المصلحة الوطنية بوصلة مصر لتجاوز خلافاتها مع حركة حماس
القاهرة - شهدت العلاقة بين مصر وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تقلبات حادة على مدار العقد الماضي، خاصة في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، لكن القاهرة أثبتت نجاحا لافتا في تجاوز هذه التوترات والتعامل مع الحركة كجزء فاعل في المشهد الفلسطيني.
وأكد وكيل المخابرات المصرية السابق، اللواء محمد إبراهيم الدويري، مساء الجمعة أن مصر نجحت في تجاوز الخلافات مع حماس لأن المصلحة الوطنية كانت دائما هي البوصلة التي توجه تحركات الدولة المصرية في هذا الملف المصيري.
وشدد الدويري، في مقابلة مع قناة القاهرة الإخبارية، على أن التوترات مع الحركة الفلسطينية لم تستمر طويلاً، وتم تجاوزها سريعا لأن مصر "تتحرك نحو هدف أسمى، لا يمكن أن نكون أسرى لمواقف حماس"، معتبرا أن الوقوع في فخ المواقف المتباينة كان سيشل القدرة المصرية على التحرك في أي ملف إقليمي.
وكانت العلاقة بين مصر وحماس قد شهدت ذروة من التعاون في الفترة (2012-2013)، وذلك بعد فوز جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية المصرية.
وأدت الخلفية الأيديولوجية المشتركة بين الإخوان وحماس إلى انفتاح غير مسبوق على القطاع، ما تضمن تسهيل الحركة عبر الحدود وإرسال وفود رفيعة المستوى. لكن هذا التعاون تحول إلى توتر شديد بعد ثورة 30 يونيو 2013 وإسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي.
وواجهت حماس اتهامات رسمية مصرية بدعم جماعات إرهابية في سيناء والتورط في أعمال عنف بعد إسقاط مرسي، وهي اتهامات تسببت في موجة إعلامية وأمنية معادية للحركة في القاهرة.
وأدى هذا التوتر إلى إغلاق شبه تام لمعبر رفح، وإطلاق حملات واسعة لتدمير الأنفاق على الحدود، مما زاد من عزلة قطاع غزة وخنقه اقتصاديا وإنسانيا، وشملت الإجراءات المصرية أيضاً تصنيف بعض الكيانات التابعة لحماس كـ"منظمات إرهابية" في مراحل مبكرة من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، ما وصل إلى حد التوتر القضائي والسياسي.
وبدأت مرحلة التجاوز من جانب القاهرة تدريجيا منذ عام 2015، مدفوعة بعاملين رئيسيين: الأمن القومي المصري ودور مصر المحوري في القضية الفلسطينية.
وأدركت القيادة المصرية بوضوح أن العزلة الكاملة لحركة حماس كانت تشكل تهديدا مباشرا لأمن سيناء، حيث كان من المحتمل أن يؤدي الفراغ الأمني والاقتصادي المتزايد في قطاع غزة إلى تفاقم الأنشطة الإرهابية على الحدود المشتركة، ولذلك تطلب تحقيق استقرار الحدود وجود شريك أمني فعال وموثوق به على الجانب الفلسطيني، الأمر الذي لم يكن بالإمكان تحقيقه إلا من خلال التنسيق المباشر والضروري مع السلطة القائمة في غزة متمثلة في حركة حماس.
وحافظت مصر بعزم على دورها التاريخي كوسيط رئيسي لا غنى عنه بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، إذ كان الهدف الإستراتيجي الأبرز يتمثل في إنهاء الانقسام الفلسطيني العميق بين حركتي فتح وحماس، وهو ما لم يكن ليتحقق بأي حال دون استعادة قنوات التواصل والثقة المباشرة مع حركة حماس، ولهذا السبب تحديداً أصبحت الضرورات الأمنية والجيوسياسية هي الدافع الأساسي لإعادة بناء هذه العلاقة المعقدة، متجاوزة الخلافات الأيديولوجية والسياسية السابقة بين الطرفين.
وأتاحت هذه الواقعية لمصر ممارسة ضغط فعال على حماس لضمان استقرار الحدود المصرية وتخفيف حدة التوتر مع إسرائيل، مما أعاد للقاهرة دورها كلاعب أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في ملف غزة.
وأكد اللواء الدويري أن تلك المرحلة شهدت تغيرا طبيعيا في مستوى العلاقة نتيجة الاتهامات التي وُجهت إلى حماس بشأن المشاركة في أعمال إرهابية داخل مصر، موضحا أن هذه الفترة شهدت "خفض مستوى التمثيل والتواصل" لكن مصر لم تقطع علاقتها مع حماس، بل كانت ترسل رسائل واضحة.
وأضاف أنه "رغم التوتر، كانت تدرك حماس جيدا أن تحركات مصر نابعة من حرصها على مصلحة الشعب الفلسطيني، وليس من منطلق عداء للفصائل".
وتابع خلال لقائه ببرنامج "الجلسة سرية" عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، "حتى عندما كانت جماعة الإخوان في الحكم، كنا نتواصل مع حماس، هم يعلمون أن مصر – والقيادة والمفوضين بهذا الملف – يتمتعون بثقة ومصداقية".
وواصل قائلا "أقسم بالله أننا لم نخدعهم يوما، ويعرفون أننا حريصون على مصلحة الشعب الفلسطيني".
أضاف فيما يتعلق بالخلافات بعد ثورة 30 يونيو، أن "مصر تعاملت مع موقف حماس ووضعناه خلف ظهورنا، لكننا لم ننسه، بل احتفظنا به في أذهاننا وملفاتنا، لأن الهدف الأكبر كان ولا يزال تحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني".
وأوضح أن الهدف الذي يحكم التحركات المصرية في ذلك الوقت هو الوصول إلى وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام باعتباره مقدمة ضرورية لأي عملية سياسية حقيقية، مشيرا إلى أن الصعوبات التي واجهت مصر لم تكن مرتبطة فقط بملف التخابر بين جماعة الإخوان وحماس، بل ترجع إلى جذور الانقسام الفلسطيني.
وأشار إلى أن التعامل المصري مع الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس، كان قائما على فهم أوسع للمصلحة العامة، مؤكداً أن القاهرة "لم تتعامل مع حماس كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، بل كجزء من مكون، فصيل سياسي ربما تولّى الحكم لفترة، لكن كنا نضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق حماس وفتح والجهاد وأي تنظيم آخر".
وأكد أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وجهاز المخابرات العامة لا يزالان يتحركان في هذا الملف وفقا للمحددات الوطنية الصارمة، مشيرا إلى الخلفية الأمنية والعسكرية للرئيس السيسي، وأنه "يُدرك تماما مفاهيم الأمن القومي وتأثير القضية الفلسطينية على الأمن القومي المصري"، بصفته قائدا سابقا للمخابرات الحربية ووزيراً للدفاع.
ونوه الدويري، إلى أحد الاجتماعات المهمة التي حضرها، و"قيل فيه بالحرف: فيما يتعلق بالثوابت المصرية، نحن لا نفاوض عليها... هذه خطوط حمراء بالنسبة لنا"، مشددا على أن "ثبات الموقف المصري والدعم الكامل للقيادة الفلسطينية، والحرص الدائم على تحقيق المصالحة الفلسطينية، هي السمات التي تميز تحرك مصر في هذا الملف المصيري".