المغرب… فعل إيمان بالشباب والتنمية الشاملة

أهمّية بلد مثل المغرب تكمن في أنّ لا وجود لهرب من الواقع الذي يفرض نفسه.. بكلام أوضح لا بديل من مشاركة الشباب والمرأة في التأسيس لحياة سياسية تقوم على فكرة المشاركة.
الأربعاء 2025/10/22
شباب المغرب يكتب فصلا جديدا في الحياة السياسية

يسير المغرب في اتجاه مزيد من الاستقرار من خلال خطوات مدروسة. في أساس هذه الخطوات تطوير تجربته السياسيّة. يكون ذلك من خلال جعل الشباب المغربي في صلب عملية البناء المستقبل السياسي للمملكة. وفّر ما حدث أخيرا، عندما نزل شبان إلى الشارع في مدن مغربية عدّة مطالبين بخدمات طبية وتعليما أفضل وخطوات للحدّ من البطالة، فرصة للسير في مزيد من الإصلاحات. أكثر من ذلك، كانت الأحداث فرصة كي يتأكّد أنّ العمل جار على قدم وساق من أجل جعل رأس المال البشري حجر الزاوية في التنمية المندمجة الجديدة.

توجد، في الواقع، عناوين عدة تفرض نفسها لدى التطرق إلى البيان الصادر عن الديوان الملكي المغربي بعد الاجتماع الوزاري الذي انعقد في القصر الملكي في الرباط برئاسة الملك محمّد السادس. يجمع بين هذه العناوين التركيز على رفاه المواطن المغربي من خلال تنمية شاملة تندمج فيها كلّ القطاعات المنتجة بسرعة واحدة موحدة على كلّ المستويات وفي كلّ المناطق.

الأهمّ من ذلك كلّه، سيكون هناك عمل جدّي من أجل تمكين الشباب والمساواة بين الجنسين والعمل على تكريس رؤية ملكيّة تؤمن بالشباب وتمكن شباب المغرب من صناعة الفعل السياسي.

إنّ فتح أفاق السياسة أمام الشباب المغربي، لا يمكن أن يتمّ من دون تأمين مقاعد للمرأة التي هي نصف المجتمع مع ما يعنيه ذلك من توازن على الصعيد الوطني

بتوجيهات من محمّد السادس رفعت الموازنة الجديدة للحكومة للسنة 2026 الإنفاق في مجالي الصحة والتعليم إلى نحو 15 مليار دولار وذلك في سياق سدّ أي ثغرات يشكو منها الشباب المغربي. كلّ ما في الأمر أن في المغرب من يدرك وجود ثغرات لا مفرّ من معالجتها. لا هرب من الاستحقاقات التي تفرض نفسها إن في مجالات الصحة أو التعليم أو مكافحة البطالة. كان نزول شبان من “جيل Z 212” إلى الشارع في مدن مغربيّة عدّة قبل نحو أسبوعين تنبيها إلى ضرورة معالجة وضع غير مقبول على صعيدي القطاع الصحي والتعليم وإيجاد فرص العمل بغية مكافحة البطالة.

تكمن أهمّية بلد مثل المملكة المغربية في أنّ لا وجود لهرب من الواقع الذي يفرض نفسه. بكلام أوضح، لا بديل من مشاركة الشباب والمرأة في التأسيس لحياة سياسية تقوم على فكرة المشاركة. معنى ذلك القيام بإصلاحات انتخابيّة من أجل أن يكتب شباب المغرب فصلا جديدا في الحياة السياسية. سيكون الشباب في قلب العمليّة الديموقراطية المغربيّة في الانتخابات التشريعية المقررة في خريف السنة المقبلة (2026). لا يأتي الرهان على الشباب من فراغ. لا بدّ في هذا المجال من العودة إلى التاريخ القريب، إلى العام2011  والاستفتاء على الدستور المغربي الجديد، وقتذاك، وهو دستور كان نقطة تحوّل في مجال تطوير الحياة السياسية المغربيّة من جهة ووضع الأحزاب السياسيّة أمام مسؤولياتها.

