تأثير صناع المحتوى الإخباري على الرأي العام يفتح لهم أبواب الإعلام التقليدي

الشباب يُقدّرون المؤثرين أكثر من العلامات التجارية في ما يتعلق بالأخبار.
الثلاثاء 2025/09/16
تأثير متبادل

تقدم دراسة حديثة نظرة مختلفة للتعامل مع صانعي المحتوى الإخباري على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحويله من منافس للصحافي والمؤسسة الإخبارية إلى مساند ومتعاون يمكن أن يساعدهم في الوصول إلى الجماهير الأصغر سنا، من خلال تأثيرهم الكبير على هذا الجيل وبالتالي الرأي العام.

لندن - كشفت الانتخابات الأميركية الأخيرة أن المبدعين والأشخاص في مجال الإعلام البديل أو وسائل التواصل الاجتماعي لديهم تأثير كبير على الرأي العام ونتائج الأحداث الرئيسية، لذلك من شأن صناع المحتوى أن يكونوا عونا للمؤسسات الإخبارية للوصول إلى الجمهور الأصغر سنا.

وبحسب تقرير لصحيفة “برس غازيت” البريطانية فإن المؤثرين صانعي المحتوى الإخباري يملكون تأثيرا متزايدا على الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعل الفرصة ملائمة للتعاون معهم في مجال الأخبار بالنسبة إلى وسائل الإعلام التقليدية.

ويرى جورج مونتاجو، رئيس قسم الأبحاث في “فايننشال تايمز ستراتيجيز”، إن وسائل الإعلام التقليدية لا ينبغي أن تنظر إلى “صناع المحتوى الإخباري على وسائل التواصل الاجتماعي كمنافسين، بل باعتبارهم ‘فرصة للتعاون مع المنفعة المتبادلة‘ ويمكن أن تساعدهم في الوصول إلى الجماهير الأصغر سنا الذين يكافحون من أجل جذبها.”

صانعو الأخبار على مواقع التواصل غالبا لم يتلقوا تدريبا في مجال الصحافة لذلك ينشرون وفقا لمعاييرهم التحريرية

وجاء حديث مونتاجو بعد أن أمضى فريق “فايننشال تايمز ستراتيجيز” 6 أشهر في دراسة لرسم خارطة للمشهد الإعلامي الإخباري خارج نطاق العلامات التجارية الإخبارية التقليدية.

ونظرت الدراسة إلى صانعي الأخبار على أنهم أفراد أو فرق صغيرة تعمل باستمرار على إنشاء ومشاركة محتوى متعلق بالأخبار عبر منصات اجتماعية مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام.

وكانت تجربة الانتخابات الأميركية الأخيرة أبرز مثال على قدرة المؤثرين في وسائل التواصل على التأثير في الرأي العام ونتائج الانتخابات.

وهو ما خلص إليه أيضا تقرير معهد رويترز لعام 2025، الذي أوضح أن من ينظرون إلى مقدم البودكاست الأميركي جو روغان كمصدر للأخبار، يتجاوز عددهم بكثير بعض متابعي العلامات التجارية الإخبارية الكبرى. وهذا ما أيقظ لدى الجميع فكرة أن هؤلاء الأشخاص لا يخاطبون مجرد قلة من الغرباء في الشوارع، بل يخاطبون الملايين من الناس، وهم أشخاص موثوق بهم للغاية.

كما وجد تقرير فاينانشال تايمز لعام 2023 بعنوان “أخبار الجيل القادم”، أن الشباب يُقدّرون الأفراد أكثر من العلامات التجارية في ما يتعلق بالأخبار. وتساءل مونتاجو “من هم هؤلاء الأفراد؟ كيف يعملون؟ ما الذي يفعلونه؟ لذا، تجب الإجابة على كل هذه الأسئلة.”

وكان مشروع صناع الأخبار، وهو جزء من مشروع أوسع نطاقًا لغوغل يبحث في فجوات الأخبار العالمية ومقدمي الأخبار الناشئين الذين يسدون هذه الفجوة، ويقول رئيس قسم الأبحاث في “فايننشال تايمز ستراتيجيز” إن ثمة تصورا خاطئا شائعا بأن صانعي الأخبار هم مجرد أشخاص على تيك توك يقومون بتسجيل مقاطع مدتها 20 ثانية، يقرؤون فيها الأخبار من “سي.إن.إن” أو مصادر أخرى. مضيفا “هذا توصيف خاطئ تمامًا، فهناك تنوع كبير، ومناهج مختلفة، وأنواع متعددة من الناس ومستويات وأساليب مختلفة في نشر المحتوى. ولذلك أردنا حقًا أن نفهم المزيد عن ذلك.”

