الطفولة تحت الركام في أشد النزاعات الحديثة
كشفت دراسة طبية أن الإصابات التي عاينها أطباء دوليون في غزة خلال العملية العسكرية الإسرائيلية تُعدّ “الأشد” مقارنة بنزاعات حديثة، وتفوق حتى إصابات الجنود في حربي العراق وأفغانستان، حيث تضمنت الحالات حروقًا من الدرجة الرابعة، وبترًا، وسوء تغذية، وسط نقص حاد في المعدات، ومنع دخول فرق طبية دولية، ما فاقم المأساة الإنسانية.
باريس - تحدّث أطباء وممرضون من دول مختلفة عالجوا فلسطينيين في مستشفيات غزة عن إصابات أكثر حدة من تلك التي تعرّض لها مدنيون في نزاعات حديثة أخرى، بحسب دراسة أجريت أخيرا.
واستطلعت الدراسة التي نشرت في “المجلة الطبية البريطانية” العريقة ردود 78 عاملا في مجال الرعاية الصحية الإنسانية معظمهم من أوروبا وأميركا الشمالية على أسئلة تتحدث عن حدة الإصابات التي رأوها أثناء وجودهم في قطاع غزة، ومواقعها وأسبابها.
وأفاد فريق الباحثين الذي قاده بريطانيون بأن هذه هي البيانات الأشمل المتوافرة عن إصابات الفلسطينيين أثناء عملية إسرائيل العسكرية المتواصلة منذ قرابة العامين ضد حركة حماس، نظرا إلى أن منشآت القطاع الطبية دُمّرت وفُرضت قيود مشددة على وصول جهات دولية.
وقال كبير الباحثين الذين عملوا على الدراسة الجرّاح البريطاني عمر التاجي، إن ثلثي العاملين في مجال الصحة عملوا في الماضي في مناطق نزاع أخرى، وأكدوا بغالبيتهم أن الإصابات في غزة كانت “أسوأ ما شاهدوه على الإطلاق”.
حملة إسرائيل العسكرية المتواصلة في قطاع غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 65500 شخص، معظمهم مدنيون
وبعد فترة تصل إلى ثلاثة أشهر على عودتهم من غزة، أجاب الأطباء والممرّضون بالاستناد إلى دفاتر سجلات ومحاضر مناوباتهم، على أسئلة استطلاع بشأن الإصابات التي رأوها أثناء فترات عملهم في القطاع التي تراوحت بين أسبوعين و12 أسبوعا بين أغسطس 2024 وفبراير 2025.
وصنّفوا أكثر من 23700 إصابة بالغة وحوالي 7000 إصابة ناجمة عن أسلحة، وهي أرقام تشبه إلى حد كبير بيانات منظمة الصحة العالمية، بحسب الدراسة.
ويصعب الحصول على بيانات عن الإصابات في أي نزاع، لكن الدراسة وصفت الإصابات في غزة بأنها “حادة بشكل غير معهود”.
ووقع أكثر من ثلثي الإصابات الناجمة عن أسلحة في القطاع الذي يتعرّض لقصف متواصل من الجيش الإسرائيلي، نتيجة انفجارات، بحسب الدراسة.
وذكرت الدراسة أن ذلك يشكل أكثر من ضعف معدل الإصابات الناجمة عن انفجارات المسجلة في أوساط المدنيين في نزاعات حديثة أخرى.
وأضافت أنها موازية لمعدلات إصابات الجنود الأميركيين أثناء حربي العراق وأفغانستان.
وفي هذا السياق، لفت التاجي إلى وجود “فرق كبير” في الحالتين، إذ أنه بخلاف المدنيين، يحظى الجنود بالتدريب والحماية ويعرفون سلفا بأنهم يواجهون الخطر.
وذكرت الدراسة أن “حجم الإصابات وتوزعها وشدّتها التي ترقى إلى درجة عسكرية، تشير إلى أنماط من الأذى تتجاوز تلك المسجّلة في نزاعات حديثة سابقة”.
وأكد التاجي أن المصابين عانوا أيضا بنسبة “هائلة” غير مألوفة بحروق من الدرجة الثالثة والرابعة، وهي حروق تخرق الجلد.
وعندما أُرسل إلى غزة العام الماضي، قال التاجي إنه رأى “عددا (صادما) من الأطفال الذين وصلوا بحروق شديدة إلى حد أنه يمكن رؤية عضلاتهم وعظامهم”.
وأما الأمراض التي تم الإبلاغ عنها في معظم الأوقات فكانت سوء التغذية والجفاف في القطاع حيث أعلن تقييم مدعوم من الأمم المتحدة المجاعة في أغسطس.
وأفاد الأستاذ لدى مركز دراسات الإصابات الناجمة عن الانفجارات التابع في لندن إمبريال كولدج أنتوني بول والذي لم يشارك في الدراسة، بأن “هذا عمل مهم للغاية”.
وأشار إلى أن البيانات لا تشمل سوى المصابين الذين “بقوا على قيد الحياة وتمكنوا من الوصول إلى عامل في مجال الرعاية الصحية”.
وتضمنت الدراسة أيضا قسما يتيح للعاملين في مجال الرعاية الصحية الكتابة بحرية عن مشاهداتهم. ونقل عن أحد الأطباء قوله إن “الأسوأ كان توسّل الأمّهات لإنقاذ أطفالهن الميتين”. وتحدّث آخرون عن تعبير الأطفال عن “نيتهم الانتحار” بعدما رأوا أفراد عائلاتهم يموتون.
وتحدّث الكثيرون عن اضطرارهم لإجراء عمليات جراحية في ظروف صعبة للغاية في غياب معدات أو دعم، وهو وضع أدى إلى قرارات بشأن كيفية تقنين الرعاية من أجل إنقاذ المرضى الذين تعد فرص نجاتهم كبيرة.
ووصل التاجي إلى المستشفى الأوروبي في غزة في مايو العام الماضي، قبل أيام على إطلاق إسرائيل غزوها الكبير في مدينة رفح المجاورة.
وقال إنه على مدى عدة ليال متواصلة، وصلت مجموعات تصل إلى 70 شخصا مصابين بجروح خطرة إلى المستشفى.
وفي إحدى الليالي، تبرّع التاجي وغيره من الأطباء والممرضين بالدم للتعويض عن النقص في الإمدادات.
واندلعت الحرب جراء هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 والذي أودى بحياة 1219 شخصا معظمهم من المدنيين، بحسب بيانات رسمية.
وأسفرت حملة إسرائيل العسكرية المتواصلة في غزة ردا على الهجوم، عن مقتل أكثر من 65500 شخص، معظمهم مدنيون أيضا، بحسب أرقام وزارة الصحة التابعة لحماس في القطاع والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة. وأصيب أكثر من 167 ألف شخص بجروح في غزة، بحسب وزارة الصحة.
وندد التاجي بمنع العاملين في مجال الصحة من مختلف أنحاء العالم من دخول غزة.
وفي أغسطس، حذّر ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية ريك بيبركورن من أن “هذا المنع التعسفي” لدخول العاملين في الرعاية الصحية يؤدي إلى المزيد من الوفيات التي بالإمكان تجنّبها.




