الفرزدق وجرير يشغلان التونسيين

نقاش واسع حول استخدام الرئيس التونسي لأبيات شعرية من نقائض جرير والفرزدق في عصر تيك توك.
الجمعة 2025/10/24
"أبشري بطول سلامة يا تونس"

تونس- انشغل التونسيون في اليومين الأخيرين بتفسير بيتي شعر استعان بهما الرئيس التونسي قيس سعيد. وفي خطاب تلفزيوني بثّته القناة الرسمية التونسية يوم 21 أكتوبر الحالي ، تحدّث قيس سعيد عن "مؤامرات خارجية وداخلية" تهدف إلى "اغتيال إرادة الشعب التونسي".
ولتعزيز كلامه، استشهد ببيتين شهيرين من نقائض جرير ضد الفرزدق. قال قيس سعيد البيت الأول "زَعَمَ الْفَرْزَدَقُ أَنَّهُ يَقْتُلُ مَرْبَعًا * أَبْشِرْ بِطُولِ سَلَامَةٍ يَا مَرْبَعُ". ويشير البيت إلى توعد الفرزدق وقتل "مربع"، فرد جرير بسخرية من التهديد الفارغ.

ثم استعان بالبيت الثاني الذي جاء فيه "لَمَّا وَضَعْتُ عَلَى الْفَرْزَدَقِ مِيسْمَى * وَضْغَا الْبَغِيثُ جَدَعْتُ أَنْفَ الْأَخْطَلِ". وفي هذا البيت يروي جرير كيف "وضع ميسمًا" – علامة ملكية على جمل الفرزدق – وكيف قطع أنف الأخطل، الشاعر المنافس، رمزًا للانتصار.

وأضاف سعيد "زعم هؤلاء أن سيغتالوا إرادة شعبنا، فابشر بطول سلامة يا تونس، كما قال جرير... لما وضعت على الفرزدق ميسمى...".

صفحات فيسبوك تعتبر مجالا للتأثير في الرأي العام وتوجيهه، ووسيلة لجس النبض في الشارع بخصوص الأحداث

والفرزدق وجرير هما اثنان من أبرز شعراء العصر الأموي (القرن الأول الهجري)، اشتهرا بـ"النقائض" – وهي نوع من الشعر يجمع بين الفخر بالقبيلة والهجاء اللاذع للخصم. كان الصراع بينهما يشبه اليوم "الترولينغ" على وسائل التواصل، لكنه امتد لأكثر من 40-50 عامًا، وشغل مجالس العرب كلها، من البصرة إلى دمشق. انقسم الناس إلى معسكرين: فريق يؤيد جرير لفصاحته ودقة هجائه، وآخر يدعم الفرزدق لجرأته وبلاغته. كان سوق المربد في البصرة (سوق شعري يومي الخميس) مسرحًا رئيسيًا لهذه المعارك، حيث يتبارى الشعراء أمام الجمهور.

وجاء الخطاب في ظل تواصل موجة الاحتجاجات في محافظة قابس الواقعة جنوب شرقي تونس منذ عدة أيام، بسبب التلوث البيئي الذي يُنسب إلى أنشطة المجمّع الكيميائي التونسي بالمنطقة. واعتبر معلقون أن استخدام سعيد للبيتين يأتي في سياق ردرمزي على دعوة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي لشباب "جيل زد" للتحرك من أجل التغييرالسياسي. هذه الدعوة،التي أطلقها المرزوقي عبر منشورات على منصة إكس وتصريحات إعلامية، تُطالب الشباب بالاحتجاج ضد سياسات سعيد.

ودار نقاش واسع على مواقع التوصل حول استخدام الرئيس التونسي لأبيات شعرية من نقائض جرير والفرزدق في خطاباته السياسية، في عصر تيك توك والذكاء الاصطناعي.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، انتشرت هاشتاغات مثل #الفرزدق_وجرير_في_تونس و#قيس_يُهْجُو_جيل_زد، مع آلاف التغريدات في غضون أيام.
ويبدو الهاشتاغ الثاني مدارا من الخارج. ويتهم تونسيون صفحات مشبوهة مأجورة على الشبكات الاجتماعية تدار من الخارج لتأجيج الوضع السياسي في البلاد والتدخل في شؤونهم.

وتتوافق الاتهامات مع تقارير إعلامية تحدثت عن إستراتيجية إخوانية جديدة للتأثير على الرأي العام التونسي، عبر صفحات مشبوهة. 

وقالت مصادر أن هذه الجماعات تتبع نفس الأساليب التي تستعملها جماعة الإخوان وهي توظيف صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بنشر محتويات زائفة ومضللة عبر فيديوهات ومنشورات.

وتعتبر صفحات فيسبوك مجالا للتأثير في الرأي العام وتوجيهه، ووسيلة لجس النبض في الشارع بخصوص رد فعل المواطنين في علاقة بالأحداث والمستجدات اليومية، وهو ما خلق مساحة جديدة لتشويه الخصوم وبثّ الإشاعات وتداول الأخبار الزائفة بهدف تصدّر المشهد وتحقيق مصالح شخصية.

في سياق النقاشات التونسية، يرى مؤيدو سعيد أن الاستشهاد بجرير يعكس "ثقافة راسخة" للرئيس، ويردون على اتهامات "الفجوة الثقافية" مع جيل زد بأن الشعر الكلاسيكي جزء من "هوية الشعب التونسي العربي". ووُصف الخطاب بأنه "دفاع شعري عن السيادة الوطنية"، حيث يُقارن سعيد نفسه بجرير الذي "قطع أنف الأخطل" (رمزًا للانتصار على الخصوم الفاسدين). هذا الاستخدام يُعتبر "بلاغة سياسية" تعزز الخطاب، لا "تحايلًا ثقافيًا" كما يدعي المعارضون. 

وقالت معلقة في هذا السياق:

وسبق أن تصدر "كافور الإخشيدي" قائمة البحث على محرك غوغل في تونس، منذ ذكر على سعيد، عام 2019، في مناظراته التلفزيونية الأولى حين سأله الصحافي عن وعوده الانتخابية فقال إنه “لا يقدم وعودا كالتي يقدمها كافور الإخشيدي للمتنبي”.

في المقابل يرى معترضون أن "جيل زد يحتاج إصلاحات اقتصادية، مش نقائض من القرن الأول!"

وقال ناشط:

وزادت السخرية بعد إسقاطات من مظاهرات "لا ملوك" المناهضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب في الولايت المتحدة الأميركية . وقال معلق:

في سياق آخر، انتقد معلقون غياب الإعلام عن تغطية مظاهرات قابس.

وتزامنا مع هذه التطورات، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداول روايات متباينة إزاء طريقة تعامل السلطات مع الأزمة، من بينها ادعاءات تتحدث عن زيارة لسعيّد إلى قابس لمتابعة الوضع البيئي ميدانيا، وتكليفه شركة صينية بوضع خطة تقنية للحد من الانبعاثات والتلوث الصناعي في المحافظة.كما نُشرت تصريحات منسوبة إلى مصادر رسمية تتهم بعض المحتجين بأنهم "مأجورون" أو مدفوعون من أطراف سياسية معارضة، مما زاد الجدل بشأن حقيقة ما يجري في المدينة.

5