الصدر يضع ثلاثة خيارات للتأزيم رفضا لمساومات الإطار التنسيقي
بغداد - أعلن زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، رفضه القاطع لعرض جديد قُدّم إليه من الإطار التنسيقي، وهو ما يؤكد تمسكه بموقعه كرقم صعب في المعادلة السياسية العراقية رغم إعلانه مقاطعة الانتخابات المقبلة.
ويفتح هذا الرفض الباب أمام ثلاثة سيناريوهات بديلة، جميعها تحمل في طياتها تحديات كبيرة للمشهد السياسي القائم، خاصة قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل.
وقال مصدر مقرب من زعيم التيار الوطني الشيعي لوكالة "شفق نيوز"، إن "الإطار التنسيقي أرسل قبل أيام مبعوثا شخصيا إلى الصدر، حاملاً عرضاً يتضمن موافقة الإطار على أن يُسمّي الصدر شخصية رئيس مجلس الوزراء المقبل، كما حدث مع مصطفى الكاظمي، مقابل عدم التدخل في مسار الانتخابات، لكن الصدر رفض العرض بشكل قاطع، متمسكاً بخياراته المطروحة"، ما يشير إلى أن مطالب الصدر تتجاوز مجرد الحصول على منصب رئيس الوزراء إلى الرغبة في إصلاح هيكلي ينهي التوافقية والمحاصصة، ويدعو بدلا من ذلك إلى حكومة أغلبية وطنية أو معارضة فاعلة.
ووفقا للمصدر، فإن "الأخير بات أكثر عزلة وتفردا بالقرار خلال المرحلة الراهنة، إذ لم يعد يشرك في مداولاته السياسية سوى دائرة ضيقة جدا من المقربين، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، حيث تُظهر تغريداته وبياناته الأخيرة قراءة أكثر حذرا ووضوحا للمشهد السياسي العراقي".
وأكد المصدر، أن الصدر "وضع أمامه ثلاثة سيناريوهات رئيسة للفترة المقبلة، أولها النزول إلى الشارع وإعادة نصب خيام الاعتصام والتصعيد الشعبي، وهو خيار من شأنه تهديد إجراء الانتخابات في موعدها المحدد".
أما الخيار الثاني هو الموافقة المشروطة على الانتخابات، حيث يقبل بإجرائها في موعدها، لكن يدفع جمهوره إلى المقاطعة، مما سيؤدي إلى نسبة مشاركة متدنية.
وهنا يكمن الرهان الأكثر دقة، حيث يشير المصدر إلى أن الصدر يراهن على ضمانات دولية غير مباشرة بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في حال كانت ضعيفة، خصوصا مع مشاركة فصائل مسلحة محظورة قانونياً ودولياً.
هذا السيناريو قد "يفتح الباب أمام تشكيل حكومة طوارئ بعيدة عن حكومة محمد شياع السوداني، الذي يفتقر لدعم أميركي وإيراني خلال الفترة الحالية، مع احتمال ظهور شخصية بديلة على غرار مصطفى الكاظمي، بل وحتى عودة الأخير لقيادة المرحلة الانتقالية". بحسب المصدر
أما الخيار الثالث فيتمثل في تأجيل الانتخابات، والمراهنة على تطورات مفاجئة وكبيرة في المنطقة تُجبر الحكومة والإطار التنسيقي على القبول بالتأجيل.
وتزامنت هذه التطورات مع سجال سياسي محتدم بعد تداول معلومات عن محاولة لاستهداف الصدر بطائرة مسيّرة أثناء زيارته مرقد والده في النجف، وهو ما أثار استنفارا أمنيا واسعا.
ورفض الصدر هذه التهديدات مؤكدا أنها "لن تخيفه"، وأن أي تصعيد محتمل لن يكون سوى "صراع بين عشاق السلطة أنفسهم".
ووصف ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، هذه المعلومات بأنها تهدف إلى "التسقيط الانتخابي"، في إشارة إلى المنافسة التاريخية والخلافات العميقة بين الطرفين.
وكانت خلافات سابقة بين الطرفين قد أدت إلى حرق وإغلاق مقرات حزب الدعوة ودولة القانون في عدة محافظات، كان آخرها قبل الانتخابات المحلية نهاية 2023.
وفي بيان نشره عبر منصة إكس، انتقد الصدر بحدة الأجواء التي تسبق الانتخابات البرلمانية المقبلة، مشيرا إلى أن غياب تياره عنها للمرة الأولى أدى إلى تصاعد المخاوف وتكاثر التكهنات.
