بين مقاطعة الانتخابات العراقية وشروط معقدة.. الصدر يحير خصومه
 
بغداد - يتأرجح موقف زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، بين إعلان المقاطعة وتقديم شروط صعبة للعودة، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في نوفمبر المقبل.
وفي تصعيد جديد لخطابه السياسي، لم يعد الصدر يكتفي بالحديث عن "تبديل الوجوه" بل رفع سقف مطالبه إلى "تغيير الصماخات"، وهو تعبير يحمل دلالة عميقة على سعيه لإحداث تغيير جذري وشامل في المشهد السياسي العراقي، وليس مجرد تعديلات سطحية.
ويثير هذا الموقف المتقلب تساؤلات حول ما إذا كان الزعيم الشيعي يمهد لعودة مفاجئة إلى صناديق الاقتراع، أم يواصل سياسة المقاطعة التي أحدثت فراغا سياسيا كبيرا داخل البيت الشيعي.
وفي منشور على صفحته على فيسبوك يحمل الكثير من الرسائل الموجهة إلى الخصوم السياسيين أوضح صالح محمد العراقي، المعروف بـ"وزير القائد" والمخول بالتحدث باسم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر الكثير من الرسائل الموجهة إلى الخصوم السياسيين، الأسباب التي تدفع التيار إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، ويشترط العودة بإصلاح شامل يتجاوز مجرد تغيير الوجوه.
وقدم العراقي عدة نقاط لتبرير قرار المقاطعة، مؤكدا أن التيار الصدري ليس أول من يتبع هذا النهج. وقال إنهم قاطعوا الخمسة والسبعين نائبًا شيعيًا سابقًا، واليوم يقاطعون خصومهم، متسائلًا: "إن قالوا بحرمة مقاطعة سياسيي الشيعة، فمقاطعة الـ 75 أيضاً حرام".
كما أشار إلى أن تجربة الإصلاح من داخل العملية السياسية لم تكن ناجحة، بل قوبلت بالعداء والتخوين، واعتبر أن الإصلاح من خارج العملية السياسية قد أثبت فاعليته، مستشهدا بنجاح مبادرات شعبية مثل إجازة عيد الغدير التي تحققت دون الحاجة إلى نواب.
وأكد العراقي أن التيار الصدري هو "جند للدين والمذهب والوطن"، وأن تواجدهم داخل العملية السياسية أو خارجها لا يغير من استعدادهم لمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية، مذكراً بمقاومتهم للاحتلال.
ووجه العراقي اتهامات مباشرة وغير مباشرة للخصوم، حيث تساءل عن كيفية إعطاء الأصوات لمن يتهمونهم بـ"أجندات خارجية"، أو من يظهر في التسريبات وهو يهدد بقتلهم، أو من ساهم في تفكيك مصفاة بيجي.
واستعرض العراقي حيرة الخصوم من موقف التيار، مشيرا إلى أن وجود "التيار الشيعي الوطني" يعني تعطيل تشكيل الحكومة واستمرار الخلافات، متهما إياهم بالوقوف ضد عودة التيار للمشاركة في الانتخابات.
وأشار إلى أن المقاطعة ليست بالضرورة عدم وجود كتلة نيابية، بل هي رفض للتصويت لبرامج سياسية لا تلبي مطالب الشعب، وتفتقر إلى الاستقلال الوطني.
وقدم العراقي رؤية الصدر للبديل الحقيقي للمقاطعة، مؤكدا أنه ليس عودة البعثيين، بل "تبديل الوجوه الحالية شلع قلع"، وشدد على أن هذا البديل يهدف إلى فتح أبواب الإصلاح، وإنهاء التبعية، وتأمين الشعب من السلاح المنفلت، وحماية الأصوات الحرة، ومعالجة مشكلات المياه والكهرباء، وإغلاق الحدود أمام الإرهاب والتهريب.
وأوضح أن الهدف من هذا الإصلاح الشامل هو "تغيير الوجوه بل وتغيير الصماخات" لإنقاذ العراق بطرق سياسية وقانونية، دون تدخلات خارجية.
هذه المطالب، التي تبدو صعبة التحقق في ظل الواقع السياسي المعقد في العراق، تدفع المحللين للاعتقاد بأنها قد تكون مناورة سياسية لزيادة الضغط على خصومه من قوى "الإطار التنسيقي" قبل الانتخابات، والتي تخشى من انخفاض نسبة المشاركة في الاستحقاق الانتخابي.
وفي تطور لافت، نظم التيار الوطني الشيعي الأحد مظاهرة حاشدة في شارع الحكيمية وسط البصرة ضد المشاركة في الانتخابات المقبلة رفع خلالها المتظاهرون لافتات "مقاطعون" وتقدّمهم رجال دين وشيوخ عشائر. وبعد ساعات، نقل حساب صالح محمد العراقي، توجيها بإيقاف التظاهرات.
وليس هذا الموقف جديدا على مقتدى الصدر، فقد اعتاد على سياسة "الجرعات المرة" التي يمررها لخصومه، ففي مارس الماضي، أعلن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة بسبب بوجود "الفساد والفاسدين"، وبين أن العراق "يعيش أنفاسه الأخيرة".
وقرر الصدر في يونيو 2022 الانسحاب من العملية السياسية في العراق، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بعد دعوته لاستقالة جميع نوابه في البرلمان والبالغ عددهم 73 نائبا.
خلال الأشهر الماضية، أثار الصدر حيرة خصومه بدعوة أنصاره لتحديث بطاقاتهم الانتخابية، واستخدامه تسمية "التيار الوطني الشيعي" بدلا من "التيار الصدري".
ولمح الصدر مرارًا إلى احتمال العودة إلى السلطة، وكان أبرز المؤشرات على ذلك استقالة القيادي البارز نصار الربيعي من رئاسة كتلته البرلمانية السابقة في مارس 2023، والتي فُسّرت على أنها تمهيد لعودة جديدة دون ازدواجية في القيادة.
كما أنه وجّه ثمانية من قياديي التيار بعدم السفر إلى الخارج قبل إعلان المقاطعة الرسمية للانتخابات المحلية، في خطوة فُسرت على أنها إشارة إلى وجود "أمور مهمة" تتعلق بالوضع السياسي.
ويُعرف الصدر أيضا بمنحه "مهلا" زمنية للحكومة وخصومه، مثل "مهلة السنة" لحكومة عادل عبدالمهدي (2018–2019)، و"مهلة الأربعين يوما" في 2022 لقوى الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، وهي تكتيكات تعكس أسلوبه في إدارة الصراع السياسي من خارج المؤسسات الرسمية، مع الحفاظ على تأثيره في الشارع.
ورغم انسحابه، يظل التيار الوطني الشيعي، لاعبا مؤثرا في الشارع العراقي، سواء من خلال جمهوره الكبير أو عبر تحركاته الشعبية التي كان لها دور حاسم في أكثر من محطة مفصلية، ما يجعل إمكانية عودته إلى العملية الانتخابية محط أنظار القوى السياسية والمراقبين سواء بسواء.
وكانت أغلب الكتل السياسية وبمختلف عناوينها ومكوناتها بعثت ممثلين عنها إلى النجف في محاولة لجس موقف الصدر، من المشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة من عدمها.
ويأتي هذا المشهد في ظل تحولات إقليمية ودولية تؤثر على العراق، خصوصا مع استمرار الضغوط الأميركية على طهران، حيث يرى الكثير من المراقبين أن أي "هزة" قد تصيب المؤسسة الحاكمة في إيران سيكون لها تأثير واضح على طبيعة التحالفات السياسية العراقية، وربما على شكل النظام السياسي نفسه.
ولا تزال الأنظار تترقب ما سيصدر عن النجف، حيث يواصل الصدر سياسته في شد الحبل مع خصومه، وبينما تحاول الكتل السياسية جس نبضه لمعرفة موقفه النهائي، فإن قراره بالمشاركة في الانتخابات أو الاستمرار في المقاطعة سيحدد بشكل كبير مسار المشهد السياسي العراقي في السنوات القادمة.
 
    
 
        
      
    