تكليف قيادي درزي بإدارة الأمن في السويداء لترميم الثقة مع الدروز
دمشق - عينت الحكومة السورية قائد تجمع “أحرار جبل العرب” سليمان عبدالباقي مديرا لمديرية الأمن في مدينة السويداء، في خطوة ليس من الواضح بعد كيف سيتفاعل معها أهالي المحافظة ذات الغالبية الدرزية، لاسيما وأن عبدالباقي يعد أحد المقربين من السلطة الانتقالية، وله مواقف مناهضة للشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، والذي تصدر اسمه مشهد المواجهات الدامية التي شهدتها المحافظة في يوليو الماضي.
ويترافق التعيين مع سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات السورية في الفترة الأخيرة من أجل ترميم الثقة المهتزة مع أهالي السويداء، وعلى وقع مفاوضات تجري برعاية أردنية – أميركية، كانت آخر محطاتها اجتماع عقد الثلاثاء في العاصمة دمشق وضم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي إلى جانب المبعوث الأميركي توماس باراك.
ويرى مراقبون أن تكليف القيادي الدرزي عبدالباقي بإدارة الملف الأمني في السويداء رسالة إيجابية للداخل وللوسطاء عن حرص السلطة على نزع فتيل التوتر، رغم أن الأمر قد يلقى تحفظات من البعض في المحافظة.
ويعتقد المراقبون أن هناك توجها محسوسا لتفكيك أزمة السويداء مع السلطة الانتقالية، وأن ذلك يترافق مع جهود أميركية للتوصل إلى تفاهمات أمنية بين دمشق وتل أبيب.
تكليف القيادي الدرزي عبدالباقي بإدارة الملف الأمني في السويداء رسالة إيجابية عن حرص رسمي لنزع فتيل التوتر
وقال وزير الداخلية السوري أنس خطاب، ليل الاثنين، في منشور عبر منصة إكس، إنّ “تعيينات جديدة اتخذناها في محافظة السويداء بمشاركة فاعلة من أبناء المحافظة ومن مختلف المكونات.”
وأكد خطاب أنّ “التعيينات جاءت ضمن إطار خطة شاملة لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية والشرطية وفق ما تتطلبه المرحلة وبداية لمسار أكثر استقراراً في المحافظة.”
ورغم عدم ورود اسم عبدالباقي في التعيينات التي أشار إليها الوزير السوري، إلا أن مصدرا في وزارة الداخلية أكد للتلفزيون الرسمي خبر التعيين، على أن يتولى المسؤول السابق حسام مأمون الطحان مسؤولية الأمن الداخلي، وهي خطة تم استحداثها مؤخرا.
بدوره تحدث عبدالباقي في تسجيل مصور نشره في فيسبوك، عن تكليفه من قبل وزير الداخلية بإدارة الملف الأمني داخل السويداء، وأن أولى المهام التي سيتولاها متابعة ملف المختطفين من أبناء المدينة، داعيا الأهالي إلى إرسال قوائم بأسمائهم.
وشهدت محافظة السويداء في 13 يوليو اشتباكات استمرت أسبوعا بين مسلحين دروز ومقاتلين بدو، قبل أن تتحول إلى مواجهات دامية بعد تدخل القوات الحكومية ثم مسلحين من العشائر إلى جانب البدو، وتحرك إسرائيل لدعم المسلحين الدروز.
وقالت السلطات السورية إن قواتها تدخّلت لوقف الاشتباكات، لكن شهودا وفصائل درزية والمرصد السوري لحقوق الإنسان اتهموا القوات الحكومية بالقتال إلى جانب البدو وارتكاب انتهاكات بحقّ الدروز.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أسفرت أعمال العنف عن مقتل أكثر من ألفي شخص بينهم 789 مدنيا درزيا “أعدموا ميدانيا برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية.” وأحصى المرصد الذي يتخذ من لندن مقرا له 516 مختطفا من الدروز في المحافظة، بينهم 103 نساء.
الولايات المتحدة تفضل سلك مسار الدبلوماسية لتطبيع الأوضاع بين دمشق وتل أبيب
ويقول نشطاء دروز إنهم في انتظار ما ستكشف عنه لجنة التحقيق التي شكلتها السلطة في أحداث يوليو، لمعرفة نوايا السلطة، ومدى التزامها برفع ما يعتبرونه “مظلمة” بحقهم، “لا تزال مستمرة إلى اليوم.”
وكشفت وكالة الأنباء السورية (سانا) الثلاثاء عن لقاء جمع وزير الداخلية مع أعضاء لجنة التحقيق الخاصة بأحداث السويداء، تم خلاله بحث أبرز المعوقات التي تعترض عمل اللجنة، واستعرض السبل الكفيلة بتجاوزها.
وتولي السلطة الانتقالية في سوريا أهمية خاصة لتثبيت الاستقرار في السويداء، في ظل وجود قوى داخلية وإقليمية على رأسها إسرائيل تُتهم بالعمل على تأجيج الوضع هناك، لتحقيق استفادة سياسية.
ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة لعبت دورا رئيسيا في لجم تحركات إسرائيل في السويداء، وهو ما يظهر في تراجع الخطاب التحريضي لبعض القادة الدروز وفي مقدمتهم الهجري.
ويقول المراقبون إن الولايات المتحدة تفضل سلك مسار الدبلوماسية لتطبيع الأوضاع بين دمشق وتل أبيب، كخطوة أولى تمهد الطريق لاتفاق شامل.
وتشكل السويداء حجر الزاوية في أي اتفاقات أمنية بين إسرائيل وسوريا، وهو ما يتم العمل عليه حاليا في اللقاءات الجارية برعاية أميركية – أردنية، لكن ليس من الواضح بعد مدى التزام إسرائيل.
وأشار وزير الخارجية السوري، عقب الاجتماع الذي ضم وزير الخارجية الأردني والمبعوث الأميركي، إلى “أننا أطلقنا مسارا لتحقيق المصالحة الوطنية واستعادة الاستقرار في الجنوب السوري،” مؤكدا “(أننا) نعمل على محاسبة جميع مرتكبي الجرائم والانتهاكات وإعادة الخدمات لمحافظة السويداء.”
وشدد الشيباني على “أننا سنواصل إدخال المساعدات الإنسانية للسويداء وسنعمل على تعويض المتضررين في المدن والبلدات.”