بهاء التراث راسخ في أعمال الفنان المغربي محمد صبحي

لوحات مميزة تنهل من المعمار المغربي الثري بألوانه وزخارفه.
الاثنين 2025/07/28
هكذا ينعكس جمال المغرب

الانفصال عن الهوية والجذور وتراث الوطن يبدو مهمة صعبة على الفنان، خاصة إن كان يمتلك حساسية مرهفة تجاه التفاصيل المعمارية والأزياء والملامح، ومن هؤلاء الفنان محمد صبحي الذي أصبح واحدا من أهم أصوات الهوية المغربية، راصدا مميزاتها وعمق تاريخها عبر لوحاته الملونة، والتي تضج بحياة قادمة من عوالم متخيلة ومبهرة.

محمد صبحي فنان تشكيلي مغربي وخطاط من مدينة أبي الجعد، مدينة احتضنت طفولته، فتركزت مآثرها وتضاريسها في ذهنه وذاكرته، وبذلك نشأ هاويا عاشقا لتجسيد معطيات ومؤثثات محيطه الغني بعناصر التراث المغربي الأصيل.

لقد جاء في مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية أن الفنون بلا استثناء تعبّر “عن الإنسان بكل تفاصيل واقعه، حلمه، انتصاراته، انتمائه وتماسكه الكامل مع الآخر واندماجه مع البيئة والحياة من حوله، بكل تفاصيلها ورموزها التي تعكس الهوية والتاريخ والحضارة والتراث، ولذلك تبرز الحاجة إلى التوجه نحو التراث في الفنون التشكيلية المعاصرة لتأكيد الانتماء والهوية الفنية، حيث إن هذه الحاجة يفرضها الانفتاح على العالم الذي يزداد يوما بعد يوم. ومن خلال عناصر التصميم في العمل الفني يستند الفنان إلى فكرة وتراث وزخرفة وأيقونات ورموز ومشاهد وخامات تدمج وتضاف إلى المفاهيم الفنية لتعطي بعدا جديدا وتشكل هوية خاصة بالعمل الفني. وقد برز العديد من الفنانين التشكيليين خلال الحركة الفنية المعاصرة”.

وهكذا نجد التراث منبعا ومعينا للإبداع إذ تتخلله سمات جمالية تحتاج إلى الفنون وفي مقدمتها الفن التشكيلي من أجل بلورتها والمحافظة عليها كي يمتد دورها عبر الزمن، وبذلك يعمل الفن على احتضان مفردات الهوية الثقافية للشعوب عبر الغناء والشعر والقصة والأفلام ومختلف أنماط الفنون البصرية والسمعية والأدبية سردا وشعرا.

محمد صبحي يشكل ملامح أعماله بأقواس مزخرفة، وزليج، وآجر وسقايات ونافورات، لها خصوصية مغربية وأمازيغية

وفي كل بلد مبدعون يمكن تلقيبهم بـ”عشاق التراث” الذين يستلهمون منظوراتهم الإبداعية من التراث الغني الذي يتخذ ألوانا إبداعية ترمز إلى غنى هذا التراث بما يمكن تحيين إبداعيته كي يتواصل معه الجيل الجديد في كل عصر. فالفن بمختلف صوره عنصر محفز لمواصلة عقد الصلة بالتراث.

ويمكن إدراج اسم محمد صبحي ضمن أسماء الفنانين المهتمين بالمتح من التراث المغربي بأشكال جميلة تجعل أرواح وقلوب المشاهدين مفعمة بتقدير واحترام هذا التراث، مع الدعوة إلى عدم إهماله وتركه عرضة للإهمال والضياع.

ومحمد صبحي في جل أعماله نجده يعمل بحماس من أجل إبراز الكثير من عناصر التراث المغربي الزاخر بالرموز والأثاث والمعمار، ولأنه كرس حياته الإبداعية لذلك، فقد تمكن من إنجاز أعمال كثيرة تدل على رسوخ ريشته الفنية في مجال استلهام التراث بألقه وأثره الجميل والممتع للنفوس.

