النكتة الوطنية
حينما فكر عبدالله النديم، خطيب الثورة العرابية بمصر، في إصدار مجلة لتوعية الشعب وتأليبه للوقوف ضد الاحتلال الإنجليزي، قبل نحو مئة و44 عاما، اختار لها اسما هو “التنكيت والتبكيت”، رغم محتواها السياسي، في دلالة واضحة على دور النكتة في حياة المصريين منذ الأزل.
ولا يقف ميل المصريين للسخرية بشكل مفرط في الكثير من الأحيان عند حدود استخدامها كوسيلة لمواجهة مصاعب الحياة المتنوعة، وإنما يتجاوز ذلك لكون النكتة أحد الملامح الرئيسية في الشخصية المصرية على مدار التاريخ، وعاملا حاسما في تعزيز شعور الشعب بالانتماء ومقاومة الإحساس بالعزلة رغم صعوبات الحياة.
تجمع بعض الدراسات المتخصصة على أن النكتة هي أهم سر في قدرة المصريين غير المفسرة على إيجاد إحساس مشترك بالهوية الاجتماعية أثناء الأزمات المختلفة، حيث يستخدمونها للتواصل غير الرسمي بينهم وتخفيف التوتر، خصوصًا في أوقات الأزمات، وتستخدم لتعزيز الروابط الإنسانية والتكيف النفسي أثناء الظروف الصعبة.
ورصدت دراسة تحليلية نشرت قبل عامين كيف لعبت الكوميديا دورا فاعلا في مساعدة المصريين على مواجهة الضغط الهائل الذي جلبته جائحة كورونا على معظم المجتمعات، وكيف نجحوا في تجاوز حاجز الرعب الذي خنق العديد من شعوب العالم، بفضل لجوئهم إلى السخرية من الفايروس وتبعاته وخوف الناس منه.
وذكرت دراسة أجنبية أن النكتة بالنسبة إلى معظم الأفراد وسيلة للتعامل مع المشاكل التي لا يملكون حلولًا لها، تساعدهم على تحمل الشعور بالتعب، وتجاوز الإحساس بالقهر، ولهذا فالسخرية دائما ما ساعدت المصريين على تجاوز الأوقات الصعبة.
وساهمت الروح الساخرة بشكل أساسي في تعزيز قدرة المصريين في الحفاظ على هويتهم الوطنية، بحسب بعض الدراسات الاجتماعية المتخصصة، رغم تعرض البلاد للاحتلال أحيانا، أو لحكم قائد غير مصري في أحيان أخرى.
يقول عالم الجغرافيا المصري الراحل جمال حمدان في موسوعته “شخصية مصر” إن المصري إذا لم يجد ما يضحكه ضحك على نفسه، والمقصود هنا القدرة على استخدام الحركة الفكاهية كآلية للتكيف الاجتماعي، وهو تفسير قريب من قول مأثور في الشارع المصري يعترف بأننا “نسخر حتى من وجعنا.”
كما أن السخرية اللاذعة عند المصريين تعزز قدرتهم على الإبداع، وتميزهم بالمرونة في مواجهة الأزمات المعيشية المختلفة، بحسب ما ذكرته دراسة أجريت على طلاب كلية التمريض بجامعة الإسكندرية، ونشرت في مجلة “التعليم الصحي” عام 2020، جاء فيها أنه كلما زادت قدرة الشخص على إنتاج نكتة أو الوصول إلى جانب فكاهي، زادت مرونته وقدرته على التعامل مع الضغوط اليومية.
وأخيرا، دعوني أروِ لكم نكتة يجري تداولها على نطاق واسع بين المتزوجين في مصر الذين يشعرون بالضيق من تحكم زوجاتهم “المزعوم”، تقول إن زوجة توفيت لتلحق بزوجها المتوفى قبلها منذ فترة ودفنت معه في نفس المقبرة، وما إن رأته حتى بادرت بتأنيبه قائلة “لماذا أنت عابس؟ كأنني كنت معك طول الوقت،” ثم أردفت “طبعا لو أصحابك هم الذين دفنوا معك لكانت ضحكتك تجلجل في أنحاء منطقة المقابر كلها.”