يطوّر المغرب نفسه من داخل في وقت ليس ما يمنع استمرار الورش الكبيرة، التي تصبّ في نهاية المطاف في خلق فرص عمل للشباب، بما في ذلك ورشة استكمال إقامة البنى التحتية التي تجعل من المغرب بلدا صاعدا. ليس صدفة أن تكون حزمة الإصلاحات الأخيرة التي تعبّر عنها، بالأرقام، موازنة 2026 جاءت بعد أيام من افتتاح محمّد السادس مصنعا لصناعة محركات الطائرات في منطقة قريبة من الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب. يحمل المشروع اسم شركة “سافران”، وهو مشروع استثماري لشركة عالميّة. يضم المشروع مصنعًا لمحركات الطائرات واختبارها. إنّها محركات لطائرات من الجيل الجديد. لا يتعلق الأمربمجرد استثمارٍ أجنبيٍّ بقيمة مئات ملايين الدولارات، بل هو إعلانٌ عن بداية مرحلةٍ جديدة في علاقة الشباب المغربي بالصناعة والابتكار والعمل المنتج.

لم يعد سرّا أنّ المغرب استطاع تحقيق اختراقات إفريقيّة وأوروبيّة ودولية جعلت الذكرى الخمسين لـ"المسيرة الخضراء" بمثابة احتفال بانتصار كبير

في خطاب عيد العرش، قبل أقلّ من ثلاثة أشهر، نبّه العاهل المغربي إلى ضرورة تفادي وجود مغرب يسير بسرعتين. جاء الآن وقت تصويب الأمور وتأكيد أنّ التنمية لا بد أن تكون على كل المستويات. تكون التنمية شاملة أو لا تكون. لا تنمية من دون دمج للشباب المغربي فيها. الشباب في صلب الرهان المغربي على المستقبل. من هذا المنطلق، ستكون انتخابات 2026 موعدا الشباب المغربي مع السياسة. سيكون ذلك من موقع الفعل عن طريق خلق الظروف المناسبة كي تكون هناك مشاركة شبابيّة حقيقية في الانتخابات عن طريق الترشح والإقبال على صناديق الاقتراع في الوقت ذاته.

يحضّر المغرب، منذ الآن، لانتخابات 2026. عمليا، يحضر لمشاركة الشباب في الحياة السياسية التي تحتاج إلى دم جديد على أن تترافق العملية الانتخابيّة مع أسس واضحة في مقدّمها النزاهة وقطع الطريق على الفساد، إضافة في طبيعة الحال مشاركة المرأة عن طريق الترشح أيضا.

إنّ فتح أفاق السياسة أمام الشباب المغربي، لا يمكن أن يتمّ من دون تأمين مقاعد للمرأة التي هي نصف المجتمع مع ما يعنيه ذلك من توازن على الصعيد الوطني. مثل هذا التوازن مصلحة وطنية مغربيّة قبل أي شيء آخر وجزء من التنمية الشاملة أيضا.

يبقى أنّ المغرب يسير في اتجاه تكريس موقعه كجسر بين أوروبا والقارة الإفريقية من جهة وحقه استعادة وحدته الترابيّة من جهة أخرى. لم يعد سرّا أنّ المغرب استطاع تحقيق اختراقات إفريقيّة وأوروبيّة ودولية جعلت الذكرى الخمسين لـ”المسيرة الخضراء” بمثابة احتفال بانتصار كبير. مثل هذا الانتصار يعني الكثير أوّلا وما كان ليتحقّق ثانيا وأخيرا لولا تلك العلاقة بين الملك والشعب والذي في أساسه الثقة المتبادلة والصراحة. تلك العلاقة سرّ من أسرار النجاح المغربي الذي حوّل المملكة واحة استقرار فريدة من نوعها في منطقة شمال إفريقيا…

6