وردًا على اتهام تياره بمحاولة عرقلة الانتخابات أو منع الناخبين، استخدم الصدر مثلًا شعبيًا لاذعًا "إلي بعبه صخل يمعمع، وكل إناء بالذي فيه ينضح"، ليؤكد أن هذه المخاوف تعكس نوايا أصحابها لو كانوا في موقفه.
كما أشار الصدر إلى أن العملية الديمقراطية أصبحت "رهينة خاسرين وفاسدين"، متهماً بعض الأطراف بتمني تعطيل الانتخابات خشية من نتائج لا تكون لصالحها أو حفاظاً على ما حصلت عليه من مغانم. وبذلك، يضع الصدر المسؤولية عن تدهور المشهد على عاتق القوى المشاركة التي تبتعد عن الإصلاح.
وفيما يخص التسريبات حول محاولة استهدافه، شدد الصدر على أن التهديدات لن تخيفه ولن تضره. وحذر من أن أي تصعيد متوقع في الأيام المقبلة سيكون من قبل "عشاق السلطة ومحبي الكراسي"، وأن ذلك سيتحول إلى "صراع بين عشاق السلطة أنفسهم" بمجرد إعلان النتائج.
ويهدف الصدر بهذا التصريح إلى نزع الشرعية عن أي توترات أمنية محتملة، محمّلاً المسؤولية عنها لأطراف العملية السياسية المتنافسة.
بينما تنشغل القوى السياسية بـ "الترهات" الداخلية، أكد الصدر أن العراق يواجه مخاطر أكبر وأكثر جوهرية. ولفت إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في الانفلات الأمني وانتشار السلاح العشائري والمليشياوي، إضافة إلى الأزمات الخدمية والاقتصادية مثل الجفاف والتلوث والكهرباء وسوء التعليم وتردي القطاع الصحي.
كما حذّر من تفشي البطالة والأفكار المتشددة والأمراض والفقر والفساد الأخلاقي، واصفا التهديد بأنه “خطر ديني وعقائدي قبل أن يكون وطنيا”. وانتقد التهويل من عودة حزب البعث، معتبرا أنه “حزب متهالك لا أثر له”، مقارنة بمخاطر الإرهاب والتطبيع والتبعية والطائفية.
أكد الصدر أن تياره لن ينجر وراء أي فتنة، داعيا أنصاره إلى الوعي والطاعة، ومرسلا تحذيراً مبطناً إلى الأطراف التي قد تسعى لاستغلال اسمه "لن تنفعكم أموالكم ولا مسيراتكم... فذلك مضر بوجودكم وأنتم تعلمون ذلك".
جاءت زيارة الصدر لمرقد والده في النجف صباح الأحد الماضي، والتي وثقها مكتبه الإعلامي بصور تُظهره يترجل من سيارته وسط حضور جماهيري، بعد تداول أنباء عن محاولة اغتيال بطائرة مسيرة.
هذه الأنباء أشعلت فتيل التوتر، ما أدى إلى انتشار عناصر سرايا السلام التابعة للتيار الصدري في شوارع المدن الجنوبية، ونزول حشود مليونية من أنصار التيار إلى شوارع البصرة والناصرية وبغداد، في استعراض قوة سريع وممنهج.
وقد جاءت هذه التعبئة بعد تحذير مباشر من الصحفي علي فاضل للصدر في تسجيل مصور، قال فيه "أردت تحذيرك من باب إنساني وأخلاقي".
في المقابل، سارع النائب ياسر صخيل المالكي بإصدار بيان وصف فيه ما تم تداوله بأنه "افتراءات وأباطيل تهدف إلى خلق فتنة"، مؤكداً عزمه على الملاحقة القضائية.
كما أدان صخيل المالكي "الأساليب الرخيصة" التي تلجأ إليها جهات مشبوهة، مؤكداً أن هذه الأكاذيب هي "محاولة يائسة لتعكير أجواء التقارب الوطني".
يأتي هذا التوتر على خلفية تاريخ طويل من الصدام بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة.
فقبل نحو عامين، أغلق أنصار الصدر قرابة 20 مقراً حزبياً لحزب الدعوة في 10 محافظات. ووثقت مقاطع فيديو في يوليو 2023 اقتحام جمهور التيار أحد المكاتب وتمزيق صور زعيم دولة القانون نوري المالكي، وهي "حركة ثورية" اعتبرها الصدر حينها دفاعاً عن العلماء، بينما حذر حزب الدعوة من "الفتنة".