنصة، كتب المستشار تركي آل الشيخ «انخفضت نسبة الأمية في السعودية إلى 3.7 في المئة في نهاية عام 2021،» مشيرا إلى أنه «خلال الـ3 سنوات الأخيرة، الرقم انخفض إلى ما تحت الـ3 في المئة.»
وأضاف آل الشيخ «هذا رقم مهم.. يصعب انتشار الإشاعة في المجتمع السعودي بسبب الوعي والتعليم»، مردفا «إذا رأيت الإشاعة منتشرة في مكان ما بسهولة، فتّش عن مستوى التعليم وعدد الأميين.»
وتابع رئيس هيئة الترفيه منشوره بالقول «العلم نور والجهل ظلام،» لافتا إلى أن «عدد السعوديين المبتعثين في الخارج من الستينات حتى اليوم، دراسة ودورات تدريب، تجاوز المليون، أي 5 في المئة من الشعب تقريبا.»
ويعكس هذا المشهد جهوداً متفاوتة بين الدول العربية في مجال محو الأمية، بحيث حققت بعض الدول تقدماً ملحوظاً بفضل السياسات التعليمية وبرامج التنمية البشرية، فيما لا تزال دول أخرى تواجه تحديات مرتبطة بالحروب والنزاعات أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وقالت نتاليا ويندر، ممثلة اليونيسف في مصر خلال احتفالية إطلاق المرحلة الثانية للبرنامج القومي لتنمية اللغة العربية، إن هناك 70 في المئة من الأطفال في سن العاشرة يعانون من «فقر التعلّم» على مستوى العالم، وهذه أزمة عالمية لا يمكن تجاهلها، موضحة أنّ التحدي كبير لأنّ القراءة ليست مجرد مادة دراسية بل هي الأساس لكل تعلم آخر.
ووجد المسح الثاني لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول مهارات البالغين، الذي قام بقياس مهارات حوالي 160 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و65 عاما في 31 دولة، أن الانخفاض كان أكبر وأكثر انتشارا بين البالغين ذوي التعليم المنخفض، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى تحسين فرص التعليم.
وعلى عكس الأمية التي زادت نسبتها في العالم، فإن ممثلة اليونسيف في مصر، أعربت عن سعادتها بالاحتفال بما تحقق من تقدم كبير في مسيرة مصر نحو تعزيز تعلّم الأطفال، مشيرة إلى أنّ رؤية مصر للاستثمار في رأس المال البشري هي رؤية ملهمة للجميع، ولا يوجد استثمار أعظم من الاستثمار في الأطفال.