خيلاء المعمار

اللوحة تنطق بهويتها المغربية
اللوحة تنطق بهويتها المغربية

في العمارة المغربية قديما وحديثا عناصر كثيرة منفتحة أمام الإبداع، ما يجعل هذا الأخير قريبا منها يمتح منها ما يراه جميلا يمكن تحويره وتحويله وتقديمه في ثوب جديد لا يفقده صلته بتاريخ ظهوره واستمراره.

ويعتبر الفن التشكيلي في مقدمة الفنون التي تتخذ من العمارة ينبوعا لاستيحاء أشكال هندسية ضمن محيطها البيئي لإبراز فنيتها المتجددة عبر رؤية هذا الفنان أو ذاك.

والحال أن محمد صبحي من المبدعين الذي كرسوا جهودهم لإبداعاتهم في هذا المجال، وهكذا نجده يشكل ملامح أعماله بأقواس مزخرفة، وزليج، وآجر وسقايات ونافورات، لها خصوصية مغربية وأمازيغية معروفة عالميا.

وقد تمكن الفنان محمد صبحي من إمتاعنا بسمات المعمار الأمازيغي عبر عشرات بل مئات اللوحات بمختلف الأحجام، معمار بأبواب خشبية عتيقة محاطة بشرائط مقطعة من الحجارة، وبنوافذ مفتوحة أو مغلقة، إنه الفنان الحريص على نقل التصاميم الخارجية للمباني نقلا انطباعيا لمجال الإبداعية فيها النصيب الكبير.

وقد اعتاد محمد صبحي تقديم المعمار المغربي الأصيل ضمن مساحات لا تخلو من حركة رجال أو نساء أو أطفال بلباسهم التقليدي، مما يعزز التلميح إلى جمالية تراث يأبى أن ينمحي في عالم تبتلع خصوصيته عاصفة العولمة الخطيرة.

وقد اختار هذا المجال انطلاقا من عدة حيثيات منها تنوع هذا المعمار الذي يجمع بين المعاصرة والأصالة من حيث اعتماده على التقليدي والحديث من التقنيات والخامات، كما أن هذا المعمار مناسب لمتطلبات الفن من حيث جمعه بين عناصر شرقية وأندلسية وغيرها.

صياد الجمال

ألوان مفعمة بالحياة
ألوان مفعمة بالحياة

من هذا المنطلق نعتبر الفنان المغربي محمد صبحي صياد الجمال من بساتين التراث المغربي بمختلف ضروبه وأشكاله، فنان ماهر في استحضار مكونات التراث المغربي ضمن أعمال متميزة من حيث الألوان المطردة فيها ومن حيث التقنيات المستعملة في تشكيلها فنيا، وله بصمته الخاصة في ذلك مما جعل أعماله تحمل بصمته فلا يحتاج إلى توقيعها. فهو البارع في التوليف بين الألوان الحارة والباردة، وفي التناسق بين عناصر صدارة اللوحات وخلفياتها.

وبذلك يبرز البنايات في حلل جميلة تذكر بحركة وتعايش الناس فيها في زمن ما، مما يضفي عليها حميمية تعتري وجدان الجمهور الموجهة إليه، وهو علاوة على ذلك، يعمل كثيرا على استدعاء عناصر فنية يطعم بها المعمار من كاليغرافيات مبرزا رؤيته الإبداعية التي تزيد الجمال جمالا.

وبجدارياته المعمارية والحروفية أكسب جدران مدينته وغيرها تقديرا واحتراما، فقد أنجز جداريات جميلة جدا تحول واجهات منازل ومؤسسات إلى مساحات رائعة تقدم المعمار والطبيعة والخطوط هدية للمارة وعشاق الفن التشكيلي بصفة عامة.

يظل الفنان محمد صبحي إلى جانب ثلة من المغرمين بالمعمار المغربي الأصيل بكل مناطق المغرب، وفيا للفن كموثق لنضارة هذا المعمار الذي سيبقى منبعا للاستلهام الفني الممتع ليس في الفن التشكيلي فحسب، بل أيضا في شتى الفنون بلا استثناء.

ولعل الأيام القادمة ستشهد تطورا في التعاطي مع العمارة ضمن العمل التشكيلي من خلال البحث عن أساليب ورؤى جديدة تتجاوز الطابع الانطباعي والواقعي إلى غيره من أنماط ومدارس الفنون التشكيلية المتعددة والمختلفة.

14