وشمل البحث مقابلات مع أكثر من 15 مبدعًا، من بينهم ف. سبيهار، مبتكر قناة “أندر ذا ديسك نيوز”، التي يتابعها نحو 4.5 مليون شخص عبر تيك توك وإنستغرام. كما شكّل المشروع مجلسًا استشاريًا يضم 25 عضوًا من منصات ودول متعددة.

لكن وعلى الرغم من العدد الكبير من المتابعين لبعض منشئي الأخبار على مواقع التواصل، وجدت دراسة “فايننشال تايمز ستراتيجيز” أن العديد منهم لديهم وظائف ثانية لإعالة أنفسهم ودعم عملهم.

وقال مونتاجو “أحد أكبر الأشياء التي أدهشتني هو مدى هشاشة الوضع المالي لهؤلاء الأشخاص،” مضيفا أن الأمر يتطلب الملايين من المتابعين لكسب الآلاف من الدولارات شهريا، وهذا يعني أنه لا يمكن توظيف أيّ شخص آخر، لتسريع عملية تنمية عدد المتابعين، منوها إلى أن أيّ تغيير في خوارزمية مواقع التواصل يمكن أن يضر بالمشاهدات والوصول، وبالتالي الدخل.

ولفت إلى أن العديد من منشئي الأخبار على مواقع التواصل “لا يفعلون ذلك من أجل المال أو الشهرة،” بل من دافع “حماسهم لمساعدة الناس على فهم العالم من حولهم،” مشيرا إلى أن عددا منهم تحدث عن شعور الخيانة للجمهور إذا أقدموا على نشر محتوى غير دقيق، مؤكدا “سمعنا ذلك مرارا وتكرارا، فالكثير منهم لا يتنازلون عن النهج الذي اتبعوه، لأنهم شعروا بثقل المسؤولية الشخصية تجاه جمهورهم.”

وأطلقت صحيفة فاينانشيال تايمز أداة تشخيص الاستدامة المالية لصناع الأخبار، والتي ستساعدهم على تقييم استدامتهم المالية وتحديد مجالات التحسين.

ولأن صانعي الأخبار على مواقع التواصل غالبا لم يتلقوا تدريبا في مجال الصحافة أو ليست لديهم خبرة في غرفة الأخبار، فإنهم ينشرون وفقا لمعاييرهم التحريرية الخاصة، ومن أجل ذلك عملت “فايننشال تايمز” مع صانعي الأخبار لوضع إطار عمل يركز على الدقة والنزاهة والشفافية.

المؤسسات الإخبارية تحتاج إلى الوصول إلى جمهور أصغر سنا، وهو ما تجده أمرا صعبا للغاية، والاقتراح الأفضل التعاون مع شخص لديه 3 ملايين متابع يستمعون إلى كل ما يقوله

ولكن ما الذي يدفع علامة إخبارية قديمة مثل “فايننشال تايمز” إلى مساعدة منافسيها على وسائل التواصل الاجتماعي؟

ويجيب مونتاجو أن الجمهور إذا كان متفاعلا مع المعلومات والأخبار، فهذا يساعد الجميع في نهاية المطاف، مؤكدا أن وسائل الإعلام التقليدية يجب أن تقبل حقيقة أن “الجميع يمكنهم نشر المحتوى على الإنترنت والوصول إلى الملايين من الأشخاص، إذا كان ما ينتجونه مهما وجذابا،” وأن كثيرا من الناس يقومون بأشياء تشبه الصحافة، سواء كانوا صحافيين أم لا.

وأضاف خبير الإعلام أن كلا من وسائل الإعلام التقليدية وصانعي الأخبار، يحتاجون بعضهم البعض بطريقة ما، على الأقل في الوقت الحالي.

وبيّن أن الكثير من صانعي الأخبار ليس لديهم مصدر دخل موثوق، لذا فإن الشراكة مع المؤسسات الإخبارية التي يمكنها أن تدفع لهم مقابل إنتاج مقطع فيديو واحد أسبوعيا نيابة عنهم، ستكون بمثابة طوق نجاة للكثير منهم، كما أنها ستكون صفقة رابحة للمؤسسات الإخبارية في الوقت ذاته، لأن الكثير من الصحافيين لديها حاليا ليسوا خبراء في وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدا “من الصعب جدا تقديم محتوى على وسائل التواصل إذا كنت لا تفهم هذه المنصات ولا تنغمس فيها.”

وفي الوقت ذاته، تحتاج المؤسسات الإخبارية إلى الوصول إلى جمهور أصغر سنا، وهو ما تجده أمرا صعبا للغاية، والاقتراح الأفضل التعاون مع شخص لديه 3 ملايين متابع يستمعون إلى كل ما يقوله.

ويضيف مونتاجو أن هذا ليس مكلفا، وربما يكون أفضل في بعض الأحيان من بناء أستوديو فيديو بمليون جنيه إسترليني.

5