الفن جسر بين الثقافات في ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير

فنانو الملتقى: دهب ألهمتنا أعمالا عكست روح المكان وفتحت آفاقا جديدة.
السبت 2025/09/06
دورة تؤسس لفضاء إبداعي عربي

في قلب صحراء دهب، حيث تعانق الرمال زرقة البحر، اجتمع فنانون عرب في ملتقى فني منحهم مساحة لإبداع أعمال توثق الطبيعة والتراث والهوية العربية من خلال الفن البصري، عُرضت في دار الأوبرا بالقاهرة لتكون شاهدة على حوار صامت بين الإنسان/ الفنان والمكان، وكيف استلهم الفنانون من دهب أعمالا فنية تنوّعت بين التجريد، والتعبير الواقعي، وأساليب تدمج التراث بالحداثة.

في زمن تتسارع فيه التحديات يظل الفن التشكيلي مساحة آمنة للحوار وتبادل الرؤى وقوة ناعمة قادرة على جمع المختلفين على قاسم إنساني مشترك. ومن هنا جاءت تجربة ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير، التي تحولت من مجرد فعالية فنية إلى مشروع للتلاقي والتكامل بين تجارب تشكيلية عربية متعددة.

شهدت قاعة آدم حنين بمركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية افتتاح المعرض الختامي للملتقى، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة. وجاءت الفعالية في إطار برامج وزارة الثقافة الرامية إلى تفعيل المراسم الفنية بالمحافظات الحدودية وتعزيز تبادل الخبرات بين الفنانين العرب.

افتتح المعرض اللواء خالد اللبان، مساعد وزير الثقافة لشؤون رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة، والفنان أحمد الشافعي رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية، والدكتور إسلام الهواري القوميسير العام للملتقى، بحضور الفنان طارق الكومي نقيب التشكيليين، والسفيرة الرومانية أوليفيا تودرين، إلى جانب نخبة من الفنانين والنقاد والإعلاميين.

جسور عربية

بوكس

قال اللواء خالد اللبان إن ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير “يعكس أحد أهداف وزارة الثقافة في مد جسور التواصل بين المبدعين من مختلف الدول العربية، وتعزيز الهوية الثقافية، وتفعيل دور المحافظات الحدودية كمراكز إشعاع ثقافي”.

ونقل اللبان تحيات وزير الثقافة للحضور، مؤكدا أن “تجربة دهب تؤكد أن الفن قادر على جمعنا حول قواسم مشتركة، تعزز الانتماء وتعمق الروابط الإنسانية”.

من جانبه، عبّر الفنان أحمد الشافعي عن سعادته بافتتاح المعرض، واصفا الأعمال المشاركة بأنها “تعكس تنوعا كبيرا في الأساليب والتجارب، لكنها التقت جميعا في التعبير عن روح المكان وفرادته”.

وأضاف أن هذه الفعاليات “تفتح آفاقا جديدة للحوار البصري وتدعم التواصل بين الأجيال والتجارب الفنية المختلفة”.

أما القوميسير العام لملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير، د. إسلام الهواري، فأكد أن “الأعمال تناولت موضوعات متعددة مرتبطة بالمكان والزمان والإنسان ورموزه وثرواته الطبيعية والتاريخية”، مشددا على أن الملتقى يمثل “بداية لتجارب أقوى في المستقبل، فنحن بحاجة اليوم إلى إعادة الحياة إلى الإنسان من خلال الفن باعتباره القوة الناعمة التي نواجه بها التحديات”.

بدورها، تحدثت الفنانة ڤيڤيان البتانوني، مدير عام الفنون التشكيلية، عن ثراء التجربة قائلة “كل فنان قدم رؤيته الخاصة للمكان مستندا إلى خلفيته الثقافية وتجربته الشخصية، وهو ما أتاح تنوعا ثريا في تناول الطبيعة الروحانية والجمالية لمدينة دهب”.

كما عبّر الفنانون المشاركون عن سعادتهم بالمشاركة، ومن بينهم د. محمد غالب الذي اعتبر أن الملتقى “حقق نجاحا كبيرا، فجاءت الأعمال غزيرة ومتنوعة، عكست ثقافات مختلفة من دول عربية متعددة”.

وأشار الفنان الأردني كمال أبوحلاوة إلى أن لوحته جسدت البحر رمزا للوحدة والصفاء، بينما ركز الفنان اللبناني شارل خوري على جماليات الطبيعة في تكوينات شفافة.

pp

أما الفنان الجزائري مراد عبداللاوي، فأوضح أنه “قدم لوحتين عبر فيهما عن الجبل بألوان دراماتيكية معتمدًا على الإحساس الداخلي”، في حين استلهم د. فخري العزازي من جبال سانت كاترين لوحة بعنوان جبل التجلي. وقدم د. عماد أبوزيد رؤية جديدة للشعاب المرجانية والبحر، بينما جسّد السوري عمار النحاس تفاصيل الحياة اليومية في دهب.

ومن بين الأعمال اللافتة أيضا لوحة الفنانة الإماراتية نجاة مكي التي اعتمدت التجريد اللوني والكولاج، وعمل للفنانة السعودية علا حجازي التي دمجت الخط العربي مع المشهد الطبيعي، ولوحة العمانية مريم الزدجالية التي ركزت على البساطة التعبيرية لمسجد إسلامي. أما الفلسطينية ريما المزين فاعتمدت الألوان الدافئة للتعبير عن التضحية، فيما جسدت التونسية وصال سليمان أكاليل الشهداء.

وقدم العراقي كريم فرحان تكوينا بصريا بالحروف المصرية القديمة، بينما عكست الليبية إلهام الفرجاني عمق الجبل وصفاءه الداخلي.

الفن قوة ناعمة

في ختام المعرض، تم تكريم المشاركين والقائمين على الملتقى، وتسليم درع الهيئة وشهادات التقدير.

والمعرض الذي يستمر حتى السابع من سبتمبر الجاري جاء ثمرة أسبوع كامل من الإبداع بمدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء، ويمثل نموذجا واضحا لما يمكن أن يحققه الفن التشكيلي حين يتحول من فعل فردي إلى ممارسة جماعية عابرة للحدود.

ويأتي ملتقى دهب كعلامة مضيئة في مسار الفن التشكيلي العربي المعاصر، ليس فقط بما قدّمه من أعمال متنوعة، بل بما أرساه من حوار بصري بين فنانين ينتمون إلى مدارس وتجارب مختلفة.

وهذا المعرض في جوهره لم يكن مجرد “حصاد” بل كان إعلانا عن أن التشكيل العربي ما زال قادرا على التجدد، وعلى أن يكون أداة للتواصل الثقافي وتكريس الهوية في مواجهة صخب العالم.

14