النفط ينقذ الانتخابات العراقية من انسحاب تاريخي للديمقراطي الكردستاني
السليمانية (كردستان العراق) – كشف مسؤول تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية وحلبجة، علي حسين، اليوم الأربعاء، عن حقيقة مفصلية كادت أن تعصف بالعملية السياسية في العراق، مؤكدا أن الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه بين بغداد وأربيل بشأن نفط الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي حال دون اتخاذ الحزب قرارا بالانسحاب الكامل من المشهد السياسي العراقي.
وتؤكد هذه التصريحات أن الملفات الاقتصادية الحيوية، خاصة الرواتب والميزانية، ظلت القوة المحركة والمشكلة الرئيسية التي تهدد بتفكيك التوافق الوطني الهش، وأن التهديد بالمقاطعة لم يكن مجرد ورقة ضغط، بل كان توجها حقيقيا تم العدول عنه في اللحظات الأخيرة بفضل التفاهمات النفطية الأخيرة.
وأشار القيادي علي حسين في تصريح للصحافيين بالسليمانية بوضوح إلى الأسباب الجذرية التي دفعت الحزب الديمقراطي الكردستاني للتفكير جديا في عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وأوضح أن الحزب كان يرى أن "الرواتب والميزانية" وما كان يوضع لها من "عراقيل ويُفعتل من ذرائع" جعلت رأيه يتجه نحو "الانسحاب من العملية السياسية برمتها".
ويظهر هذا الموقف مدى جدية أربيل في الدفاع عن مصالحها وحقوق الإقليم الدستورية، ورفضها لاستمرار تهميش حقوق الإقليم وتقويض كيانه.
وجاء التهديد بالانسحاب كرسالة واضحة لبغداد بأن القيادة الكردستانية لن تقبل باستمرار سياسة التضييق الاقتصادي التي تؤثر مباشرة على حياة مواطني الإقليم.
وأُبرم اتفاق تسوية بين بغداد وأربيل الشهر الماضي، بعد توقف في تصدير النفط من حقول إقليم كردستان العراق عبر خط جيهان التركي استمرّ نحو عامين ونصف العام بسبب نزاعات قانونية ومشكلات فنية.
ونصّت التفاهمات على استئناف تصدير النفط وتسليم الإيرادات الداخلية غير النفطية من قبل الإقليم خلال الأشهر الثلاثة المتبقية من العام الحالي، الأمر الذي خلق أرضية من الثقة المؤقتة.
وأكد حسين أن هذا الاتفاق جاء بعد "الحوارات بيننا وبين بغداد وتدخلات الأصدقاء على المستوى الدولي"، ما يشير إلى أن التدخل الخارجي لعب دورا حاسما في إقناع الحزب بالبقاء وتأمين هذا الاتفاق الذي يعتبره الحزب دليلا على إمكانية الوصول إلى تفاهمات.
وانتقد حسين قانون الانتخابات الحالي بشدة، واصفا إياه بأنه "فيه غدر للكرد، ولا يصب بمصلحة الشعوب العراقية عامة، وذلك لتجرده من المساواة والعدالة".
ويعتقد أن هذا النقد يأتي من تركيز القانون وفق قانون (سانت ليغو) على الدوائر الانتخابية المتعددة أو الفردية، وهو نظام قد يضعف من التمثيل الجماعي الكردي في المناطق المختلطة أو المتنازع عليها، حيث قد تفشل الأحزاب الكردية في حصد أصوات كافية لتأمين مقاعدها التقليدية مقارنة بنظام الدائرة الواحدة أو القائمة المغلقة الذي يضمن حصة محددة للأكراد في البرلمان العراقي والمقدرة بـ 46 مقعدا من أصل 329.
وتنظم انتخابات الدورة السادسة لمجلس النواب العراقي في 11 نوفمبر المقبل، حيث صادقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على أسماء 7.768 مرشحا يتنافسون على 329 مقعدا.
ويشارك من إقليم كردستان 314 مرشحا يتنافسون على 46 مقعدا موزعة على محافظات الإقليم (15 مقعدا في أربيل، 12 في دهوك، و19 في السليمانية وحلبجة).
وبالرغم من انتقاده للقانون، أكد حسين أن الحزب "يدعم الآن وبجدية تامة إجراء الانتخابات"، متوقعا في الوقت ذاته "أن تزداد أعداد الأصوات والمقاعد خاصة بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني".
وحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني في آخر انتخابات برلمانية جرت عام 2021 على 31 مقعدا، متصدرا النتائج الكردية بفارق كبير عن الاتحاد الوطني الكردستاني الذي جاء ثانيا بـ19 مقعدا.
ويعكس هذا التوزيع الخارطة السياسية المعقدة داخل الإقليم، حيث يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على محافظتي دهوك وأربيل، بينما تظل السليمانية وحلبجة مسرحا لتنافس شديد يميل فيه النفوذ إلى صالح الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني.
ويعتقد المراقبون أن توزيع المقاعد البرلمانية لن يشهد تغيرا جذريا عن الدورة السابقة، حيث من المتوقع أن يحافظ كل من الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني على حصتهما من المقاعد.
ويرجح أن المتضرر الأكبر قد يكون حراك الجيل الجديد، بسبب غياب رئيسه المعتقل شاسوار عبد الواحد، بينما قد تشهد هذه الدورة عودة صعود للأحزاب الإسلامية نتيجة لتزايد الخطاب الديني داخل الإقليم.
ويشدد الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي عدل عن الانسحاب، على أن مشاركة الأطراف الكردستانية والعراقية كافة بفعالية أمر ضروري، بينما ينصب تركيزه على تحقيق أكبر مكاسب ممكنة في ظل القانون المنتقد.
وتابع القيادي في الديمقراطي الكردستاني القول إن "بعد الانتخابات ستتشكل حكومة اتحادية جديدة في العراق، بالتأكيد سيتم التعامل مع ملف الرواتب وحصة إقليم كردستان من الموازنة باتفاق جديد".
ويؤكد هذا التصريح أن الاتفاق النفطي الحالي ليس سوى هدنة مؤقتة، وأن الصراع السياسي-الاقتصادي حول حصة الإقليم سيعاد فتحه في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، ما يجعل الانتخابات مجرد محطة في رحلة كفاح أربيل المستمرة لتثبيت حقوقها الدستورية.