القات بدل الطعام.. أطفال اليمن يدفعون الثمن

حملات إعلامية على مواقع التواصل ضد القات تواجه الجوع والتقاليد.
الثلاثاء 2025/10/21
بلد في غيبوبة

صنعاء- أثار فيديو قصير مصور يظهر أب يمني يلقم ابنه القات جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي. ويلخص الفيديو مرارة الواقع اليمني، حيث يظهر أب يمني ذو ووجه محفور بالتعب يجلس على بساط، وهو يقطع الأب حفنة من أوراق القات الخضراء الطازجة ويُلقمها لطفله ببطء، كأنها لقمة عيش يومية، في مشهد يعكس كيف تحول نبات القات من رمز اجتماعي إلى ملاذ أخير أمام الجوع الذي يلتهم الأسر.

وهذا ليس الفيديو الوحيد إذ يتداول معلقون على نطاق واسع مقاطع فيديو لأطفال يمينين يعانون الهزال لكنهم يخزنون القات.

وسرعان ما اجتاح الفيديو منصات التواصل الاجتماعي في اليمن، خاصة تويتر وفيسبوك، حيث حصد أكثر من مئة ألف مشاهدة في الساعات الأولى، وأثار موجة من التفاعلات المتناقضة بين اليمنيين في الداخل والخارج، فبعضهم رأى فيه دليلاً دامغاً على فشل السلطات الحوثية في توفير الغذاء الأساسي للأطفال، معتبرين أن إطعام طفل بأوراق نباتية يُقمع الشهية ويدمر الصحة هو إعلان عن كارثة إنسانية مستمرة، بينما اعتبر آخرون الأب رمزاً للصمود والحنان الأبوي في وجه الحصار الاقتصادي الذي يجبر الآباء على اختيارات لا تُحتمل، مما جعل الفيديو ينتقل كالنار في الهشيم إلى مجموعات المهاجرين اليمنيين في السعودية والإمارات.

لم يتوقف الجدل عند حدود التعليقات العابرة، بل امتد إلى تصريحات رسمية أثارت غضباً أكبر، إذ نشر مسؤول إعلامي حوثي تعليقاً على الفيديو واصفاً الأب بـ"الوالد النبيل الذي يشارك فلذة كبده فيما رزقه الله"، مدعياً أن هذا السلوك يعبر عن "التكافل الاجتماعي اليمني الأصيل" وداعياً الجميع إلى الاقتداء به بدلاً من "اللطم على الصدور"، في كلمات اعتُبرت من قبل الناشطين اليمنيين سخرية مرة ومحاولة لتحويل المأساة إلى دعاية، خاصة أن القات يستهلك نحو ثلث الدخل اليومي للأسر الفقيرة، بينما يفتقر ملايين الأطفال إلى الحليب والخبز، مما دفع جعل هاشتاغات مثل #اليمن_تجوع تتصدر الترند بشكل ملحوظ خلال الأيام التالية.

وأصبح هاشتاغ #اليمن_تجوع رمزاً لصرخة الشعب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتداخل مع نقاشات حول القات كعامل رئيسي في تفاقم الفقر، إذ ينفق اليمنيون ثلث دخلهم اليومي على هذه النبتة التي تقمع الشهية وتحول دون شراء الطعام الأساسي، مما يجعلها ليست مجرد عادة اجتماعية بل عبئاً يومياً يُغذي الجوع بدلاً من مكافحته.

وانتشرت حملات على فيسبوك وإكس تندد بكيفية استهلاك القات لموارد المياه الشحيحة التي كانت تُزرع بها المحاصيل الغذائية، في بلد يعاني من شح مائي يهدد ملايين الأرواح، حيث يستهلك القات 50% من مياه الري في اليمن، كما أشارت تقارير منظمة اليونيسف المنشورة في تعليقات المستخدمين، مما يحرم المحاصيل الغذائية من فرص النمو.

ويشارك المهاجرون اليمنيون في السعودية وأوروبا مقاطع فيديو يقارنون فيها أسواق القات المزدحمة بأسواق الطعام الراكدة، داعين إلى وعي دولي.

ومع تفاقم الأسعار في الأسواق اليمنية، وصل سعر ربطة قات إلى أرقام فلكية مثل أربعة ملايين ريال يمني في عدن، أي نحو 1800 دولار، كما وثقت فيديوهات متداولة على تيك توك وإنستغرام، مما أثار موجة غضب على وسائل التواصل حيث يصف الناشطون هذا الارتفاع بنسبة 200% بسبب الصقيع الذي دمر المحاصيل، ويربطونه مباشرة بزيادة حالات سوء التغذية بين الأطفال، فبدلاً من الاستثمار في الزراعة الغذائية.

ويقول معلقون إن القات يحرق الاقتصاد الأسري ويُعمق الهوة بين الطبقات، مع تعليقات ساخرة تقول إن "اليمن يتاجر بالجوع ليبقى القات ملكاً على الطاولة".

وتحولت منصات التواصل إلى ساحة للمبادرات الشعبية ضد القات، مثل حملة "يمن بلا قات" التي أطلقت منذ سنوات. وشهدت هذه الحملات دفعة قوية مع انتشار #اليمن_تجوع، حيث يشارك الشباب صوراً وفيديوهات من أسواق القات المزدحمة مقابل أسواق الخضروات الخالية، محذرين من انتشار الإدمان بين النساء والأطفال كنتيجة للضغوط الاقتصادية، ويروون قصصاً عن أمهات يلجأن إليه للهروب من الجوع، مما يؤدي إلى مشكلات صحية مثل الإدمان والإسهال الحاد والغثيان.

وكانت حملات مثل #معا_لاغلاق_اسواق_القات أثناء جائحة كورونا نجحت جزئياً في إغلاق الأسواق مؤقتاً، التي انتشرت على واتساب وتيليغرام، في دفع السلطات في بعض المناطق كصنعاء وحضرموت لإغلاق أسواق القات مؤقتاً، مستغلة الحاجة لتقليل التجمعات، وكانت هذه خطوة رمزية ألهمت الناشطين لتكثيف الجهود عبر فيديوهات توعوية على تيك توك تُظهر أطفالاً يعانون من سوء التغذية بسبب إدمان آبائهم للقات، مع إحصاءات من منظمات مثل اليونيسف تشير إلى أن 15-20% من الأطفال دون سن 12 يستهلكون القات، مما يسبب أمراضاً كالضعف الجسدي والتأخر الدراسي.

وقال معلق على فيسبوك:

وكتب آخر: