بابل القديمة تولد من جديد بفضل مشروع ترميم

عودة السياحة التراثية إحدى قصص النجاح القليلة التي شهدها العراق مؤخرًا. فحتى مع تصاعد التوترات الطائفية وعدم استعادة الشبكة الكهربائية تُولد بابل من جديد.
الأربعاء 2025/09/17
بابل رمزٌ للعراق

يقترب العمل في معبد نينماخ وأسوار بوابة عشتار من الاكتمال في هذه المدينة الرافدينية، التي عانت قرونًا من الدمار والإهمال. لم تقتصر أعمال الترميم في معبد نينماخ على إصلاح الأضرار الناجمة عن الحرب فحسب، بل شملت أيضًا إصلاحات غير مدروسة أُجريت في القرن الماضي.

بابل (العراق)- تشهد مدينة بابل القديمة، الواقعة في العراق حاليًا، والمذكورة في النصوص المقدسة للأديان الإبراهيمية الثلاثة، نهضةً جديدةً اليوم؛ حيث يقترب مشروعان تابعان لصندوق الآثار العالمي (WMF) من الاكتمال، ليعيدا السياحة الثقافية التي تشتد الحاجة إليها.

يهدف أحد المشروعين إلى تخفيف أضرار المياه الجوفية على الجدار الشمالي لبوابة عشتار. أما المشروع الثاني فهو ترميم معبد نينماخ، المُكرّس للإلهة الأم السومرية. ويأمل فريق العمل في إعادة افتتاح المعبد رسميًا هذا الخريف، ليصبح بعد ذلك متاحًا لإقامة التجمعات مثل حفلات الزفاف والحفلات الموسيقية، بالإضافة إلى مهرجان بابل، وهو احتفال بالثقافات العالمية يُقام كل ربيع.

يُعدّ ترميم المعبد والجدار الشمالي، بتمويل كبير من السفارة الأميركية في بغداد، جزءًا من مشروع “مستقبل بابل”، الذي بدأ قبل 15 عامًا، ويهدف إلى توثيق الهياكل وعزلها ضد الماء وتثبيتها في جميع أنحاء الموقع الذي تبلغ مساحته 2500 فدان. وقد ألغت السفارة الأميركية تمويل ممر مُخطط له يمتد عبر موقع بوابة عشتار في يوليو بسبب تخفيضات الموازنة.

ويتزامن إنجاز هذين المشروعين مع ازدهار السياحة. حتى في حرّ الظهيرة، حين يرفض المرشدون السياحيون الخروج من مكاتبهم، يستكشف الزوار من رومانيا وروسيا وإيران بحماس معالم الجذب السياحي، بما في ذلك أسد بابل الذي لا يزال سليمًا إلى حد كبير، والطريق الموكبي، والمتحف المجاور لبوابة عشتار المُعاد بناؤها.

pop

تُعد عودة السياحة التراثية إحدى قصص النجاح القليلة التي شهدها العراق مؤخرًا. فحتى مع تصاعد التوترات الطائفية وعدم استعادة الشبكة الكهربائية بعد 22 عامًا من تدميرها في الغزو الأميركي، تُولد بابل من جديد.

ويقول رعد حامد عبدالله، مفتش الآثار والتراث في بابل، لصحيفة “آرت نيوزبيبر”، “لقد شهدنا أعدادًا قياسية من الزوار هذا العام.” ويضيف “في عام 2024 استضافت بابل 43530 سائحًا عراقيًا و5370 سائحًا أجنبيًا، بزيادة عن 36957 زائرًا عراقيًا و4109 أجانب في عام 2023.”

ويتابع عبدالله “الآن، حتى السكان المحليون من مدينة بابل المجاورة يأتون.” ويقول “لقد عادت بابل لتكون مكانًا شهيرًا للتجمعات العائلية وحفلات الزفاف،” ويضيف بفخر “بابل رمزٌ للعراق.”

تقع بابل على بُعد حوالي 80 كيلومترًا جنوب بغداد، وتضم آثار المدينة القديمة والقرى والمناطق الزراعية المحيطة بها. فمنذ ذروتها كعاصمةٍ للدولة البابلية الحديثة في عهد الملك نبوخذ نصر الثاني، وحتى حرب العراق، عندما داستها القوات الأميركية بوحشية، وبعد عقدٍ من الزمن، هدد تنظيم داعش وجودها، وشهدت المدينة القديمة إمبراطورياتٍ تعاقبت على عصور.

صمدت بابل لعقودٍ من النهب والتحديات البيئية المستمرة. كما أثّر البناء سلبًا على مر السنين. ففي عام 1927 مدّ البريطانيون خط سكة حديد عبر الموقع، وفي ثمانينات القرن الماضي بنى صدام حسين طريقًا سريعًا عبر جزءٍ منه، بالإضافة إلى قصرٍ خاصٍّ به، مُجهّز بمهبطٍ للطائرات المروحية. ولا تزال ثلاثة خطوط أنابيب نفطية متوقفة عن العمل، اثنان منها بُنيا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وثالث أحدث عهدًا، وقد أُوقف العمل فيه بعد أن رفعت الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية دعوى قضائية عام 2012. ولم تُدرج بابل كموقع للتراث العالمي لليونسكو إلا عام 2019.

والآن يعمل المهندس المعماري المصري أحمد عبدالجواد، الخبير في مباني الطوب اللبن، مع صندوق الآثار العالمي لتدريب السكان المحليين على الفن التقليدي الذي يليق بمعبد نينماخ، المسمى على اسم الإلهة الأم المرتبطة بالخلق والولادة والشفاء، والتي نفخت الحياة في البشر من خلال تماثيل طينية صغيرة تُشبهها.

po

أدت سنوات من الأضرار والإهمال الناجمين عن الحرب، إلى جانب أساليب “إعادة الإعمار” سيئة التنفيذ في منتصف القرن، إلى مشاكل هيكلية خطيرة في المعبد. ويُعزى التآكل الناجم عن تسرب المياه الجوفية والملوحة المتزايدة إلى فترات الجفاف المطولة وتآكل التربة في العراق المُعرّض لتقلبات المناخ.

وتم ترميم القوس القديم عند مدخل الحرم الداخلي لنينماخ -المهدّد بالانهيار عام 2022- بنجاح في نهاية مايو. يقول عبدالجواد “اضطررنا إلى تفكيك القوس القديم بالكامل. كان مليئًا بالشقوق ومتآكلًا بفعل العوامل الجوية. لذلك فككناه وأعدنا بناءه بالطوب الطيني.”

يقول أسامة هشام، مدير مشروع مستقبل بابل، “هذا أول قوس في العراق يُرمم بالكامل من الطوب الطيني.” واستُخدم مزيج مماثل، ولكنه أكثر ملوحة، من الطوب الطيني والقار لإصلاح السقف الخشبي للمعبد، الذي كان يتعرض للتآكل بفعل النمل الأبيض.

 

12